اقرأ أيضاً: إبراهيم شريف... التسامح مدخل الحلّ السياسي
كيف بدأت قصة الاعتقال؟
تم الاعتقال في الساعة الثانية من فجر الخميس، 17 مارس/ آذار 2011، بعد الفض الثاني للتجمع الشعبي في دوار اللؤلؤة (دوار مجلس التعاون الخليجي)، وكان متوقعاً أن تتبعه حملة اعتقالات واسعة تطالنا بعد إعلان حالة السلامة الوطنية، وهكذا تم اقتيادي معصوب العينين إلى أحد مراكز الشرطة. وحين أجري لي فحص طبي، ابتسمت، فسألني رجل الأمن لماذا تبتسم؟ فأجبته: لأني أعرف ممّا جرى مع المجموعة (من الناشطين السياسيين) التي اعتُقلت في أغسطس/ آب 2010، أن الفحص الطبي كان مقدمة للتعذيب. فقال لي: لا، مثلك لا ينطبق عليه ذلك. ثم بدأت حملة الإهانات. وكنت دائماً معصوب العينين كي لا أتعرّف على الجُناة. ثم تم اقتيادي إلى سجن آخر، حيث وصلنا الخامسة فجراً. وكان معي في السيارة الشيخ حسن مشيمع، أمين عام حركة "حق" (المحظورة). بعدها نُقلنا إلى الزنازين الانفرادية، وغالبية "مجموعة الرموز الـ13"، من الشخصيات السياسية والحقوقية المعارضة، تم اعتقالهم في ذلك اليوم أو بعده بقليل.
وكيف سار التحقيق؟
استدعيت في صباح اليوم التالي، وقيل لي: نريد أن تضع يدك بيد جلالة الملك؟ فقلت: أنا واضع يدي بيد جلالة الملك منذ التوقيع على إعلان ميثاق العمل الوطني. وفي النهاية سألني: هل تطلب شيئاً؟ قلت: نعم، فراشاً، فنحن نجلس على بلاط الزنزانة. فزوّدونا بقطعة إسفنج ووسادة نتنة، وبطانية أشد نتانة. وبعد ساعات من ذلك، بدأ التعذيب، بسكب الماء البارد على أجسادنا.
وخلال أسبوعين خسرت 12 كيلوغراماً من وزني. واستمر التعذيب النفسي والجسدي ومنع الاتصال بالأهل ومنع الحديث مع السجناء. حتى الصلاة كان ممنوعاً أن ترفع صوتك فيها. وتوقف ذلك مع رفع حالة السلامة الوطنية.
ما هي التهم التي وُجّهت لك؟
- التآمر على قلب نظام الحكم بالقوة وإهانة هيئة نظامية (الجيش)، وهي تهم يمكن أن تؤدي بك إلى المؤبد أو الإعدام. ولكن المفيد في العمل العلني، أنه ليس هناك معلومات سرية تخفيها. كنا نعمل في العلن ضمن جمعيات رسمية مسجّلة وفق القانون، ونمارس أنشطتنا ضمن ما يسمح به الدستور من حقوق. وموقفنا من الملكية الدستورية معلن كما هو الحال مع الإخوان في "التحالف من أجل الجمهورية". وكنت أنا حلقة الاتصال بين الجمعيات وتيار الممانعة، وطوال أسابيع حاولت إقناعهم بالتخلّي عن فكرة التغيير الشامل للنظام وفكرة الجمهورية.
كيف قضيتم أربع سنوات في السجن؟
كوّنا مكتبة كبيرة لأن مبنى السجن كان جديداً. وتفاوضنا مع إدارة السجن في الفترة التي كانت لجنة (شريف) بسيوني تتحرك، فسُمح لنا بتكوين المكتبة. والطريف أن حوزة علمية دينية تكوّنت داخل السجن لوجود خمسة من رجال الدين بين المجموعة، وفي تقديري أنها أول حوزة دينية تفتح في سجن بالعالم.
كما كانت هناك عمليات تعليم وتثقيف في مجالات مختلفة، كلٌّ في اختصاصه ومهنته، فأنا درّست الاقتصاد والبنوك، وحضَرتُ دروساً فقهيةً في مجال الخُمْس مثلاً، والناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة درّس قوانين حقوق الإنسان والعهدين الدوليين.
اليوم وبعد مرور أكثر من أربع سنوات ما هو تقييمك لما جرى من حراك في 14 فبراير 2011؟
الوضع السياسي في البحرين كان كالجمر تحت الرماد. تاريخياً حدثت هبّات شعبية في 1954 و1956 مع انبثاق هيئة الاتحاد الوطني والعدوان الثلاثي على مصر، وفي 1965 مع تسريح عمال شركة النفط (بابكو). وفي السبعينيات حدثت انتفاضة عمالية. وفي 1979 تسببت الثورة الإيرانية في تحوّل عميق في المجتمع البحريني، وخصوصاً الشيعي، والحركات الاحتجاجية التي جرت بعد السبعينيات كان لها بعد مذهبي بسبب حالة التهميش. كل حركة كان لها سبب.
في أحداث التسعينيات، لعبت البطالة دوراً كبيراً بسبب الأزمة الاقتصادية آنذاك، وبسبب التهميش وانتشار البطالة في أوساط الشباب، خصوصاً الشيعة، وانخفاض مستوى الدخل وحالة الإفقار التي شملت أعداداً متزايدة.
هل يمكن اعتبارها التهميش الأول؟
التهميش الأول بدأ بعد 1979، قبل ذلك كان المجتمع الشيعي في البحرين تقليدياً يقوده رجال دين لا يهتمون بالسياسة. ومع انخفاض أسعار النفط في مطلع الثمانينيات، حدث تحوّل باتجاه تأكيد الهوية المذهبية مع زيادة مخاوف الحكم من هذا المكون الشعبي.
تزامن ذلك مع تقلّص الموازنة، وبدل أن تظل دولة رعاية لجميع المواطنين، تحوّلت إلى تمييز وتفضيل للجماعات الموالية للحكم أو القريبة منه، مقابل جماعات تم اعتبارها أقل ولاءً أو معادية. وكانت الحلقات الأضعف هي الأقل ولاءً، فحُرم شباب من هذه الفئة من العمل العام، وخصوصاً في القطاع العسكري، وهكذا أخذ الحراك الشبابي يتسع مع وضع اقتصادي متراجع.
وما هي أسباب الحراك في 2011؟
في 2011، كانت هبّة سياسية بامتياز، ولم يكن السبب اقتصادياً بحتاً. ففي كل الوطن العربي انتشرت هذه الحراكات الجماهيرية، وفي البحرين لم يكن الوضع الاقتصادي هو الأسوأ، بل كان العقد السابق هو الأفضل اقتصادياً. لكن عملية التهميش ظلت مستمرةً، لذلك جاءت أحداث الربيع العربي لتمثّل رافعةً للحراك السياسي في البحرين. فالاحتقان السياسي كان يتزايد مع فشل المشروع الإصلاحي في تحقيق طموحات المواطنين، واحتاج الوضع إلى خضّة فقط. وكما كانت العريضة الشعبية سبباً في انفجار انتفاضة التسعينيات، أعطى الربيع العربي الدافع لانفجار الأوضاع في فبراير 2011. كان الوضع أشبه بسيارة تقف على حافة تلة، واحتاجت فقط إلى دفعة بسيطة لتنطلق نحو الأسفل.
ما هو تقييمك للوضع الحالي بالبحرين؟
لدينا أزمة اقتصادية متفاقمة، والدين العام الذي يتزايد، ليصل إلى نسبة 10 في المائة وقريباً سيصل إلى نقطة الخطر. والأخطر من الدين العام في تقديري، هو العجز الذي يعاني منه نظام التأمينات الاجتماعية، إذ قد يأتي يوم لن يستلم فيه المشتركون في نظام التأمينات مستحقاتهم. أسعار النفط ستبقى منخفضة بين 3 ـ 5 سنوات، خصوصاً مع توقع عودة إيران للسوق النفطية بعد توقيع الاتفاق النووي، وكمصرفي أرى البحرين اليوم ستكون في وضع شبيه بوضع اليونان خلال خمس سنوات.
ربما نجح النظام في احتواء الأزمة أمنياً، لكن الأزمة المقبلة ستكون أكبر. ربما يستطيع النظام توفير 200 إلى 300 مليون دينار من خلال عملية وقف الدعم عن اللحوم ولاحقاً الطاقة والكهرباء، ولكن ذلك لن يغطي العجز الذي نواجهه، على الأقل سنحتاج إلى ملياري دينار. وعملية رفع الدعم نفسها ستؤدي إلى تضخم كبير وفترة تقشف ستشهد عدم توظيف آلاف الشباب من الخريجين الجدد، ما يوسّع من بيئة الامتعاض.
وما هي آفاق المستقبل؟
من دون إصلاح حقيقي يتبناه النظام، سيكون الأفق مظلماً. أزمة اقتصادية ستمهّد الطريق لعاصفة كاملة. وليس من مصلحة النظام نفسه استمرار هذا الوضع. ربما الإصلاحيون في النظام يرون هذه الجوانب المقلقة، ولكن المؤزّمين يرون مصلحتهم في استمرار الأزمات الطائفية والاقتصادية والمذهبية، لأن الإصلاح ينهي دورهم السياسي.
الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة ليست موضوعاً للفرح أو الشماتة، فالجميع عليه أن يساهم في اتخاذ القرارات الصعبة. الحكومة محتاجة للمعارضة والمعارضة محتاجة لحكومة إصلاحية، لكي لا نصل إلى هذه الحالة المخيفة التي تنتظرنا بعد عشر سنوات.