لم تكن خطوة إقالة الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف من منصبها سوى ضربة قاسية لدولة في أقصى الشمال: فنزويلا. هناك في كاراكاس بات الرئيس نيكولاس مادورو أمام أدق مرحلة في رحلة وراثته الراحل هوغو تشافيز. الإقالة في برازيليا، قد تُشكّل حافزاً هاماً للمعارضة الفنزويلية، للمضي قدماً في إطاحة مادورو من منصبه، مع دنوّ الاستحقاقات الدستورية في هذا الشأن.
ما قبل أربعاء إقالة روسيف غير ما بعده، إثر تسارع الأحداث في البرازيل وفنزويلا. في البرازيل، باشر أنصار روسيف احتجاجاتهم، مشتبكين مع قوات الأمن، رفضاً لقرار إقالتها من جهة، ورفضاً لتنصيب اللبناني الأصل ميشال تامر، رئيساً متمماً لولايتها من جهة ثانية. يرى المعترضون، من غير مؤيدي روسيف، أن تامر جزء من منظومة الفساد التي تكشفت في السنتين الأخيرتين، أما أنصار روسيف فيصفون تامر بـ"الخائن" و"المتآمر" الذي انتهز محاسبة مجلس الشيوخ للرئيسة المُقالة، كي يبتعد عنها، جاعلاً نفسه الخلف أو البطل المنتظر، العامل في سبيل تطبيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية، يُرمّم بها الاقتصاد البرازيلي المتداعي.
ومع أن أمام تامر عامين كاملين لتنفيذ وعوده الإصلاحية، قبل موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في عام 2018، غير أنه من المتوقع أن يفشل في تثبيت الاستقرار اللازم. البطالة تطاول 11.5 مليون برازيلي، وحروب العصابات تتكثّف في الفافيلاس (مناطق العشوائيات حول المدن)، فضلاً عن اهتزاز ثقة الناخبين البرازيليين بالسلطات الرسمية، بعد تورّط أعدادٍ كبيرة من أعضائها في فضيحة "غسيل السيارات"، التابعة لشركة "بتروبراس" النفطية. وفقدان الثقة بالسياسيين في بلاد السامبا، يقابله صعود نجم السلطات القضائية والأمنية، التي باتت "شبكة الخلاص" الفعلي للبرازيليين وسط الفضائح المتناسلة.
ومع أن إقالة روسيف أمر داخلي ويخصّ البرازيل، إلا أن تداعياته طاولت دول الجوار. وفي هذا الصدد، لم تكتفِ بوليفيا والإكوادور وفنزويلا، بالتفرّج على ما يجري في الدولة الأكبر في أميركا الجنوبية، بل استدعت سفراءها والقائمين بأعمالها هناك، احتجاجاً على ما اعتبرته "انقلاباً برلمانياً" ضد روسيف. ويُمكن إدراج خطوة كيتو ولاباز في سياق التفاعل مع النظام اليساري الذي حكم البرازيل لحوالي 13 عاماً، أي طيلة عهدي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا "لولا" (2003 ـ 2011) وروسيف (2011 ـ 2016)، أما بالنسبة لكاراكاس فالوضع يمسّها مباشرة.
اقــرأ أيضاً
في بلاد بطل تحرير أميركا الجنوبية، سيمون بوليفار، ينتظر الفنزويليون مآل التظاهرات المتلاحقة لأنصار مادورو وللمعارضة. وقد سعت المعارضة للحشد بقوة الخميس، في العاصمة، للضغط في اتجاه إقالة مادورو، في تظاهرة بعنوان "الحفاظ على كراكاس". ومع أن المعارضة فشلت سابقاً في الضغط الشعبي، لخشية الجمهور من العنف، الذي كلّف سقوط نحو 43 قتيلاً في عام 2014، إلا أنها نجحت في التحشيد بعد تلبية أكثر من مليون شخص دعوة المعارضة للتظاهر في شوارع كاراكاس. في هذا السياق، قال المتحدث باسم ائتلاف "طاولة الوحدة الديمقراطية" (وسط اليمين) خيسوس توريالبا، في تصريح لوكالة "فرانس برس"، إن "ما بين 950 ألف شخص و1.1 مليون شخص شاركوا في تظاهرة الخميس"، مؤكداً أن "هذا أضخم تحرك شعبي يحصل منذ عقود". وأضاف "لقد أظهرنا للعالم أهمية فنزويلا الراغبة بالتغيير. هذه تظاهرة تاريخية. اليوم بدأت الخطوة النهائية في هذا النضال". أما مؤيدو مادورو، فعمدوا بدورهم إلى تنظيم تظاهرة، أيضاً، تحت شعار "الحفاظ على فنزويلا"، خشية من احتمال نجاح المعارضة.
وكما في كل مرة يتعرّض فيها للضغوط، حذّر مادورو من "التدخل الخارجي"، واصفاً ما جرى في البرازيل بأنه "لا يستهدف فقط الرئيسة ديلما روسيف، وإنما أيضاً أميركا اللاتينية والكاريبي". كما قال إن "الانقلاب يستهدف الحركة اليسارية الشعبية التقدمية في المنطقة". سمح مادورو لنفسه بضرب معارضيه وتخوينهم، بعد مطالبة بعضهم منظمة "الدول الأميركية" بالتدخّل لتسهيل تنظيم الاستفتاء، رداً على ما وصفوه بـ"محاباة الهيكلية الدستورية والسياسية الفنزويلية لمادورو".
وهكذا، لم يتردّد الرئيس الفنزويلي في إطلاق يد أجهزة الاستخبارات، التي أوقفت عدداً من رؤساء البلديات، ممّن دعوا للاحتجاجات، حسبما أعلن زعيم المعارضة هنريكي كابريليس. لم يعد سراً محاولة مادورو الاستعانة بالأمن والجيش لقمع معارضيه.
ويأتي ذلك في ظلّ سعي المعارضة إلى دفع المجلس الوطني الانتخابي، للسماح بفتح أبواب التواقيع بغية الدعوة لاستفتاء حول بقاء مادورو أو إقالته. وإذا قرر المجلس فتح باب التواقيع، فإنه يكون لزاماً على المعارضة جمع أربعة ملايين توقيع خلال ثلاثة أيام، للنجاح بإجراء الاستفتاء، على ألا يصدر المجلس قراره بعد أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، كي يتاح تنظيم الاستفتاء خلال ثلاثة أشهر، وتحديداً قبل 10 يناير/كانون الثاني 2017. وتُعدّ مسألة المواعيد أساسية، فإذا أجري الاستفتاء قبل 10 يناير 2017 وتكلل بالنجاح، كما تتوقع استطلاعات الرأي، تُجرى حينها انتخابات رئاسية جديدة. لكن في حال أجري الاستفتاء بعد 10 يناير، وأُقيل مادورو، فمن الممكن أن يحل محله نائبه أريستوبولو إيستوريز، متابعاً ولايته حتى عام 2019، فتذهب جهود المعارضة سدى. مع العلم أن مكتب "فينيبارومترو" لاستطلاعات الرأي، ذكر في استفتاء أخير أن "64 في المائة من الناخبين سيصوتون ضد مادورو".
من جهته، رأى دييغو مويا - أوكامبوس، الخبير في مكتب "اي.اتش.اس" في لندن، أن "المعارضة تلعب كل أوراقها، وتسعى إلى أن تؤكد أن أكثرية كبيرة من الناس ترغب في التغيير، لكن الحكومة تركز على استراتيجيتها الرامية إلى إضعاف المعنويات وتسريح الموظفين وبث الخوف في النفوس". من المؤكد أن أميركا الجنوبية دخلت عصراً جديداً، يُشبه اهتزازات سبعينات وثمانينات القرن الماضي، قد لا يصل بالضرورة إلى عودة حكم العسكر في بعض دولها، لكنها باتت على مشارف ارتدادات واسعة النطاق، بعد الزلزال البرازيلي.
ما قبل أربعاء إقالة روسيف غير ما بعده، إثر تسارع الأحداث في البرازيل وفنزويلا. في البرازيل، باشر أنصار روسيف احتجاجاتهم، مشتبكين مع قوات الأمن، رفضاً لقرار إقالتها من جهة، ورفضاً لتنصيب اللبناني الأصل ميشال تامر، رئيساً متمماً لولايتها من جهة ثانية. يرى المعترضون، من غير مؤيدي روسيف، أن تامر جزء من منظومة الفساد التي تكشفت في السنتين الأخيرتين، أما أنصار روسيف فيصفون تامر بـ"الخائن" و"المتآمر" الذي انتهز محاسبة مجلس الشيوخ للرئيسة المُقالة، كي يبتعد عنها، جاعلاً نفسه الخلف أو البطل المنتظر، العامل في سبيل تطبيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية، يُرمّم بها الاقتصاد البرازيلي المتداعي.
ومع أن إقالة روسيف أمر داخلي ويخصّ البرازيل، إلا أن تداعياته طاولت دول الجوار. وفي هذا الصدد، لم تكتفِ بوليفيا والإكوادور وفنزويلا، بالتفرّج على ما يجري في الدولة الأكبر في أميركا الجنوبية، بل استدعت سفراءها والقائمين بأعمالها هناك، احتجاجاً على ما اعتبرته "انقلاباً برلمانياً" ضد روسيف. ويُمكن إدراج خطوة كيتو ولاباز في سياق التفاعل مع النظام اليساري الذي حكم البرازيل لحوالي 13 عاماً، أي طيلة عهدي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا "لولا" (2003 ـ 2011) وروسيف (2011 ـ 2016)، أما بالنسبة لكاراكاس فالوضع يمسّها مباشرة.
في بلاد بطل تحرير أميركا الجنوبية، سيمون بوليفار، ينتظر الفنزويليون مآل التظاهرات المتلاحقة لأنصار مادورو وللمعارضة. وقد سعت المعارضة للحشد بقوة الخميس، في العاصمة، للضغط في اتجاه إقالة مادورو، في تظاهرة بعنوان "الحفاظ على كراكاس". ومع أن المعارضة فشلت سابقاً في الضغط الشعبي، لخشية الجمهور من العنف، الذي كلّف سقوط نحو 43 قتيلاً في عام 2014، إلا أنها نجحت في التحشيد بعد تلبية أكثر من مليون شخص دعوة المعارضة للتظاهر في شوارع كاراكاس. في هذا السياق، قال المتحدث باسم ائتلاف "طاولة الوحدة الديمقراطية" (وسط اليمين) خيسوس توريالبا، في تصريح لوكالة "فرانس برس"، إن "ما بين 950 ألف شخص و1.1 مليون شخص شاركوا في تظاهرة الخميس"، مؤكداً أن "هذا أضخم تحرك شعبي يحصل منذ عقود". وأضاف "لقد أظهرنا للعالم أهمية فنزويلا الراغبة بالتغيير. هذه تظاهرة تاريخية. اليوم بدأت الخطوة النهائية في هذا النضال". أما مؤيدو مادورو، فعمدوا بدورهم إلى تنظيم تظاهرة، أيضاً، تحت شعار "الحفاظ على فنزويلا"، خشية من احتمال نجاح المعارضة.
وكما في كل مرة يتعرّض فيها للضغوط، حذّر مادورو من "التدخل الخارجي"، واصفاً ما جرى في البرازيل بأنه "لا يستهدف فقط الرئيسة ديلما روسيف، وإنما أيضاً أميركا اللاتينية والكاريبي". كما قال إن "الانقلاب يستهدف الحركة اليسارية الشعبية التقدمية في المنطقة". سمح مادورو لنفسه بضرب معارضيه وتخوينهم، بعد مطالبة بعضهم منظمة "الدول الأميركية" بالتدخّل لتسهيل تنظيم الاستفتاء، رداً على ما وصفوه بـ"محاباة الهيكلية الدستورية والسياسية الفنزويلية لمادورو".
وهكذا، لم يتردّد الرئيس الفنزويلي في إطلاق يد أجهزة الاستخبارات، التي أوقفت عدداً من رؤساء البلديات، ممّن دعوا للاحتجاجات، حسبما أعلن زعيم المعارضة هنريكي كابريليس. لم يعد سراً محاولة مادورو الاستعانة بالأمن والجيش لقمع معارضيه.
من جهته، رأى دييغو مويا - أوكامبوس، الخبير في مكتب "اي.اتش.اس" في لندن، أن "المعارضة تلعب كل أوراقها، وتسعى إلى أن تؤكد أن أكثرية كبيرة من الناس ترغب في التغيير، لكن الحكومة تركز على استراتيجيتها الرامية إلى إضعاف المعنويات وتسريح الموظفين وبث الخوف في النفوس". من المؤكد أن أميركا الجنوبية دخلت عصراً جديداً، يُشبه اهتزازات سبعينات وثمانينات القرن الماضي، قد لا يصل بالضرورة إلى عودة حكم العسكر في بعض دولها، لكنها باتت على مشارف ارتدادات واسعة النطاق، بعد الزلزال البرازيلي.