تحدث رئيس لجنة المال والموازنة النيابية اللبنانية، النائب إبراهيم كنعان، عن الشوائب التي تحول دون إقرار الموازنة في لبنان منذ 10 سنوات، شارحاً في مقابلة لـ " العربي الجديد" عن تداعيات هذه الظاهرة غير القانونية على المواطنين وقطاعات الدولة
وهنا نص المقابلة:
* لبنان بلا موازنة منذ 10 سنوات، ماذا تعني هذه الظاهرة اقتصادياً؟
عدم إقرار الموازنة منذ عشر سنوات في لبنان هو أمر خطير جداً، حيث تنعدم الرؤية الاقتصادية العامة، وهذا ما يسمى بعلم القيادة "السير بالفوضى"، حيث يتم الإنفاق من دون تخطيط ولا رؤية مستقبلية. والحكم هو رؤية، فكيف إن كان مرتبطاً بالموضوع المالي؟ من جهة أخرى، فإن الضوابط مفقودة في الإنفاق، إذ لا توجد اعتمادات ولا يوجد سقف مجاز لنفقات الحكومة، بحيث لا أحد يجيز الإنفاق إلا المجلس النيابي بحسب الدستور اللبناني وقانون المحاسبة القانونية.
* كيف تنفق الدولة اليوم وكيف تموّل الإنفاق، ألا توجد مخالفات في هذا الشأن؟
الإنفاق اليوم غير قانوني، برغم وجود نوع من التغطية عبر إصدار قوانين استثنائية وقرارات لرفع سقف الإنفاق، ولكن بالمعنى العام، الإنفاق خارج عن القانون وخارج عن الضوابط المطلوبة. ورأينا كيف وصلنا خلال فترة قياسية إلى تجاوزات في المرحلة الأخيرة حتى للقاعدة الإثني عشرية التي تشدد على أنه يحق للحكومة الإنفاق لمدة عام واحد فقط وفق حجم الموازنة السابقة، في حال عدم إقرار موازنة للبلاد. وخلال سنوات قليلة، وصلت تجاوزات الإنفاق إلى 17 مليار دولار.
* تحدثت من موقعك في لجنة المال والموازنة عن مخالفات كثيرة تشوب عملية إعداد الموازنة، ما هي؟
هي ليست شوائب، هناك مخالفات جسيمة، أبرزها تجاوز القاعدة الإثني عشرية وحتى القوانين الاستثنائية بالإنفاق. كما أن الهبات من الدول المانحة العربية والأجنبية والصناديق كانت تذهب إلى حسابات خاصة في مصرف لبنان ولم تكن تذهب إلى حساب الخزينة حسب الأصول، وبالتالي لا نعرف من العام 1993 آليات إنفاق حوالي 5 مليارات دولار من الهبات، ولا نعرف كيف وصلت، بحيث لا توجد لها أي مستندات في وزارة المالية.
كما أن ديوان المحاسبة، وهو أعلى جهة قضائية معنية بالمال العام، وهو المولج بالتدقيق، وقد رفض الحسابات المالية لوزارة المالية منذ العام 1993 حتى اليوم. وقد صدر 14 قراراً قضائياً في الحسابات المالية، وحتى اليوم لا توجد حسابات مالية سليمة. ويتم التدقيق في وزارة المال منذ العام 2010 بالحسابات ولم تنجز هذه المهمة حتى اليوم.
* ألا يستفيد الوزراء ومن خلفهم الأحزاب من غياب الموازنة؟ أليس من الأفضل لهم الإنفاق من دون تدقيق ولا حساب؟
لا أعرف بالنسبة إليهم، ولكن بالنسبة لي، لو كنت وزيراً لكانت عملية الإنفاق بهذه الطريقة أمرا غير مريح. فمن يتداول بالمال العام عليه أن يتحمّل المسؤولية بشكل سليم وصحيح. إذ كيف وصلنا إلى دين عام بقيمة 70 مليار دولار و6 مليارات دولار من العجز لولا الهدر والتفلّت بالإنفاق؟
من جهة أخرى، وبعد كشف مكامن المخالفات استطعنا إصدار 35 توصية رفعت من قبل لجنة المال والموازنة إلى السلطة التنفيذية، وبالتالي أصبحت توجد مجموعة توصيات ومبادئ يمكن أن تشكل إصلاحاً مالياً حقيقياً لتصحيح الممارسة الخاطئة في ما يتعلق بالموازنة.
* برأيك من المسؤول عن المخالفات في إعداد الموازنات السابقة؟
لا يوجد مسؤول واحد، الحكومات كافة التي تعاقبت على السلطة مسؤولة عن هذا الموضوع، وخاصة من كان بموقع وزارة المالية منذ العام 1993، وكذا المجلس النيابي الذي وافق على كل هذه الموازنات بلا حسابات مالية سليمة، هو شريك في هذه المسؤولية.
* لماذا لا تتحرك النيابة العامة المالية للتحقيق في المخالفات المالية التي تتحدث عنها؟
ما نقوم به في المجلس النيابي علني وغير مخفي، وقد وجّهنا مرات عدة كتباً للنيابة العامة المالية، وكل ما نقوم به موثّق في كتاب الإبراء المستحيل الذي شاركت في إعداده، ومن المؤكد أنه وصل لهيئات الرقابة وكل المعنيين. وعدم التحرك يعني أمراً واحداً، أن خط الحكم القابض على القرار يُخضِع الدولة لسياسته وليس العكس.
* ما هو حجم الفساد في لبنان؟ كيف يتوزع مؤسساتياً؟
المشكلة ليست في حجم الفساد، إشكاليتنا في ثقافة الفساد. لو كان حجم الفساد 1% أو 10% فالنتيجة واحدة، لأن استمرار ثقافة الفساد يعني توسّع هذه الظاهرة. الأنجع مواجهة هذه الثقافة، وملاحقتها وخلق المحاسبة وفرضها، من خلال مشروع إصلاح فعلي. وهذا الإصلاح يجب أن يحركه الشعب اللبناني لفرضه على السلطات. على الشعب أن يقتنع أنه يوجد خطر حقيقي ووجودي عليه وعلى مستقبله، وعليه أن ينتج طبقة سياسية جديدة، ويحاسب المسؤولين الذين يتاجرون بحياته وحياة أولاده. إذ إن صفقة النفايات وحدها حجمها ملياري دولار، وإذا لم تتحرك الناس لن يتغيّر أي شيء، وسنرى الفساد لينمو بأرقام مضاعفة لأنه لا يوجد من يواجهه. إذ حين يكون المريض قد بلغ مرحلة متقدمة من المرض، لا تتم معالجته بالمسكّن وعمليات موضعية وإنما بأدوية مضادة. وبالتالي يجب أن يحصل تغيير جذري. وبالتالي نحتاج إلى انتخابات يكون أساسها محاسبة المسؤولين عمّا قاموا به. السياسة لا يجب أن تبقى شعارات وعناوين وطائفية وسياسة ووراثة، وإنما مشاريع وخدمات عامة وغيرها.
* هل من إجراءات سيتم اتباعها للعودة إلى إقرار الموازنات؟ وهل من سيناريوهات محددة في هذا الإطار؟
أنا كرئيس لجنة مال وموازنة وجّهت الكثير من الأسئلة للحكومة حول غياب الموازنة، كما وجّهت العديد من الأسئلة للحكومة عن الحسابات المالية وموعد إنهاء التدقيق بها، وأنشأنا لجنة تقصي حقائق مالية في لجنة المال والموازنة، وقد كشفت عن الكثير من المخالفات المالية، وديوان المحاسبة ووزارة المالية شركاء في هذه اللجنة. ومع كل هذا الضغط الكثير من الأمور انكشفت وتم تصويبها، منها موضوع الهبات والقروض، ولكن يبقى قرار إحالة الموازنة والحسابات المالية إلى المجلس النيابي هو قرار سياسي بيد الحكومة، وحتى اليوم هذا الأمر لم يحصل.
* ألا يعتبر التمديد لمجلس النواب، وأنت عضو فيه، فساداً؟
عدم العودة للشعب في عملية تمثيله في البرلمان وعدم تجديد الوكالة بمجلس نيابي جديد هو نوع من أنواع وضع اليد، وهو فساد سياسي، وديمقراطياً هذا تمديد لا يعتبر إجراءً صحياً.
بطاقة تعريفية
اقــرأ أيضاً
عدم إقرار الموازنة منذ عشر سنوات في لبنان هو أمر خطير جداً، حيث تنعدم الرؤية الاقتصادية العامة، وهذا ما يسمى بعلم القيادة "السير بالفوضى"، حيث يتم الإنفاق من دون تخطيط ولا رؤية مستقبلية. والحكم هو رؤية، فكيف إن كان مرتبطاً بالموضوع المالي؟ من جهة أخرى، فإن الضوابط مفقودة في الإنفاق، إذ لا توجد اعتمادات ولا يوجد سقف مجاز لنفقات الحكومة، بحيث لا أحد يجيز الإنفاق إلا المجلس النيابي بحسب الدستور اللبناني وقانون المحاسبة القانونية.
* كيف تنفق الدولة اليوم وكيف تموّل الإنفاق، ألا توجد مخالفات في هذا الشأن؟
الإنفاق اليوم غير قانوني، برغم وجود نوع من التغطية عبر إصدار قوانين استثنائية وقرارات لرفع سقف الإنفاق، ولكن بالمعنى العام، الإنفاق خارج عن القانون وخارج عن الضوابط المطلوبة. ورأينا كيف وصلنا خلال فترة قياسية إلى تجاوزات في المرحلة الأخيرة حتى للقاعدة الإثني عشرية التي تشدد على أنه يحق للحكومة الإنفاق لمدة عام واحد فقط وفق حجم الموازنة السابقة، في حال عدم إقرار موازنة للبلاد. وخلال سنوات قليلة، وصلت تجاوزات الإنفاق إلى 17 مليار دولار.
* تحدثت من موقعك في لجنة المال والموازنة عن مخالفات كثيرة تشوب عملية إعداد الموازنة، ما هي؟
هي ليست شوائب، هناك مخالفات جسيمة، أبرزها تجاوز القاعدة الإثني عشرية وحتى القوانين الاستثنائية بالإنفاق. كما أن الهبات من الدول المانحة العربية والأجنبية والصناديق كانت تذهب إلى حسابات خاصة في مصرف لبنان ولم تكن تذهب إلى حساب الخزينة حسب الأصول، وبالتالي لا نعرف من العام 1993 آليات إنفاق حوالي 5 مليارات دولار من الهبات، ولا نعرف كيف وصلت، بحيث لا توجد لها أي مستندات في وزارة المالية.
كما أن ديوان المحاسبة، وهو أعلى جهة قضائية معنية بالمال العام، وهو المولج بالتدقيق، وقد رفض الحسابات المالية لوزارة المالية منذ العام 1993 حتى اليوم. وقد صدر 14 قراراً قضائياً في الحسابات المالية، وحتى اليوم لا توجد حسابات مالية سليمة. ويتم التدقيق في وزارة المال منذ العام 2010 بالحسابات ولم تنجز هذه المهمة حتى اليوم.
* ألا يستفيد الوزراء ومن خلفهم الأحزاب من غياب الموازنة؟ أليس من الأفضل لهم الإنفاق من دون تدقيق ولا حساب؟
لا أعرف بالنسبة إليهم، ولكن بالنسبة لي، لو كنت وزيراً لكانت عملية الإنفاق بهذه الطريقة أمرا غير مريح. فمن يتداول بالمال العام عليه أن يتحمّل المسؤولية بشكل سليم وصحيح. إذ كيف وصلنا إلى دين عام بقيمة 70 مليار دولار و6 مليارات دولار من العجز لولا الهدر والتفلّت بالإنفاق؟
من جهة أخرى، وبعد كشف مكامن المخالفات استطعنا إصدار 35 توصية رفعت من قبل لجنة المال والموازنة إلى السلطة التنفيذية، وبالتالي أصبحت توجد مجموعة توصيات ومبادئ يمكن أن تشكل إصلاحاً مالياً حقيقياً لتصحيح الممارسة الخاطئة في ما يتعلق بالموازنة.
* برأيك من المسؤول عن المخالفات في إعداد الموازنات السابقة؟
لا يوجد مسؤول واحد، الحكومات كافة التي تعاقبت على السلطة مسؤولة عن هذا الموضوع، وخاصة من كان بموقع وزارة المالية منذ العام 1993، وكذا المجلس النيابي الذي وافق على كل هذه الموازنات بلا حسابات مالية سليمة، هو شريك في هذه المسؤولية.
* لماذا لا تتحرك النيابة العامة المالية للتحقيق في المخالفات المالية التي تتحدث عنها؟
ما نقوم به في المجلس النيابي علني وغير مخفي، وقد وجّهنا مرات عدة كتباً للنيابة العامة المالية، وكل ما نقوم به موثّق في كتاب الإبراء المستحيل الذي شاركت في إعداده، ومن المؤكد أنه وصل لهيئات الرقابة وكل المعنيين. وعدم التحرك يعني أمراً واحداً، أن خط الحكم القابض على القرار يُخضِع الدولة لسياسته وليس العكس.
* ما هو حجم الفساد في لبنان؟ كيف يتوزع مؤسساتياً؟
المشكلة ليست في حجم الفساد، إشكاليتنا في ثقافة الفساد. لو كان حجم الفساد 1% أو 10% فالنتيجة واحدة، لأن استمرار ثقافة الفساد يعني توسّع هذه الظاهرة. الأنجع مواجهة هذه الثقافة، وملاحقتها وخلق المحاسبة وفرضها، من خلال مشروع إصلاح فعلي. وهذا الإصلاح يجب أن يحركه الشعب اللبناني لفرضه على السلطات. على الشعب أن يقتنع أنه يوجد خطر حقيقي ووجودي عليه وعلى مستقبله، وعليه أن ينتج طبقة سياسية جديدة، ويحاسب المسؤولين الذين يتاجرون بحياته وحياة أولاده. إذ إن صفقة النفايات وحدها حجمها ملياري دولار، وإذا لم تتحرك الناس لن يتغيّر أي شيء، وسنرى الفساد لينمو بأرقام مضاعفة لأنه لا يوجد من يواجهه. إذ حين يكون المريض قد بلغ مرحلة متقدمة من المرض، لا تتم معالجته بالمسكّن وعمليات موضعية وإنما بأدوية مضادة. وبالتالي يجب أن يحصل تغيير جذري. وبالتالي نحتاج إلى انتخابات يكون أساسها محاسبة المسؤولين عمّا قاموا به. السياسة لا يجب أن تبقى شعارات وعناوين وطائفية وسياسة ووراثة، وإنما مشاريع وخدمات عامة وغيرها.
* هل من إجراءات سيتم اتباعها للعودة إلى إقرار الموازنات؟ وهل من سيناريوهات محددة في هذا الإطار؟
أنا كرئيس لجنة مال وموازنة وجّهت الكثير من الأسئلة للحكومة حول غياب الموازنة، كما وجّهت العديد من الأسئلة للحكومة عن الحسابات المالية وموعد إنهاء التدقيق بها، وأنشأنا لجنة تقصي حقائق مالية في لجنة المال والموازنة، وقد كشفت عن الكثير من المخالفات المالية، وديوان المحاسبة ووزارة المالية شركاء في هذه اللجنة. ومع كل هذا الضغط الكثير من الأمور انكشفت وتم تصويبها، منها موضوع الهبات والقروض، ولكن يبقى قرار إحالة الموازنة والحسابات المالية إلى المجلس النيابي هو قرار سياسي بيد الحكومة، وحتى اليوم هذا الأمر لم يحصل.
* ألا يعتبر التمديد لمجلس النواب، وأنت عضو فيه، فساداً؟
عدم العودة للشعب في عملية تمثيله في البرلمان وعدم تجديد الوكالة بمجلس نيابي جديد هو نوع من أنواع وضع اليد، وهو فساد سياسي، وديمقراطياً هذا تمديد لا يعتبر إجراءً صحياً.
بطاقة تعريفية
إبراهيم كنعان، حاز على شهادة في القانون اللبناني من جامعة القديس يوسف، ثم شهادة ماجستير في القانون الدولي الخاص من باريس، ثم شهادة في القانون الفرنسي. أصبح محامٍ بالاستئناف منذ سنة 1989