ينتمي الشاعر السوري إبراهيم الجرادي (1951 – 2018) الذي رحل أمس السبت إلى جيل السبعينيات ممن سعوا إلى التجريب في القصيدة العربية، والتنظير لها في عدد من الدراسات التي نشرها من موقعه كناقد وأكاديمي، إلى جانب بعض ترجماته عن الشعر الروسي.
وُلد الراحل في قرية بندرخان قرب الحدود التركية السورية، وانتقل إلى مدينة الرقة (شمال شرقي دمشق) حيث تلقّى تعليمه في مدرستها الثانوية، وهناك أسّس مع مجموعة من الكتّاب منهم إبراهيم الخليل ووفيق خنسة وخليل جاسم الحميدي، "جماعة ثورة الحرف" التي "سعت إلى الخروج من النمط المألوف في العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية إثر هزيمة حزيران/ يونيو 1967 التي شكّلت حينها صدمة كبيرة وخلخلت الكثير من القيم"، كما قال في إحدى مقابلاته.
بعد أن تخرّج من "جامعة دمشق"، سافر إلى الاتحاد السوفييتي حيث حاز درجة الدكتوراه في الأدب المقارن من إحدى جامعاتها، وقد أصدر مجموعته الشعربة الأولى بعنوان "أجزاء إبراهيم الجرادي المبعثرة" (1981) وأتبعها في العام التالي بمجموعة "رجل يستحم بامرأة"، واللتان جاءتا في فترة شهدت تحوّلات عديدة في الشعرية العربية، ونتيجة لتفاعله مع موجة الشعر الروسي الحديث التي عبّرت عنها أصوات عديدة آنذاك.
سيخوض صاحب "شهوة الضد" (1985) الترجمة ضمن ما استهواه من قصائد لشعراء روس مثل آنا أخماتوفا ويفغيني يفتوشنكو وصموئيل مارشاك وأندريه وزنسينسكي وروبرت روجد يستفينسكي حيث أصدر مختارات لعدد منهم عام 1986، إضافة إلى نشره أطروحته لنيل الدكتوراه بعنوان "الأشكال في الشعرين الروسي والعربي 1960 – 1980"، وترجم أيضاً كتاب "أوجاع رسول حمزاتوف" (1988).
انتقل الجرادي إلى اليمن بعد احتجاجه على مواقف لرئيس "اتحاد الكتاب العرب" في دمشق، حيث درّس في "جامعة صنعاء" لسنوات طويلة انشغل فيها أكثر بقراءاته ودراساته النقدية، ليعود في التسعينيات بعدّة مجموعات منها "عويل الحواس" (1995)، و"دع الموتى يدفنون موتاهم" (2000)، و"الذئاب في بادية النعاس" (2000).
عاد إلى دمشق عام 2010، وفيها سيُصدر "محمود درويش ينهض" (2010)، ومجموعته "حديقة الأنقاض" (2012) التي قال عنها إنها "رهان على تشظي الكتابة، بإلغاء الفوارق بين أشكال التعبير، ويذهب بعيداً في خلط الأجناس، من دون أن يؤدي إلى التناقض. نص كلّي لا يخضع لتوصيف معيّن، ولا يستسلم لمشهدية مستقرّة، لعله ترجيع بصري للمشهد السوري اليوم بكل اضطرابه".
في مجموعته الأخيرة هذه، يكتب إبراهيم الجرادي قصيدة بعنوان "لست محظوظاً"، والتي يرد فيها هذان المقطعان:
لستُ محظوظاً لأنّيْ
كلّما أسْلَمْتُ أسراري لأهلي ساءَ ظني
غادروني
قبلَ ميعادِ الأسى واستدركوني
بالعذاباتِ
وصوتُ اللهِ فيَّ
كلما ملَّحَني الدَمعُ وفاضتْ في عيوني
شهوةُ التابوتِ
أهلي اسْتَعْذَبوني
وأنا
أمشي
إلى
نعشي
وتتبعني خُطايْ
لست محظوظاً لكي أغفو على وترٍ ونايْ.
■ ■ ■
لست محظوظاً
لأن الشعرَ غادرني وخلفني وحيدا
في عَرَاءِ النثرِ
واستدركَ ضَعفي
قلت: فلأوقظهُ مِنْ غفوةٍ كي يصطفيني
غير أن اليأس عاودني
وبَدَّدَني يقيني:
كلما أغلقتُ باباً
فتَّحتْ لي صحوةُ المُرْتابِ أبواباً وبابا:
كان يُفضي ليقينٍ خاسرٍ
فيما أسايْ
يتملاني كـ"طير السَعْدِ" من عليائِهِ
شَزَراً
ويعطيني شقايْ
لستُ محظوظاً لكي أغفو على وترٍ ونايْ.