13 نوفمبر 2024
إخلاص "الحليف" الروسي
من الانطباعات التي يحرص الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على إعطائها، على صعيد علاقاته الدولية وسياساته الخارجية، أنه، بعكس الولايات المتحدة، شريكٌ موثوقٌ، لا يتخلّى عن حلفائه، ولا يخون أصدقاءه، بل يدافع عنهم بقوة، ويبقى إلى جانبهم حتى النهاية. لكن هذا الانطباع تعتريه هشاشة صادمة، جراء ميولٍ "غريزية" لدى الرئيس فلاديمير بوتين، للاستفادة من أي معطى، مهما كان هامشيًا، لابتزاز هؤلاء الشركاء والحلفاء، والضغط عليهم في ظروف ضعفهم، لتعظيم مكاسبه على حسابهم. وعلى الرغم من أن أمثلة كثيرة تبرز أمامنا للدلالة على ميوله تلك، الا أن شيئًا من ذلك لا يُقارن بقدرته على التلاعب بشريكيه في الشأن السوري، تركيا وإيران، مستغلًا تدهور علاقة كليهما بواشنطن.
في قمة طهران، يوم 7 سبتمبر/ أيلول الجاري، اتضح من الاشتباك الكلامي الروسي - التركي، والذي أراده الإيرانيون علنيًا لإحراج ضيوفهم الأتراك، المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الرئيس بوتين في استثمار حال الضعف التي تعتري موقف "الشريك" التركي، للمضي في تحقيق أغراضه على الساحة السورية. إذ رفض طلباً لوقف إطلاق النار في إدلب، وإعطاء الأتراك مزيداً من الوقت، لاستكمال جهودهم لحل مشكلة التنظيمات المتشدّدة سلمياً، لتجنّب حمام دم حقيقي بين المدنيين، ودفع موجات كبيرة من اللاجئين باتجاه الحدود.
بإدراكه عمق الأزمة في العلاقات التركية – الأميركية، والتي بلغت حد فرض واشنطن عقوبات على مسؤولين أتراك، ووقف تسليم أسلحة لتركيا، وإعلان ما يشبه الحرب على الليرة والاقتصاد التركيين، وغير ذلك من إجراءات، يستغل بوتين عزلة الرئيس أردوغان بين حلفائه الغربيين، وانكشاف ظهره، للضغط عليه، ودفعه الى الاستسلام أمامه. وبدون موقف أميركي قوي، يعرف بوتين أن الأتراك لا يملكون خياراتٍ حقيقيةً لمقاومة استراتيجيته الرامية إلى حسم الصراع السوري عسكرياً، وإضعاف أدوار القوى الإقليمية "الشريكة"، قبل البدء بأي حديثٍ جدّي عن تسوية سياسية. وهذا يفسر أيضاً الاستعجال الروسي في قطف الثمار، تحسّباً لأي تغيير يطرأ على المزاج الأميركي، بخصوص العلاقة مع تركيا، يؤدي إلى تحسين مواقعها.
لكن الإيرانيين الذين سرّهم إظهار عزلة جيرانهم الأتراك، وضعفهم في قمة طهران، لم يكونوا أفضل حالاً في علاقتهم مع الروس في قمة بحر قزوين، ففي الاجتماع الخامس لزعماء دول حوض قزوين التي انعقدت في أكتاو (كازاخستان) في أغسطس/ آب الماضي، بدا الرئيس حسن روحاني في قمة الضعف والانكسار، برضوخه للمقترحات الروسية المتعلقة بإعادة تعريف الوضع القانوني للبحر، تمهيداً لاقتسام ثرواته. وهنا أيضاً استغل الرئيس بوتين الهجمة الأميركية الشديدة على "الحليف" الإيراني، عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، للحصول على تنازلاتٍ غير مسبوقة من إيران، بشأن حصتها في بحر قزوين، إذ وافقت إيران في هذه القمة على تخفيض حصتها من 50% إلى أقل من 13% من حوض البحر. كيف هذا؟
بموجب اتفاقية 1982 بين طهران وموسكو، اقتسم الطرفان بحر قزوين، بالتساوي بوصفه بحراً مشتركاً. وعلى الرغم من أن الوضع تغير بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وظهور أربع دول على أنقاضه (روسيا وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان)، ظلت إيران تصرّ على تعريف قزوين بأنه "بحر"، للحفاظ على حصة النصف فيه. بعد ربع قرن من الرفض، تمكّنت روسيا أخيراً ليس فقط بانتزاع موافقة طهران على تغيير الوضع القانوني للبحر، وذلك بإعادة تعريفه حوضاً مائياً لا يحمل صفة البحر أو البحيرة، بل أيضاً موافقتها على الحصّة الأقل بين الدول الخمس المتشاطئة. وإذا أُخذت بالاعتبار تقديرات وكالة الطاقة الأميركية للثروات التي يحتويها بحر قزوين (48 مليار برميل من النفط و292 تريليون قدم مكعبة من الغاز) لفهمنا الدافع وراء الانتقادات الداخلية الشديدة التي تعرّض لها روحاني، بموافقته على المقترحات الروسية. لم تقف حدود الابتزاز الروسي هنا، إذ عرضت روسيا على إيران "إنقاذًا" لها من العقوبات الأميركية أن تشتري كامل إنتاجها من النفط المخصص للتصدير (بسعر مخفّض) لتعيد هي بيعه، وتحصل إيران، في المقابل، على بضائع روسية بقيمة النفط المباع، بدلاً من العملة الصعبة، أو قيمته بالعملات المحلية، لصعوبة استخدام إيران النظام المصرفي العالمي للتحويل بسبب العقوبات الأميركية. حقًا، لا يمكن أن يجد المرء حليفاً أكثر إخلاصاً!
في قمة طهران، يوم 7 سبتمبر/ أيلول الجاري، اتضح من الاشتباك الكلامي الروسي - التركي، والذي أراده الإيرانيون علنيًا لإحراج ضيوفهم الأتراك، المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الرئيس بوتين في استثمار حال الضعف التي تعتري موقف "الشريك" التركي، للمضي في تحقيق أغراضه على الساحة السورية. إذ رفض طلباً لوقف إطلاق النار في إدلب، وإعطاء الأتراك مزيداً من الوقت، لاستكمال جهودهم لحل مشكلة التنظيمات المتشدّدة سلمياً، لتجنّب حمام دم حقيقي بين المدنيين، ودفع موجات كبيرة من اللاجئين باتجاه الحدود.
بإدراكه عمق الأزمة في العلاقات التركية – الأميركية، والتي بلغت حد فرض واشنطن عقوبات على مسؤولين أتراك، ووقف تسليم أسلحة لتركيا، وإعلان ما يشبه الحرب على الليرة والاقتصاد التركيين، وغير ذلك من إجراءات، يستغل بوتين عزلة الرئيس أردوغان بين حلفائه الغربيين، وانكشاف ظهره، للضغط عليه، ودفعه الى الاستسلام أمامه. وبدون موقف أميركي قوي، يعرف بوتين أن الأتراك لا يملكون خياراتٍ حقيقيةً لمقاومة استراتيجيته الرامية إلى حسم الصراع السوري عسكرياً، وإضعاف أدوار القوى الإقليمية "الشريكة"، قبل البدء بأي حديثٍ جدّي عن تسوية سياسية. وهذا يفسر أيضاً الاستعجال الروسي في قطف الثمار، تحسّباً لأي تغيير يطرأ على المزاج الأميركي، بخصوص العلاقة مع تركيا، يؤدي إلى تحسين مواقعها.
لكن الإيرانيين الذين سرّهم إظهار عزلة جيرانهم الأتراك، وضعفهم في قمة طهران، لم يكونوا أفضل حالاً في علاقتهم مع الروس في قمة بحر قزوين، ففي الاجتماع الخامس لزعماء دول حوض قزوين التي انعقدت في أكتاو (كازاخستان) في أغسطس/ آب الماضي، بدا الرئيس حسن روحاني في قمة الضعف والانكسار، برضوخه للمقترحات الروسية المتعلقة بإعادة تعريف الوضع القانوني للبحر، تمهيداً لاقتسام ثرواته. وهنا أيضاً استغل الرئيس بوتين الهجمة الأميركية الشديدة على "الحليف" الإيراني، عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، للحصول على تنازلاتٍ غير مسبوقة من إيران، بشأن حصتها في بحر قزوين، إذ وافقت إيران في هذه القمة على تخفيض حصتها من 50% إلى أقل من 13% من حوض البحر. كيف هذا؟
بموجب اتفاقية 1982 بين طهران وموسكو، اقتسم الطرفان بحر قزوين، بالتساوي بوصفه بحراً مشتركاً. وعلى الرغم من أن الوضع تغير بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وظهور أربع دول على أنقاضه (روسيا وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان)، ظلت إيران تصرّ على تعريف قزوين بأنه "بحر"، للحفاظ على حصة النصف فيه. بعد ربع قرن من الرفض، تمكّنت روسيا أخيراً ليس فقط بانتزاع موافقة طهران على تغيير الوضع القانوني للبحر، وذلك بإعادة تعريفه حوضاً مائياً لا يحمل صفة البحر أو البحيرة، بل أيضاً موافقتها على الحصّة الأقل بين الدول الخمس المتشاطئة. وإذا أُخذت بالاعتبار تقديرات وكالة الطاقة الأميركية للثروات التي يحتويها بحر قزوين (48 مليار برميل من النفط و292 تريليون قدم مكعبة من الغاز) لفهمنا الدافع وراء الانتقادات الداخلية الشديدة التي تعرّض لها روحاني، بموافقته على المقترحات الروسية. لم تقف حدود الابتزاز الروسي هنا، إذ عرضت روسيا على إيران "إنقاذًا" لها من العقوبات الأميركية أن تشتري كامل إنتاجها من النفط المخصص للتصدير (بسعر مخفّض) لتعيد هي بيعه، وتحصل إيران، في المقابل، على بضائع روسية بقيمة النفط المباع، بدلاً من العملة الصعبة، أو قيمته بالعملات المحلية، لصعوبة استخدام إيران النظام المصرفي العالمي للتحويل بسبب العقوبات الأميركية. حقًا، لا يمكن أن يجد المرء حليفاً أكثر إخلاصاً!