إحياء ذكرى مجزرة كفر قاسم: لا غفران ولا نسيان

30 أكتوبر 2015
من فعاليات إحياء ذكرى المجزرة في كفرقاسم (العربي الجديد)
+ الخط -
في ذكرى مجزرة كفر قاسم، التي أحياها أبناء الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، أمس، عاد الباقون على قيد الحياة من تلك الفترة، للتأكيد على وصيتهم للجيل الجديد، أن "لا غفران ولا نسيان"، كما يفعلون كل عام. وتأتي الذكرى هذا العام، في ظل مضي المؤسسة الإسرائيلية والمتطرفين باستباحة دماء فلسطينيي 48، ولا سيما في الأسابيع الأخيرة التي شهدت تصاعد الاعتداءات عليهم.   

اقرأ أيضاً: ريفلين في كفر قاسم... إهانة لدماء شهداء المجزرة

كانت الحاجة أم عايد في الثانية عشرة من عمرها عندما ارتكبت قوات الاحتلال المجزرة عام 1956، فاستشهد 49 من أبناء البلدة، وجُرح آخرون.

الحاجة أم عايد واحدة من شهود قلائل لا يزالون على قيد الحياة؛ فمنهم من رحل ومنهم من تركه التقدم بالعمر عاجزاً في بيته. توصي أهالي بلدها "ازرعوا في قلوب الأطفال شهاداتنا وبلّغوهم من بعدنا ما نقول، فهذه ذكرى لن تنسى أبداً، ولن تمحى من التاريخ. هناك من يسألنا كيف ستزرعون هذه الذكرى في الأجيال الجديدة، وأنا أقول كل وليد يرى نور الدنيا، نلقمه الذكرى وأحداثها منذ الطفولة. نحن ضيوف في هذه الدنيا وسنرحل قريباً، ويجب على من بعدنا متابعة المسيرة".
ومثل الآخرين الذين عايشوا المجزرة، لا تنسى أم عايد، كيف استشهد العمال العائدون بلقمة العيش لعائلاتهم عند أطراف القرية، بنيران قوات الاحتلال، التي قتلتهم بذريعة حظر التجوال. وكان للأطفال نصيب من قتل الاحتلال أيضاً، ويروي الناجون أن عددهم بلغ 23 طفلاً من بين 49 شهيداً، في مشهد تحدثت عنه أم عايد، كأنه يحدث اليوم.     

وفي الذكرى التاسعة والخمسين، أمس، شهدت القرية إضراباً عاماً وشاملاً، احتراماً لشهداء المجزرة وإحياء لذكراهم، ومسيرة مركزية، جابت شوارع القرية وانتهت عند النصب التذكاري للشهداء. كما شهدت الأيام الماضية العديد من النشاطات والندوات السياسية، منها ما جرى في المدارس. كما بادرت المدرسة الثانوية الشاملة لتنظيم مسابقة، بعنوان "نخطّها بأقلامنا"، تهدف إلى خط تاريخ المجزرة بأقلام الطلاب، أدباً وشعراً ونثراً وخواطر وغيرها.


ويقول رئيس لجنة إحياء ذكرى مجزرة كفر قاسم، عبد العزيز بدير، لـ"العربي الجديد" إن "المسيرة التقليدية لإحياء الذكرى هي إرث تاريخي، ننقلها من جيل إلى جيل. إنها مسيرة وفاء للشهداء الذين روت دماؤهم أرض كفر قاسم. إنهم من ضحوا من أجل بقائنا. بعد المجزرة ظنت المؤسسة الإسرائيلية أن أهالي القرية سيرتاعون ويتركونها، لكن الصمود كان أسطورياً، ومخططات اقتلاع الناس من أرضهم فشلت، وبقيت هذه المجزرة وصمة عار في جبين المؤسسة الإسرائيلية، وصفحة في تاريخها الأسود".

ويضيف بدير: "حرصاً منا على تحميل الأمانة التي ورثناها عن آبائنا للأجيال الجديدة، قمنا هذا العام بتأهيل 100 من طلاب المدارس الثانوية، ليحيطوا بجميع جوانب المجزرة وفهم حيثياتها وأبعادها، وهؤلاء بدورهم، باتوا مرشدين للأطفال ولطلاب المدارس. هذا أمر مهم. هكذا تبقى الذاكرة حيّة. كما أننا نعمل على إشراك كافة الشرائح، لذلك جرت في ليلة الذكرى مسيرة مشاعل للصم وذوي الاحتياجات الخاصة، وكانت هنالك ندوات سياسية وفعاليات في المدارس".

بدوره، يقول رئيس بلدية كفر قاسم عادل بدير، لـ"العربي الجديد"، إن "المؤسسة الإسرائيلية لم تستخلص العبر بعد، فما قامت بفعله في مجزرة كفر قاسم وقتل 49 من أبناء بلدنا حتى الرضع منهم، لا تزال تقوم به اليوم. لا تزال تقتل أبناء مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل، لا تزال تستهدفنا وترتكب المجازر بحقنا، ولم تفهم بعد أن جرائمها وصمة عار على جبينها، وأنها بهذا لن تردعنا عن التمسك بحقوقنا وحقوق شعبنا. كما لم تستوعب بعد أننا شعب لا ننسى شهداءنا وجرحانا وخير دليل، مشاركة الصغير قبل الكبير في إحياء ذكرى مجزرة كفر قاسم، ومختلف مناسباتنا الوطنية".
ويشير إلى أن "اسرائيل عليها تحمل مسؤولية أفعالها وجرائمها ومواقفها، لكنها حتى اليوم ترفض، على سبيل المثال، الاعتراف بمسؤولية حكومة الاحتلال عن مجزرة كفر قاسم، وتمضي في غطرستها وغبنها. بل إن قادة المؤسسة الاسرائيلية لا يزالون يحرضون على العرب، ويمنحون غطاء للمستوطنين والمتطرفين لقتل العرب أو الاعتداء عليهم لمجرد الشبهة، حتى شهدنا أحداثاً طعن فيها يهودٌ يهوداً آخرين لمجرد الظن بأنهم عرب". 

وكان للجيل الجديد كلمتان في المهرجان الخطابي الذي أعقب المسيرة، فقال مندوب مجلس الطلاب آدم وليد عامر، إنه يحمل رسالة جده عمر العصفور، مستدركاً "كفر قاسم أمانة لا تفرطوا بها. هكذا قال لي جدي. لقد دفع عمره كي نكبر ونعيش عليها، عندما كان يأتي هذا اليوم (الذكرى) كنا في البيت نشعر بألم وحزن كبير ونحن نشاهد جدي وهو يبكي".

أما عدن وليد فريج، التي تحدثت باسم أحفاد الشهداء، فقالت "جدتي استشهدت وهي تمسك حفنة تراب، ونحن هنا ما زلنا نحمل تلك الحفنة".

اقرأ أيضاً: شبح "الجنائية" يرعب جنود الاحتلال: كبش فداء السياسيين!