في غزّة، أطفال كثيرون فقدوا أباً أو أماً أو الوالدَين معاً، لا سيّما نتيجة تعرّض القطاع لعدوان متكرر من قبل الاحتلال الإسرائيلي. ويتحوّلون يتامى.
تستيقظ الصغيرتان في كل صباح وحيدتَين بين جدران غرفة ليست غرفتهما. وتبدآن بتفقّد جسدَيهما، خشية من أن تكونا قد فقدتا شيئاً منهما. وتغسلان وجهيهما قبل الخروج وممارسة ما استطاعتا من حياة لم تعد حياتهما. وتعيش نوال ياسين (10 أعوام) وأختها نور (5 أعوام) في معهد الأمل للأيتام، بعدما فقدتا والدهما في الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
يحرص معهد الأمل في مدينة غزة على توفير خدمة الإيواء للأيتام، وتوفير كفالات تمكّنهم من الاستمرار في الحياة، بالإضافة إلى دمجهم مع غيرهم من الأطفال في المجتمع، وتوفير أجواء ترفيه ولعب مريحة ومفيدة لهم. وهذا المعهد الذي تصل قدرة استيعابه إلى 120 طفلاً، يستقبل بعد العدوان الأخير على غزة 132 طفلاً، منهم من قُتل آباؤهم، ومنهم من فقدوا آباءهم وأمهاتهم في الوقت نفسه.
كانت نوال ونور وحيدتَي والديهما، أما اليوم فقد أصبحتا بلا سند، لا سيّما وأنهما خسرتا أيضاً أخاهما في العدوان ذاته. بأسى تخبر نوال "العربي الجديد" أنّ "ليس لدينا إلا بعض الأقارب الذين لا نعرفهم جيداً. عمّي فايز الوحيد الذي يسأل عنا". تضيف: "لم نجد إلا معهد الأمل ليوفّر لنا حياة كريمة. في النهار نقصد المدرسة، أما الليالي فنقضيها هنا بلا أب ولا أم.. فقط مع كثير من الذكريات والألم". من جهتها، تقول نوال بعينَين دامعتَين، "في كل ليلة أتذكر أبي. عندما استشهد كان هو وأخي محمد في السيارة". يُذكر أنهما لم يموتا في اليوم نفسه، وإنما بعد يومين من العذاب في المستشفى.
وإذ يلفت المدير التنفيذي لمعهد الأمل للأيتام في غزة، إياد المصري، إلى أن ثمّة عدداً كبيراً من الأيتام في قطاع غزة، خصوصاً بعد العدوان الأخير، يوضح أن "بعد دراسة كاملة للحالة والبيئة التي يعيشها الطفل اليتيم، وفي حال رأينا أن وجوده في المعهد أفضل من البقاء في البيئة حيث هو، فإننا نستقبله". يضيف لـ"العربي الجديد" أن المعهد استقبل 40 يتيماً بعد العدوان، في حين كان يضمّ 90 طفلاً قبل ذلك".
ويشرح المصري المشاكل التي يواجهها معهد الأيتام في الأعوام العشرة السابقة، ولعلّ أشدّها قسوة خلال السنة الأخيرة. يقول إن "مصادر التمويل المتوفرة في العادة متنوعة ما بين تبرعات وكفالات الأيتام، من داخل قطاع غزة ومن المدن الفلسطينية وكذلك من الدول العربية والأجنبية. لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت الأمور معقدة وصعبة". يضيف أن "الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه قطاع غزة، أدى إلى انخفاض التمويل الداخلي بشكل كبير، بالإضافة إلى ما أحدثته الأزمات في الوطن العربي. أكثر مصادر تمويل المعهد، توجّهت إلى سورية وغيرها. بالتالي، أدّى ضعف التمويل إلى إلغاء قسم جديد كنا ننوي إنشاءه وتجهيزه في المعهد، خاص بالإيواء. وذلك إلى جانب توظيف عدد أكبر من الإداريين والمشرفين". يتابع: "لكن هذا يتطلب زيادة في المصاريف اليومية وفي مصاريف التعليم والعلاج وتأمين احتياجات الأطفال المختلفة. الميزانية التي يحتاجها 90 طفلاً تختلف عن تلك التي يحتاجها 130 طفلاً".
من جهتها، تقول الاختصاصية النفسية الاجتماعية فاطمة عبد الله إن "الأيتام يعيشون في ظل أوضاع سياسية واقتصادية ونفسية صعبة، خلّفها العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. وقد كان لذلك تأثير كبير على العائلات، خصوصاً مع ارتفاع نسبة الأيتام. بالتالي، فإن الأطفال الذين استشهد آباؤهم في الحرب الأخيرة وكانت أمهاتهم عاجزات عن إعالتهم، يُرسلون إلى معهد الأمل للأيتام". تضيف أن "بعض هؤلاء يعانون من انطواء وعزلة، على الرغم من تقديم جلسات إرشادية لهم وإشراكهم في نشاطات محببة. وهذا طبيعي، إذ إن الحياة تبقى مختلفة وغريبة عما سبق وخيروه في منازلهم مع أهلهم".
أما المديرة العامة للرعاية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة، اعتماد الطرشاوي، فتوضح لـ"العربي الجديد" أن "العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع خلّف نحو ألفي يتيم، ليصبح عدد الأيتام (18 عاماً فأقل) أكثر من 15 ألفاً، ستة آلاف منهم قُتل آباؤهم في خلال الحروب المتكررة التي شنّتها إسرائيل على القطاع".
وتقول الطرشاوي إن "وزارة الشؤون الاجتماعية وبتمويل من الهلال الأحمر التركي، وزّعت مبلغ 400 شيكل على كل يتيم من ضحايا العدوان الإسرائيلي الأخير. والمساعدات تأتي على شكل مبالغ نقدية دورية، بالإضافة إلى مساعدات تموينية وإعفاءات مدرسية وتأمين صحي". تضيف أن "في ظل المشكلات المعقدة التي تحيط بالعمل الاجتماعي في قطاع غزة، فإن وزارة الشؤون هي التي تُعنى بالأيتام وتقدّم لهم خدمات الحماية والرعاية الاجتماعية. كذلك تقدّم وحدة الأسرة والطفولة في الوزارة الدعم النفسي للأطفال الأيتام، خصوصاً ضحايا العدوان".
اقرأ أيضاً: محمد مهاني يعزف بقلبه