أيها الصحافي: هل تخجل من مهنتك؟

23 نوفمبر 2014
يطالب الصحافيون برفع اليد عن مهنتهم (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
"هل يجرؤ كل الصحافيين على تقديم أنفسهم كـ"صحافيين"؟ ولماذا؟"... على خلاف ما يظن البعض أنه لا يوجد ما يدعو للخجل في كون المرء صحافياً، فإن ذلك لا يغير حقيقة أن كثيراً من الناس يعتقدون أن هنالك ما يُخجل في ذلك. في تحقيقنا التالي نكتشف من الآراء المطروحة أن الصحافة إلى جانب السياسة هي الأقل ثقة بين المهن.

يقول الصحافي نبيل: "يتطلب عملي انفتاح الناس وثقتهم السريعة بي، لذا أعرّف عن نفسي عادة ببساطة كـ "كاتب" أو كـ "كاتب صحافي" لأنأى بنفسي عن الانحياز المسبق ضد الإعلاميين. فالأمر يشبه إلى حد ما تقديم نفسك كمحامٍ أو كبائع سيارات مستعملة. وستسمع ملء آذانك حول خطايا كل من يعمل في مهنتك. ولسوء الحظ ليس لدى هذه المهنة سمعة جيدة لدى الرأي العام كما تظهر استطلاعات الرأي السنوية حول النزاهة والأخلاقيات في المهن".

المشكلة في خيارك
لكن منى لها رأي آخر حين تقول: "لطالما كنت فخورة بالتعريف عن نفسي كصحافية، وما زلت حتى اليوم بعدما لوثت الصحافة الصفراء المهنة. فعندما يملك المرء الخبرة والتعليم الكافيين ليكون صحافياً، عليه ألا يتهرب من التوصيف.

فهذه المهنة قديمة قدم التاريخ وعليها ترتكز الديمقراطية، وعندما يشعر أحدهم بالخجل لأنه صحافي فلربما يدل ذلك على أنه امتهن المهنة الخطأ في المقام الأول. لكنني في نفس الوقت لا أفضل التعريف عن نفسي كصحافية في المناسبات الاجتماعية لما يسببه ذلك من فتح باب الأسئلة والنقد الذي لا أتوانى عن الرد عليه في عملي ولا أفضّل الخوض فيه خارج العمل، وأحياناً أجد نفسي أتحدى الناس لمعرفة مهنتي في الحياة لما أعرفه عن نفسي من حس نقدي عال وفضول صحافي لا يمكن إخفاءه في بعض الحالات".

من الخزي أني صحافي!
ويظهر السخط في رأي الصحافي مجدي بقوله: "حين تصبح الصحافة مهنة من لا مهنة له، حين يصبح الوطن تابعاً لمن يهينون الوطن، حين يصبح المرء مجرد ذيل متطاول لسلطة ضائعة تائهة مفككة نيئة لم تنضج بعد ولن تنضج فيما بعد، أتحرك وفي نفسي أسىً بالغ من كوني صحافياً. أن تكون صحافياً في هذا الزمان، يعني أن تطبّل للرئيس وابن الرئيس وخالة الرئيس، ولكلّ ما يفعله الرئيس، أن تصبح مجرد جرذ بريّ يسبح في مجاري الدولة من دون حتى أن تتكفل بإطعامك وعليك أن تتسخ كثيراً حتى تنال ما يقيم أَودك ويبقيك حياً لمجرد أن تظلّ حياً من دون حتى حياة".

ويتابع مجدي: "حين تكتب شيئاً لست راضياً عنه ولا عن من صدّره إليك، فأنت لم تعد إنساناً ولا ضمير يحركك، ولا رأس فوق رأسك يوجهه، ولا عقل من تحته تحترم تلافيفه التي يُفترض أن تصدر عن حق وتدعو إلى حق وتكشف عن باطل ولا تتوارى عن باطل، أنت إذن، وفي هذه الحالة، لم تعد إنساناً يتحرك، بل دمية يحرّكها ضابط أو مَن دونه أو حتى مَن فوقه، ليس مهماً، لا تشغل بالك، اكتب كأنك جرذ فمصيرك في النهاية إلى بالوعة!".

أخجل من عدم نقلي الحقيقة
الصحافية إيمان لها رأي مميز بهذا الشأن: "ربما لم يكن إعلان مهنتي كصحافية مدعاة فخر دائماً، على الأقل منذ احتكاك حقيقي بالقيود المفروضة على الصحافة في مصر واعتقد ربما في كثير من أنحاء العالم العربي... حيث دخلتُ المهنة في التسعينيات شابة متحمسة لم تدرس الإعلام في الجامعة وإنما درست الآداب واللغات وفكرتي عن الصحافة من متابعة كتاب كبار مثل هيكل وأحمد بهاء الدين وأحمد بهجت وغيرهم من الأساتذة الذين كانت متابعتهم مدرسة حقيقية لمن يهوى الصحافة.

في بداية عملي بالصحافة كان التركيز على الترجمة والثقافة ولكن مع أول تحقيق ميداني اصطدمت بواقع القيود وزيف مفاهيم حرية الصحافة ومنذ ذلك الحين ربما لا أفخر كثيراً بالإعلان أني صحافية. وقتها كان الخجل بسبب أني لا أقوم بكامل دوري كصحافية وإنما أخضع لرقابة تمنعني أحيانا من نقل الحقيقة. وفيما بعد صار الخجل مضاعفاً بعد أن تعدى الأمر الرقابة والقيود إلى تحول بعض الصحافيين إلى منافقين بامتياز وامتهنوا التطبيل بدلا من التحقيق وكشف الحقيقة".

صحافي متستر
عن حرية الصحافة يقول محمد: "لا تقتصر مشاكل الصحافيين في التعريف عن أنفسهم بوضوح في التعاطي مع الأفراد، بل تتعداها إلى الدول. فكثير من الصحافيين يضطرون لإخفاء هويتهم المهنية عند السفر إلى بعض البلدان التي تنظر إلى الصحافي بعين الريبة والحذر. ويفضل الكثير من الصحافيين الغربيين على سبيل المثال التستر بعباءة السياحة عند دخولهم بلداناً لا يُعرف عنها التزامها بحرية الصحافة، حتى وإن كان دخولهم إليها ليس بقصد العمل. لما قد يسببه التصريح عن مهنتهم من عوائق تبدأ من سوء المعاملة والمنع من دخول البلاد وتصل إلى تشكيل خطر على حياتهم في بعض الحالات".

معايير المهنة
أما بالنسبة للنقابات الصحافية فيقول محمود: "إن الأنظمة المستبدة تدفع بالكثير من الأشخاص إلى عضوية نقابة الصحافيين كقوة انتخابية للسيطرة على قيادة النقابة بما فيهم ضباط وجنود، وغيرهم، لذلك فإن جميع الصحافيين الأحرار في هذه المرحلة مطالبون بإعادة الاعتبار لهذه المهنة، ولأنفسهم أولاً، لأننا اليوم نخجل من التحدث كوننا صحافيين في وسط مليء بالمبتزين، والانتهازيين.

ويجمع معظم من يمتهن الصحافة ويؤمن بدورها الكبير في المجتمعات الحديثة على أن المسؤولية الكبرى تقع هنا على عاتق الصحافيين أنفسهم في التزام معايير المهنة لتقديم صورة مشرقة عنهم، فالتزام الصحافي أو المراسل أو المحرر الموضوعية والدقة في عمله يسهم في رفع مصداقية المهنة أمام الجمهور ويعزل الأقلام المأجورة التي لا تستحق انتسابها للمهنة. الأمر الذي يبدو صعباً للغاية في عصر سيطرت فيه الصحافة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. ويبقى الجواب إذا عن السؤال المطروح رهن شخصية الصحافي ومدى إيمانه بنبل المهنة وثقته بمقدراته ومؤهلاته".

هذه هي حال قسم كبير من العاملين في مجال الإعلام في العالم العربي. ولعلنا هنا تحديداً نلمس الفرق بين الصحافي العربي وذاك الغربي. فالصحافي العربي عليه أن يخوض معارك شرسة، تكلل في اغلب الحالات بالهزيمة دفاعاً عن رأيه واستقلاليته، فإما يترك هذا المجال تماماً، أو يدخل في لعبة التطبيل والتزمير للنظام. فيما نشاهد في الصخافة الغربية تحدّياً واضحاً للسلطة، وتشهيراً بها في حال ضيّقت على الصحافي أو حاولت تهديده وترهيبه.

وخير مثال ما يحصل في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة، حيث بدأت تعلو الأصوات بشكل كبير ضد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وضد سياسته في التجسس وتعقّب الصحافيين لمعرفة مصادر معلوماتهم ثم تهديدهم بها واستدعائهم للتحقيق. وهذا التشهير بدكتاتورية الإدارة الأميركية أدّى إلى إصدار المنظامات الحقوقية والصحافية اكثر من بيان تدين فيه تدخّل السياسة بعمل الصحافيين في أكثر من مؤسسة أبرزها "نيويورك بوست".
المساهمون