إبراهيم أصلان قارئاً ثورة يناير

12 فبراير 2015
+ الخط -

"كان محمد البوعزيزي يجرّ عربته الصغيرة ويسترزق منها، ثم إن رجال الأمن صادروها والشرطية صفعته على وجهه أمام الناس، ومحمد ذهب يشتكي ولم يستجب أحد، حينئذ أغرق نفسه بنزيناً وأشعل النار في جسده".

هكذا يبدأ الروائي المصري إبراهيم أصلان (1935 - 2012) كتابه "انطباعات صغيرة حول حدث كبير" الذي صدر أخيراً عن "الهيئة المصرية العامة للكتاب" في الذكرى الثالثة لرحيله. شاءت الأقدار لصاحب "مالك الحزين" أن يشاهد عاماً من الثورة ليروي لنا انطباعاته حول ذلك الحدث الذي طالما حلم به خلال مسيرته الإبداعية الطويلة.

الكتاب عبارة عن مجموعة نصوص يمزج أصلان فيها حياته الشخصية بحياة المصريين، خلال العام الأول من ثورة يناير. يحكي عن دهشة أصدقائه من الكتاب العرب بما قام به المصريون في الثورة، لما عُرف عنهم بأنهم الشعب المسالم الصبور أبداً، المنهك بكرامته المنقوصة وكبريائه الجريح. لكنه يرى أن مصر لم تتغير هكذا فجأة، بل استعادت ما كانت جديرة به دائماً، وأن هذه الثورة هي نتاج حراك طلائع طبقة وسطى مصرية جديدة، بعدما انتهى أمر الأجيال القديمة.

جميع نصوص هذا العمل كُتبت عام 2011، وهذا يعني أن الشارع المصري الذي يتناوله الكاتب كان ما يزال مشتعلاً بمطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. يفتقد أصلان العديد من أصدقائه الذين رحلوا قبل أن يشاهدوا أحلامهم واقعاً يمارسه المصريون: صلاح جاهين وفؤاد حداد وأمل دنقل وأسامة أنور عكاشة وعاطف الطيب وغيرهم؛ ويلوم كل من دبّ اليأس في نفسه وراح يترحّم على أيام مبارك بحجة الفوضى التي شهدتها مصر أيام الثورة.

سنجد في هذا العمل العديد من أحداث الثورة المفصلية، مثل "مذبحة ماسبيرو" التي يعتبرها أصلان أول أسباب القضاء على "ملحمة يناير" السلمية؛ كأنها رسائل ما بين السطور يوجّهها إلى المجلس العسكري المسؤول عن إدارة البلاد لتحذيره من أن ثقة المصريين فيه ستهتز بمثل هذه الممارسات التي تستحضر أساليب النظام القديم.

سنكتشف أن انطباعات أصلان عن الثورة ليست مجرد انطباعات؛ إذ ترصد عين "الروائي الشيخ" مدى تأثير هذا الحدث على مختلف طبقات المجتمع: المثقفون والباعة المتجوّلون والثوار في الميادين العامة والأهالي في الشوارع الجانبية. فمثلما يتعرّض أصلان لنقاشاته مع أصدقائه الكُتّاب حول الثورة، يحكي لنا أيضاً انطباعات مهمّشي المجتمع، وانشغالات المصريين بالشأن العام بعد حالة اللامبالاة التي عاشوها إثر عمليات تجريف الوعي التي مارسها نظام مبارك خلال عقود.

يفرد أصلان نصاً كاملاً من كتابه عن مشهد محاكمة مبارك، بعنوان "مبارك مستلقياً". ويعتبر الكاتب أن لحظة دخول مبارك لقفص الاتهام تمثل انتهاء زمن الشعارات الجامعة، لكنه يذهب إلى أبعد من ذلك في إشارة إلى أن مبارك ليس إلا رأس الأفعى لجسد النظام، الذي ما زال يحتوي على العشرات مثله.

وكعادة أصلان في التقاط التفاصيل الصغيرة، نجده يتتبع التغيّرات التي شهدتها مدينة القاهرة خلال العقود السابقة، ليس على المستوى السياسي أو الاجتماعي فقط، بل على مستوى المعمار أيضاً، من قبيل التماثيل التي تملأ الميادين الآن، ولا علاقة لها بفن النحت.

يشيد صاحب "عصافير النيل" بالشباب الحالم بالتغيير، ويطالب الجيل القديم أن يفسح الطريق لهم كي يمضوا قدماً؛ إلا أنه يلومهم على تشتّتهم في ما يقارب 150 تحالفاً وائتلافاً، ويتمنى عليهم أن ينضووا تحت قيادة واحدة ذات صوت مؤثّر. لكنه رحل قبل أن يشاهد ما فعله التشرذم بالقوى الثورية، وما ترتب على ذلك من انقلاب عسكري عادت معه وجوه "العصبة الشريرة"، حسب تعبيره.

المساهمون