04 نوفمبر 2024
أي لعنةٍ حَلّت بسد النهضة؟
ضجّةٌ كبيرةٌ أثارتها تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عن الصعوبات الفنية والإدارية التي تواجه مراحل تنفيذ مشروع سد النهضة، وذلك فقط لأن الإقرار بوجود مشكلاتٍ، صدر من أعلى سلطة في البلاد، على الرغم من أن الاعتراف العلني لآبي أحمد لم يكن أولى علامات تعثّر العمل في السد، فقد سبقته إشاراتٌ مهمة، شملت عدم البدء في عملية ملء خزّان السد التي كان مقرّراً أن تبدأ في يوليو/ تموز الماضي. وتعرّض الطاقم المعني بالإشراف على تنفيذ بناء السد لضربة قوية بوفاة غامضة لمدير المشروع. وشكوى الشركات الأجنبية المشاركة في المشروع من بطء أداء الجانب الإثيوبي. ما دفع آبي أحمد إلى إنهاء أعمال الشركة الوطنية (ميتيك) المكلفة بأعمال تحضيرية في جسم السد، على الرغم من أنها شركة تابعة للقوات المسلحة الإثيوبية.
غير أن قرار آبي أحمد لم يمنع شركة ساليني الإيطالية من المطالبة بحوالي 340 مليون يورو، تشمل تعويضاً عن أضرار التأخير التي تسبّبت فيها الشركة الوطنية، إضافة إلى مستحقّات متأخرة أصلاً للشركة الإيطالية.
ما وراء هذا التعثر، وجود مشكلات مالية وقفت وراء ذلك البطء الفني في الانتهاء من مراحل تنفيذ السد. وتتركّز، بالأساس، في نقص التمويل، خصوصاً الخارجي الذي كانت تعوّل عليه أديس أبابا، خصوصا بعدما تعرّض له رجال أعمال سعوديون من ملاحقة أمنية وقضائية وعمليات توقيف ومصادرة للأموال، وفي مقدّمتهم محمد العمودي الذي وضع تحت يد أديس أبابا 88 مليون دولار لسد النهضة، فضلاً عن توريده كميات الإسمنت المستخدمة في بناء السد، من إنتاج مصنعين تملكهما إثيوبيا، هما الأكبر في إنتاج الإسمنت هناك.
إضافة إلى ذلك، استهدفت تحرّكاتٌ مصرية تحييد المؤسسات المالية الدولية، واستمالة مواقف بعض الدول التي تعمل شركاتها في مراحل مشروع السد. وربما امتدّت هذه التحرّكات المصرية إلى دول أخرى ليست مشاركة في مشروع السد، لكنها معنيّة بالأوضاع في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل.
وكان لافتاً إرسال الولايات المتحدة الأميركية وفدا إلى إثيوبيا والسودان ومصر، وإجراء مشاورات مع الدول الثلاث بشأن مشروع السد، في خطوةٍ غير مسبوقة من الجانب الأميركي، بعد أن ظلت واشنطن، طوال السنوات الماضية، حريصةً على عدم التدخل في ملف سد النهضة بأي شكل، وتجنّبت تماماً تبنّي أي موقف، مع أي طرف أو ضدّه.
على الرغم من أن هذه التطورات التي أحاطت بتعثّر مشروع السد، تبدو نتيجة منطقية لمقدّماتها، سواء المالية أو الإدارية أو السياسية، إلا أن بعض وسائل الإعلام المصرية راحت تنسج حول تلك التطورات أساطير وحكايات، من شاكلة أنها لعنة حلت بالسد، لأنه كان سيُضر بالمصريين، أو أن التحرّكات المصرية هي، وهي وحدها وفقط، التي تكفّلت بتعطيل العمل في المشروع. وأن لحالة الطمأنينة والثقة التي تتعاطى بها القاهرة مع الملف ما يبرّرها من الواقع، وليست مبالغةً في تقدير بعد نظر رؤية السياسة المصرية وصوابها.
صحيحٌ أن مشروع سد النهضة يواجه عقباتٍ ماليةً وفنيةً، ويعاني من بطءٍ في معدّل الإنجاز الفعلي، مقارنة بالجدول الزمني المفترض للتنفيذ، لكن هذا لا يعني أن المشروع قد انتهى، أو حتى توقّف ولو مؤقتاً، فهو فقط صار أبطأ وتيرةً ليس أكثر. وما أن تتوفر الموارد المالية والقدرات الفنية اللازمة، وهو ما تعمل إثيوبياً عليه حالياً، لن تكون هناك أسباب موضوعية لاستمرار البطء، أو تأخر التنفيذ. لم تعدّل إثيوبيا مخططات المشروع، ولم تبدِ أية إشارات إلى قبول مطالب مصر بشأن النواحي الفنية، ذات التأثير السلبي على حياة المصريين، خصوصاً سنوات ملء الخزّان وقواعد التشغيل. لذا فإن التهليل لتعثّر العمل في السد، وتصويره كما لو كان لعنةً أصابت السد، ليس سوى هوس بالوهم وتضخيم الذات.
الأجدى من الاستغراق في هذه النوستالجيا الخزعبلية توجيه الجهود نحو اقتناص هذه الفرصة، للضغط على إثيوبيا، وحشد كل الإمكانات والأوراق والأطراف، لتحقيق الحد الأدنى من المطالب المصرية.
غير أن قرار آبي أحمد لم يمنع شركة ساليني الإيطالية من المطالبة بحوالي 340 مليون يورو، تشمل تعويضاً عن أضرار التأخير التي تسبّبت فيها الشركة الوطنية، إضافة إلى مستحقّات متأخرة أصلاً للشركة الإيطالية.
ما وراء هذا التعثر، وجود مشكلات مالية وقفت وراء ذلك البطء الفني في الانتهاء من مراحل تنفيذ السد. وتتركّز، بالأساس، في نقص التمويل، خصوصاً الخارجي الذي كانت تعوّل عليه أديس أبابا، خصوصا بعدما تعرّض له رجال أعمال سعوديون من ملاحقة أمنية وقضائية وعمليات توقيف ومصادرة للأموال، وفي مقدّمتهم محمد العمودي الذي وضع تحت يد أديس أبابا 88 مليون دولار لسد النهضة، فضلاً عن توريده كميات الإسمنت المستخدمة في بناء السد، من إنتاج مصنعين تملكهما إثيوبيا، هما الأكبر في إنتاج الإسمنت هناك.
إضافة إلى ذلك، استهدفت تحرّكاتٌ مصرية تحييد المؤسسات المالية الدولية، واستمالة مواقف بعض الدول التي تعمل شركاتها في مراحل مشروع السد. وربما امتدّت هذه التحرّكات المصرية إلى دول أخرى ليست مشاركة في مشروع السد، لكنها معنيّة بالأوضاع في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل.
وكان لافتاً إرسال الولايات المتحدة الأميركية وفدا إلى إثيوبيا والسودان ومصر، وإجراء مشاورات مع الدول الثلاث بشأن مشروع السد، في خطوةٍ غير مسبوقة من الجانب الأميركي، بعد أن ظلت واشنطن، طوال السنوات الماضية، حريصةً على عدم التدخل في ملف سد النهضة بأي شكل، وتجنّبت تماماً تبنّي أي موقف، مع أي طرف أو ضدّه.
على الرغم من أن هذه التطورات التي أحاطت بتعثّر مشروع السد، تبدو نتيجة منطقية لمقدّماتها، سواء المالية أو الإدارية أو السياسية، إلا أن بعض وسائل الإعلام المصرية راحت تنسج حول تلك التطورات أساطير وحكايات، من شاكلة أنها لعنة حلت بالسد، لأنه كان سيُضر بالمصريين، أو أن التحرّكات المصرية هي، وهي وحدها وفقط، التي تكفّلت بتعطيل العمل في المشروع. وأن لحالة الطمأنينة والثقة التي تتعاطى بها القاهرة مع الملف ما يبرّرها من الواقع، وليست مبالغةً في تقدير بعد نظر رؤية السياسة المصرية وصوابها.
صحيحٌ أن مشروع سد النهضة يواجه عقباتٍ ماليةً وفنيةً، ويعاني من بطءٍ في معدّل الإنجاز الفعلي، مقارنة بالجدول الزمني المفترض للتنفيذ، لكن هذا لا يعني أن المشروع قد انتهى، أو حتى توقّف ولو مؤقتاً، فهو فقط صار أبطأ وتيرةً ليس أكثر. وما أن تتوفر الموارد المالية والقدرات الفنية اللازمة، وهو ما تعمل إثيوبياً عليه حالياً، لن تكون هناك أسباب موضوعية لاستمرار البطء، أو تأخر التنفيذ. لم تعدّل إثيوبيا مخططات المشروع، ولم تبدِ أية إشارات إلى قبول مطالب مصر بشأن النواحي الفنية، ذات التأثير السلبي على حياة المصريين، خصوصاً سنوات ملء الخزّان وقواعد التشغيل. لذا فإن التهليل لتعثّر العمل في السد، وتصويره كما لو كان لعنةً أصابت السد، ليس سوى هوس بالوهم وتضخيم الذات.
الأجدى من الاستغراق في هذه النوستالجيا الخزعبلية توجيه الجهود نحو اقتناص هذه الفرصة، للضغط على إثيوبيا، وحشد كل الإمكانات والأوراق والأطراف، لتحقيق الحد الأدنى من المطالب المصرية.