خطأ تربوي جسيم
ولكن يحزنني فعلاً أن تقع هذه الفئة من أولياء الأمور في خطأ جسيم، والذي يعتقدون أنه من مصلحة الأبناء حين يقومون بوصل العام الدراسي بالإجازة الصيفية من دون السماح لأطفالهم بالتقاط الأنفاس والاستمتاع بالإجازة والراحة من عناء الدروس، سواء الحفظ أو التفكير والإجهاد العقلي والنفسي الذي يتعرضون له بسبب ضغط الاختبارات المتتالية، وطريقة الوصل تلك تقوم بها الأمهات ويوافقهن عليها الآباء من باب أن الأم هي الأدرى بمصلحة الطفل، بل قد يُثني الأب على الأم وهو لا يعرف أنه يضرّ طفله ويشترك مع الأم في عملية مبرمجة تنتهي بأن يكره الطفل المدرسة.
فكثيرات من الأمهات يقررن أن يبدأن في دروس العام الدراسي الجديد بعد انتهاء العام السابق بأيام قليلة. وفي أحسن تقدير قد يسمحن للأبناء بإجازة لا تزيد عن الشهر من الإجازة الصيفية التي تزيد عن ثلاثة أشهر. وعلينا أن نتذكر أنها أشهر الصيف، حيث الحر والرطوبة وما يصاحبهما من شعور بالملل والخمول على عكس باقي أشهر السنة التي يمر فيها العام الدراسي. وهكذا يجد الطفل المسكين نفسه قد عاد إلى الدراسة من دون أن يلتقط أنفاسه، والأم تكون قد اجتهدت في توفير الكتب الدراسية التي تكون غير متوفرة وقتها في المكتبات، ولكنها تحصل عليها بطريقة أو أخرى حتى لو كانت قديمة؛ فالمهم أن يدرس الابن ويستعد للعام المقبل وأن تقطع معه جزءاً من المنهج على سبيل التعارف. وقد تعتقد أن هذه الطريقة وسيلة لكي تقلل العبء الملقى على كاهلها خلال العام الدراسي فتصبح سرعة استيعاب طفلها عند مراجعة الدروس معه أكبر، وترى أن طفلها سوف يحقق نتائج أفضل لأنه حسب تعبيرها يكون قد مر على المنهج مرتين لا مرة واحدة.
نتائج عكسية
هذا الخطأ الذي تقع فيه الأمهات يأتي بنتائج عكسية للأسف على الأبناء، لأن الإجازة الصيفية تخرج من كونها إجازة للراحة، وينظر الطفل لباقي أصحابه فيجدهم يلعبون ويلهون، وقد
يسافرون إلى المصايف وهو يواصل الشهر وراء الشهر ولا شيء في عقله سوى المدرسة والدروس، وبالتالي فهو سوف يكره المدرسة ويتراجع مستواه الدراسي بدلاً من أن يتقدم.
ففي البلاد المتقدمة تقع مسؤولية استثمار الإجازة الصيفية على المجتمع بأكمله وليس بهذه الطريقة الخاطئة وذات النتائج السلبية؛ فالمسؤولية في استثمار الوقت خلال الإجازة الصيفية بشكل صحيح لا يكون فيه ضرر ولا خلل ولا ملل لا يقع على عاتق الأبناء وحدهم. بل تمتد المسؤولية من الفرد نفسه إلى الأسرة والمؤسسة التعليمية ومؤسسات المجتمع على اختلافها من وزارات ومؤسسات مسؤولة عن التنشئة الاجتماعية والتربوية وحتى المؤسسات الخاصة التي يقع على عاتقها توفير الأماكن ووسائل التنشئة ودعمها، لتتسنى لجميع شرائح المجتمع القدرة على استخدامها، وتشكّل عامل جذب للأبناء عبر معرفة احتياجاتهم من دون إفراط أو تفريط ويبدأ من بعدها عام دراسي مليء بالإثارة والتشويق ويحصد الأبناء أفضل النتائج لأننا نكون قد أعطينا لكل ذي حق حقه.