لقّب بـ "ناقد الرصيف"، بل إنه هو الذي اختار لنفسه هذا اللقب قبل أن يتحوّل إلى ما يشبه المصطلح، وفسر الناقد المصري إبراهيم فتحي (1930-2019) الذي رحل عن عالمنا قبل أيام ذلك بأنه ما أن خرج من المعتقل، بدأ ينحاز تماماً إلى قراءة الأدب.
يقول إنه كان يبحث عن الكتّاب ويتبع مخطوطاتهم التي لم تنشر بعد، وكان يستقبل كل مبدع؛ الشهير منهم وذلك الذي ليس من المحتم أن يصبح مشهوراً، وأياً كان الجنس الأدبي الذي يكتبه، ولم يكن يختار أو ينتقي بل كان يتفاعل مع كل كاتب يريد أن يكون مبدعاً.
وحين كتب عن نجيب محفوظ من هذا المنطلق، ظن صاحب نوبل في البداية أنه كان يهاجمه، فأرسل الكاتب إلى رئيس تحرير صحيفة "المساء" يسأله "لماذا تهاجمونني". والحقيقة أن فتحي لم يكن يهاجم محفوظ بل كان يتكلم عنه كنص، كأحد الكتّاب، وليس "محفوظ بيه"، كما يقول في مقابلة تلفزيونية معه، وبوصف فتحي ناقد رصيف فإنه لا يكترث للأسماء بل للنصوص. سرعان ما غيّر محفوظ موقفه، وأصبح لاحقاً يذكر أن كتابات فتحي هي أفضل وأهم ما كتب عنه من نقد؛ وقصد كتابيه "العالم الروائي عند نجيب محفوظ"، و"نجيب محفوظ بين القصة القصيرة والرواية الملحمية".
كان فتحب يرى أن القصة القصيرة عند صاحب نوبل "ليست نوعاً أدبياً مستقلاً، بل رؤيا مكثفة للعالم والقضية التي يتناولها الكاتب"، وأن محفوظ تكلم عن موقف الإنسان من مشاكل العصر ومن المستقبل، فرؤيته الفلسفية تتعلق بالإنسان نفسه، من هنا "لا تموت كتابته ولا تتقادم" وفقاً لتعبير الراحل.
كان فتحي أحد مؤسسي "حزب العمال الشيوعي المصري" ومناضليه، ووضع في سياق الأدبيات الماركسية كتابين "كوميديا الحكم الشمولي"، و"الماركسية وأزمة المنهج"، وبعد أن خرج من السجن الذي تعرض فيه إلى تجربة شديدة القسوة من تعذيب وتحقيق، اتجه إلى تأسيس مجلة "غاليري 68" مع أصدقائه.
عن هذه الفترة يقول في إحدى اللقاءات معه: "كان ينظر إلي على أنني سياسي، وهذا بالطبع تكريم للكاتب، ولكن في البداية كان هناك تخوف من قبل الآخرين تجاهي، ظناً منهم أن السياسي سيطالب الآخرين بالكتابة في السياسة مثله، وهذا كان خطأ، لا أهتم في الأدب إن كان الكاتب يسارياً أو يمينياً بل كنت أكترث إن كان لديه تجربة ورؤية مستقلة، فقد يكون الكاتب يسارياً شديد اليسارية وأدبه رخيص ولا قيمة له، ليس اليساريون وحدهم الذين يبدعون هناك أيديولجيات أخرى كتابها مبدعين".
كتب فتحي مئات المقالات التي لم تنشر في كتاب واحد يجمعها إلى اليوم، ومنها ما تناول فيه رفضه لفكرة الغزو الثقافي، إذ اعتبر أن الثقافة والعلم لا يعرفان الغزو، فالثقافة ليست غازية، ولكن هناك غزو سياسي وأيديولوجي، ثمة غزو للفيلم الهوليودي والعنصرية، وهذه ليست ثقافة بل إنها أمور معادية للثقافة بحسبه.
صدر لفتحي أيضاً كتاب أساسي بعنوان "سول بيلو.. انفصام شخصية الروائي اليهودي"، ويتناول فيه الكاتب اليهودي الحائز على جائزة نوبل بيلو، وله أيضا "الخطاب الروائى والخطاب النقدى فى مصر"، أما ترجماته فشملت "نظرية الوجود عند هيجل" لهربرت ماركوزه، و"قواعد الفن"، لبيير بورديو، و"قاموس المصطلحات الأدبية".