07 نوفمبر 2024
إبراهيم عيسى وصناعة الاستفزاز
لم يكن إبراهيم عيسى قد تخطى الثلاثين من عمره بعد. وفي الصباح، بعدما يشرب كوب اللبن، ويتناول إفطاره، ويخرج من باب شقته التي كانت متواضعة، مكاناً ومساحة، آنذاك، فيجد على باب الشقة ثلاثة من العساكر، وكل واحد منهم يحمل سلاحه من أول الليل حتى خروجه. لاحظ أن السلطة تنتقي أبناءها على عينٍ منها، وتعرف جيداً أنواع الألبان التي سوف يطلبها خلال عمره حتى يصل إلى الستين، أو حتى الثمانين، كما هو الحال مع "العم مكرم"، والأعلاف متوفرة لديها من الذخائر والبنادق وفائض المجندين، حتى القنوات الفضائية والأراضي والإعلانات والسفر، والوظائف المخترعة خصيصاً وبأمر منها، حتى دولارات المجتمع المدني أيضاً كمصاريف جانبية لتحسين الدخل. هكذا تعرف السلطة خطوط الطول والعرض في أبدان "حرّاسها"، وتفصّل لهم الملابس والبنطلونات والأرزاق والأحلام أيضًا التي تليق بهم، لكي يظلوا أوفياء بأجر، وإن تعثر الأجر في مكان فتحوا لهم الأبواب في مكان آخر، وهكذا دواليك.
يعرف إبراهيم هذه اللعبة تماماً من قبل الثلاثين من عمره، ويجيد استثمارها، خصوصاً في أيام المناكدة ما بين السلطة والشعب، كما يحدث الآن. مرة يرمي "رَزَاه ولسانه" على المرحوم محمد متولي الشعراوي، كي ينال من شعبيته لصالح السلطة بالطبع. واليوم يعتبر الله، سبحانه وتعالى، "جهة سيادية" في أمر الصيام. وأنا هنا في حِل من أن أدافع عن الصيام وحكمته، وإلا لدافعنا عن الجهاد "وهو كُرهٌ لكم"، ولكن أناقش نعيم خَدم السلطة، وكيف لمن تمرّغ فيها عمراً لا يستطيع أبداً مقاومة ذهبها، حتى وإن قلّد عجين الفلاحة قبل القرود، كي يأخذ نصيبه من بركات أميركا التي هاجمها سنوات، حينما كان جيفارا خلف ظهره في صورة "متر في متر"؟ فأين ذهبت قداسة الرمز، رمز جيفارا، بعد ظهوره على قناة الحرة، الأميركية لحماً وعظاماً ودهناً وكرشاً؟
واضح أن الرموز عند إبراهيم عيسى تستبدل، كما تستبدل القنوات والحمالات والديكورات والانتقالات من الصحابة، أبو بكر وعمر، إلى اعتبار الصيام أمراً سيادياً من الله، فقد تُؤكل الرموز، وتستبدل كل حين، حسب اتجاه الريح والمصالح والأوامر والقنوات أيضاً.
وإنْ كنتُ أرى أن الحكاية بعيدة عن الدين في جوهرها بالطبع، لكنها قريبة جداً من الاستفزاز المقصود من السلطة للشعب، وقد اعتادت السلطة تجريبها، لاكتمال هيبتها على الشعب، بعدما جرّبت كل الاستفزازات، منتظرة النتائج ويدها على الزناد. استفزاز مدروس ومكيدة مدروسة، فمحمد رمضان ليس أقل سطوةً عند السلطة العسكرية المهيمنة، هو الآخر حينما يظهر تباعاً، مرة في سيارات فارهة، ومرة في طائرةٍ خاصة هكذا، فهل قليلة على إبراهيم أن يعتبر الصوم بمثابة "أمر من جهة سيادية"، كما اعتبرت فاطمة ناعوت الأضحية بمثابة فعل وحشي ضد الخروف المسكين.
نحن أمام مزرعةٍ من الاستفزازات، بعدما نجحت السلطة في رفع تسعيرة المترو من جنيهين إلى سبعة، واعتقال كل من راودته نفسه للترشح، مثلما أمّموا البرلمان أمنيّاً برجالات السلطة تماماً، فصارت السلطات كلها في يد رجل واحد، حتى الأحزاب الليبرالية تمّت عسكرتها، وانتهى الحال أمس بضرب معصوم مرزوق وإهانته، وهو الذي كان مساعداً سابقاً لوزارة الخارجية المصرية، بل اعتقال قائد الجيش ورئيس أركانه، سامي عنان، وجرْح رئيس حزب وهو فريد زهران، وسجْن رئيس حزب ومرشح رئاسي سابق، وهو عبد المنعم أبو الفتوح. نحن أمام استعراض كامل للقوة، ومن خلفها أدوات إعلامية استفزازية، تقول للشعب كله: "بالسلامة يا قطر.. وبابنا يعدّي جمل". أو كما قال الممثل محمد رمضان الذي ما زال مجنّداً في صفوف القوات المسلحة، بعد الهجوم عليه لاستعراضه بسياراته "الأسود لا تنشغل برأي الحمير فيها"، فهل وصلت الرسالة؟
يعرف إبراهيم هذه اللعبة تماماً من قبل الثلاثين من عمره، ويجيد استثمارها، خصوصاً في أيام المناكدة ما بين السلطة والشعب، كما يحدث الآن. مرة يرمي "رَزَاه ولسانه" على المرحوم محمد متولي الشعراوي، كي ينال من شعبيته لصالح السلطة بالطبع. واليوم يعتبر الله، سبحانه وتعالى، "جهة سيادية" في أمر الصيام. وأنا هنا في حِل من أن أدافع عن الصيام وحكمته، وإلا لدافعنا عن الجهاد "وهو كُرهٌ لكم"، ولكن أناقش نعيم خَدم السلطة، وكيف لمن تمرّغ فيها عمراً لا يستطيع أبداً مقاومة ذهبها، حتى وإن قلّد عجين الفلاحة قبل القرود، كي يأخذ نصيبه من بركات أميركا التي هاجمها سنوات، حينما كان جيفارا خلف ظهره في صورة "متر في متر"؟ فأين ذهبت قداسة الرمز، رمز جيفارا، بعد ظهوره على قناة الحرة، الأميركية لحماً وعظاماً ودهناً وكرشاً؟
واضح أن الرموز عند إبراهيم عيسى تستبدل، كما تستبدل القنوات والحمالات والديكورات والانتقالات من الصحابة، أبو بكر وعمر، إلى اعتبار الصيام أمراً سيادياً من الله، فقد تُؤكل الرموز، وتستبدل كل حين، حسب اتجاه الريح والمصالح والأوامر والقنوات أيضاً.
وإنْ كنتُ أرى أن الحكاية بعيدة عن الدين في جوهرها بالطبع، لكنها قريبة جداً من الاستفزاز المقصود من السلطة للشعب، وقد اعتادت السلطة تجريبها، لاكتمال هيبتها على الشعب، بعدما جرّبت كل الاستفزازات، منتظرة النتائج ويدها على الزناد. استفزاز مدروس ومكيدة مدروسة، فمحمد رمضان ليس أقل سطوةً عند السلطة العسكرية المهيمنة، هو الآخر حينما يظهر تباعاً، مرة في سيارات فارهة، ومرة في طائرةٍ خاصة هكذا، فهل قليلة على إبراهيم أن يعتبر الصوم بمثابة "أمر من جهة سيادية"، كما اعتبرت فاطمة ناعوت الأضحية بمثابة فعل وحشي ضد الخروف المسكين.
نحن أمام مزرعةٍ من الاستفزازات، بعدما نجحت السلطة في رفع تسعيرة المترو من جنيهين إلى سبعة، واعتقال كل من راودته نفسه للترشح، مثلما أمّموا البرلمان أمنيّاً برجالات السلطة تماماً، فصارت السلطات كلها في يد رجل واحد، حتى الأحزاب الليبرالية تمّت عسكرتها، وانتهى الحال أمس بضرب معصوم مرزوق وإهانته، وهو الذي كان مساعداً سابقاً لوزارة الخارجية المصرية، بل اعتقال قائد الجيش ورئيس أركانه، سامي عنان، وجرْح رئيس حزب وهو فريد زهران، وسجْن رئيس حزب ومرشح رئاسي سابق، وهو عبد المنعم أبو الفتوح. نحن أمام استعراض كامل للقوة، ومن خلفها أدوات إعلامية استفزازية، تقول للشعب كله: "بالسلامة يا قطر.. وبابنا يعدّي جمل". أو كما قال الممثل محمد رمضان الذي ما زال مجنّداً في صفوف القوات المسلحة، بعد الهجوم عليه لاستعراضه بسياراته "الأسود لا تنشغل برأي الحمير فيها"، فهل وصلت الرسالة؟