أظهر رصد لـ"العربي الجديد" أن البنك المركزي المصري طبع منذ وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الحكم قبل نحو ست سنوات ما يقرب من 300 مليار جنيه، ليتجاوز حجم النقد المصدر والمتداول في أكثر من ربع قرن، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة, وفق محللين ماليين، حول القطاعات التي أنفق فيها السيسي هذه الأموال التي تضاف إلى أكثر من 3.6 تريليونات جنيه من القروض المحلية والخارجية.
وأشارت بيانات حديثة صادرة عن البنك المركزي المصري إلى زيادة أرصدة النقد المصدر (طبع النقود) خلال شهر مارس/آذار الماضي بنحو 23.2 مليار جنيه (1.4 مليار دولار)، ليصل ما تمت طباعته من نقود خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري إلى 37.6 مليار جنيه، حيث زاد النقد المصدر بنحو 6.9 مليارات جنيه خلال فبراير/شباط و7.5 مليارات جنيه في يناير/كانون الثاني.
الدين الخارجي تجاوز بنهاية يونيو/حزيران الماضي، نحو 124 مليار دولار
ودأب البنك المركزي على التوسع في طباعة النقود منذ وصول السيسي إلى الحكم في يونيو/حزيران 2014، رغم القروض المحلية والأجنبية الضخمة التي جرى الحصول عليها، لتدفع مستويات الديون إلى قيم غير مسبوقة تعادل حوالي ثلاثة أضعاف الديون التراكمية على مصر فيما يقرب من 70 عاماً، تعاقب خلالها 6 رؤساء على الحكم، بخلاف المجلس العسكري الذي تولي أمور البلاد لمدة عام، بعد ثورة يناير/كانون الثاني التي أطاحت الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وتظهر أحدث بيانات البنك المركزي ارتفاع الديون المحلية إلى نحو 4.18 تريليونات جنيه بنهاية سبتمبر/أيلول 2019، بينما كان يبلغ حوالي 1.8 تريليون جنيه لدى وصول السيسي إلى الحكم، كما قفز الدين الخارجي إلى 112.67 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الأول، في حين لم يكن يتجاوز 46 مليار دولار قبل ست سنوات.
ووفق رصد لـ"العربي الجديد، فإن الدين الخارجي تجاوز بنهاية يونيو/حزيران الماضي نحو 124 مليار دولار، بعد احتساب القروض والسندات الدولية الجديدة التي تم طرحها منذ بداية العام.
وأقدم السيسي على مد العديد من الجسور ورصف طرق، لا سيما في القاهرة، وشق تفريعة جديدة لقناة السويس، وإنشاء عاصمة إدارية يجري العمل فيها منذ نحو أربع سنوات في صحراء شرق القاهرة، لتسنزف مئات مليات الجنيهات، فيما أكد خبراء اقتصاد أن أغلب هذه المشروعات من دون جدوى اقتصادية، وتحمل المصريين ديوناً لعقود مقبلة لا طائل لهم بها، بينما يقول السيسي إنه يبني "مصر تانية" على حد وصفه.
ويأتي إنفاق هذه المبالغ بينما تظهر البيانات الحكومية ارتفاعا غير مسبوق في معدلات الفقر في البلد الذي يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة، وترديا في الخدمات الأساسية مثل التعليم، والصحة التي كشفت جائحة فيروس كورونا فشل القطاع الصحي العام والخاص على حد سواء في التعامل معها.
ووفق دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 20 يونيو/حزيران، تحت عنوان "أثر فيروس كورونا على الأسر المصرية"، فإن 50.1% من الأسر المصرية أضحت تعتمد بشكل رئيسي على المساعدات من الأصدقاء والأقارب لتغطية احتياجاتها المعيشية منذ بدء أزمة كورونا في البلاد نهاية فبراير/ شباط الماضي، والتي لم يكن الوضع قبلها أفضل كثيراً وفق خبراء اقتصاد.
ولم تكشف الحكومة بيانات عن معدلات الفقر الحقيقية في الفترة الأخيرة، بينما كانت قد ذكرت في يوليو/تموز 2019 أن نسبة الواقعين تحت خط الفقر بنهاية العام المالي 2017/ 2018، أي قبل نحو عامين بلغت 32.5% من إجمالي السكان، لكن خبراء اقتصاد يؤكدون أن النسبة الحقيقية تجاوزت 55% في ظل الغلاء المستمر، مع فرض زيادات متواصلة على أسعار السلع والخدمات والضرائب.
وبحلول يوليو/تموز الجاري، تطبق الحكومة زيادة جديدة على أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي تصل نسبتها إلى 30%، رغم الضائقة المعيشية التي يعاني منها أغلب المصريين، لتعد بذلك سابع زيادة في الأسعار منذ وصول السيسي الذي رفع الأسعار بنحو 660%.
كما صادق السيسي قبل أيام على فرض رسوم على مبيعات البنزين بأنواعه والسولار والتبغ والمحمول، من أجل زيادة العائدات المالية للحكومة التي أضحت تعتمد بنسبة تصل إلى 80% على الضرائب، وفق ما صرح به وزير المالية محمد معيط أمام مجلس النواب (البرلمان) في مايو/أيار الماضي.
وتأتي هذه الزيادات بينما تكشف بيانات جهاز الإحصاء أن 73.5% من المصريين المشتغلين انخفضت دخولهم بسبب تداعيات جائحة كورونا.
ويبدو أن الرئيس المصري لن يكتفي بزيادة الأسعار التي جرى فرضها خلال تلك السنوات، أو القروض التي حصل عليها وطباعة مئات مليارات الجنيهات، حيث قال لدى افتتاحه عددا من المشروعات يوم الاثنين الماضي: "نحتاج تريليونات كتير قوي" لتنفيذ مشاريع.
ويتفاخر السيسي بتشييد الجسور والطرق ومنشآت خرسانية في العاصمة الإدارية الجديدة، بينما انجرف ملايين المصريين إلى العوز في ظل سياسيات اقتصادية يصفها المحلل الاقتصادي أحمد إبراهيم في تصريح لـ"العربي الجديد" بالفاشلة، مشيرا إلى أن البلدان لا تقوم على بناء الكباري والمدن الجديدة، وإنما على بناء الإنسان أولا وتعزيز الإنتاج وتقوية الاقتصاد والسياسات المالية والنقدية.
وقال إبراهيم إن "مصر ستظل لعقود رهينة ديون ثقيلة وسياسات تخريبية لبنية المجتمع واقتصاد الدولة، وأظن أن أغلب المصريين لمسوا نتاج سياسات 6 سنوات في أسابيع قليلة من حلول جائحة كورونا... هنا ينتهي كل الكلام ويتحول كل ما يقوم به الرئيس إلى لا شيء ومن دون قيمة حقيقية، يمكنه أن يشيد مشروعات تمجد شخصه، لكن يجب أيضا العمل من أجل هذا البلد وأهله".
ووفق دراسة جهاز الإحصاء فإن نحو 90% من المصريين خفضوا استهلاكهم من اللحوم والفاكهة، و36% خفضوا كميات الطعام، ونحو 20% قللوا عدد الوجبات، وحوالي 92% لجأوا للطعام الرخيص، وذلك لانخفاض الدخل.