على مدار عامين، امتلك المُخرِج (أوليفر ستون Oliver Stone) الوقت للتحدّث وديًا مع فلاديمير بوتين لمدّة 50 ساعة. إن هذا الفيلم الوثائقي الجديد يعود إلى مسار رجل كان على رأس قيادة روسيا منذ بداية الألفية الثالثة. يصوّر هذا الفيلم بوتين وهو يمارس مختلف أنواع الرياضة، من الهوكي إلى الجودو، ويُعرّف المُشاهِد على وجوهه المتعدّدة بوصفه رجلًا سياسيًا مُعقّدًا.
هذا الفيلم الوثائقي يُخرِج المُشاهِد الغربي من إطاره ويجعله يفهم مواقف روسيا إزاء ملفات ساخنة مثل سورية، الأزمة الأوكرانية، أو حتى الحرب الدبلوماسية والاقتصادية مع أميركا.
موقع ليزينروك: كيف خطرت على بالك فكرة إجراء مقابلة مع فلاديمير بوتين؟
أوليفر ستون: جاءتني الفكرة من فيلم Snowden - 2016، وهو آخر فيلم طويل أخرجته، اشتغلت على الفيلم في ألمانيا، وكنت أضطر في كثير من الأوقات إلى التوجّه لموسكو لمقابلة إدوارد سنودن Edward Snowden، وهناك اقترح أحدهم عليّ مقابلة فلاديمير بوتين، ووجدتُ فكرة الحديث عن حالة سنودن معه أمرًا مثيرًا للاهتمام. بدأت مناقشاتنا –التي اتسمت فورًا بالصراحة والانفتاح- مثل تلك التي تُجريها معي. أعرفُ إلى أيّ مدى يكره الأميركيون بوتين، وأظنُ أن ذلك هو ما أمدّني بالفضول لمعرفة ذلك الرجل أكثر قليلًا (ضحكات).
موقع ليزينروك: تُشير منذ بداية فيلمك الوثائقي إلى جهل الغرب بالتاريخ الروسي، فهل كانت هذه الفكرة مهيمنة؟
أوليفر ستون: نعم، يدرس الناس تاريخ روسيا في المدرسة، ولكن كل ذلك يتوقّف عادةً عند نهاية الاتحاد السوفييتي. ثمّة جهل حقيقيّ بسنوات حُكم غورباتشيف، ويلتسن، وبوتين. إن التغطية الإعلامية الأميركية لروسيا هي ذات طبيعة أيديولوجية فقط؛ تاريخ روسيا إذن يُنَحّى جانبًا.
بالنسبة لي، بدأتُ في الذهاب إلى موسكو في الثمانينيات، في ظل حُكم بريجينيف، إذ كنتُ أكتبُ آنذاك سيناريو فيلم عن المنشقّين "المُعارضين" السوفييت، ثم عدتُ إليها في التسعينيات، حيث التقيتُ بـ غورباتشف. إنه بلد يعجبني كثيرًا –بعيدًا عن شخصية بوتين- ولكنّي لا أدّعي أنني خبير به أو من المُطّلعين.
موقع ليزينروك: في رأيك، لماذا وافق فلاديمير بوتين على منحك كل هذا الوقت؟ هل كان يعرف أعمالك؟
أوليفر ستون: اسأله إذن (ضحكات). لأتحدّث بشكل جديّ، أعرفُ أنه كان على دراية بأعمالي، وأنه كان قد شاهد بعض حلقات سلسلة الوثائقيات التي أخرجتها حول التاريخ المخفي والسرّي لأميركا. إنه يتحدّث الألمانية بطلاقة، ولديه حضور مع وسائل الإعلام الجرمانية أكثر من الأنغلوساكسونية. جرت أولى مقابلاتي معه بشكل ناجح، وأظنُ أنه وثق فيّ، وأنا كذلك، ثم سارت الأمور. بمرور الوقت، توطّدت العلاقة وتطوّرت المناقشات بيننا.
موقع ليزينروك: ألم تستخدم بوتين لمساءلة تاريخ الإمبريالية الأميركية؟
أوليفر ستون: تحدّثنا بطبيعة الحال عن أميركا، ولكنه كان حذرًا للغاية بشأن هذا الموضوع، فتناوله بشكل متخصّص ومعقّد للغاية. بدأنا بالحديث عن الناتو (حلف الأطلسي)، ثم عن إعلان أميركا في سنة 2001 عن انسحابها من "مُعاهدة الصواريخ المُضادة للصواريخ الباليستية"، بل وعن الدعم الأميركي لبعض التنظيمات الإرهابية الجهادية في منطقة القوقاز.
ثم تطرّقت مناقشاتنا تدريجيًا إلى أوكرانيا، وسورية، والدور الذي تلعبه أميركا وروسيا فيهما. لدى بوتين رؤية واضحة ومُحدّدة عمّا تكونه أميركا، وعن خلافاتها الداخلية؛ ورغم بعض الاختلافات البديهية بين روسيا وأميركا، فالرجل يعتبر أميركا "شريكًا". هذه هي الكلمة التي يستخدمها في الفيلم.
موقع ليزينروك: هل تعتقد أن خطر التصعيد العسكري لا يزال مُمكنًا اليوم؟
أوليفر ستون: إن انتخاب دونالد ترامب رئيسًا غيّر الأمور بكل تأكيد. ترامب ليس أوباما. ولكني أظنُ أن بوتين رجل يؤيّد فكرة الحوار، على الأقل مع أميركا.
موقع ليزينروك: في فيلمك الوثائقي، يبدو أنك تُشاطر بوتين الرأي في أن هدف أميركا هو تدمير الاقتصاد الروسي؟
أوليفر ستون: سألته عن رأيه في هدف وول ستريت، خاصةً منذ سنوات حُكم يلستن وصعود الأوليغاركية (حُكم القلّة) في روسيا. كان يُمكن أن يكون انفتاح روسيا على اقتصاد السوق أمرًا كارثيًا، وكانت أميركا مُدركة لذلك تمام الإدراك. وليس أدل على ذلك من الذي جرى في أوكرانيا، مثل استيلاء جماعات المافيا المختلفة على السُلطة. أعتقدُ أن بوتين نجح في تحقيق استقرار الاقتصاد الروسي، وحماه من المنزلقات والانحرافات، وحجّم الأوليغاركيين.
موقع ليزينروك: كنت تُجامل بوتين في مواضع كثيرة بشكل مبالغ فيه للحصول على ثقته. فتقول له "روسيا فخورة بكم"، وتُمجّد حصيلته الاقتصادية والسياسية. هل كنت تتبع منهجيّة ما؟
أوليفر ستون: أعتقدُ بأن نبرة المقابلة يجب أن تكون هادئة ووديّة كي يكون النقاش بنّاءً. وهذا لا يمت بصلة لا للمنهجيّة ولا للكياسة.
موقع ليزينروك: كانت لهجة بوتين، أمام كاميراتك، أقل حدةً بشأن المثلية الجنسية، مُقارنةً بالواقع الذي تعيشه الجمعيّات (أيّ المؤيدة لحقوق المثليين). يُفكّر المرء بصفةِ خاصة في الاضطهاد الجماعي الجاري حاليًا للمثليين في الشيشان. هل أنت نادم على عدم الخوض أكثر في هذا الموضوع؟
أوليفر ستون: في الوقت الذي كنّا نصوّر فيه هذه المقابلات، لم يكن الاضطهاد في الشيشان مستفحلًا كما هي الحال اليوم. عندما تُثار مسألة المثلية الجنسية في روسيا، فأنت تكون أمام روسيا بالمعنى الضيّق، بلد لديه أفكار تقليديّة للغاية بشأن هذه المسألة، بل رجعيّة، يجب أن نقرّ بهذه الحقيقة. ولكن لا يجب رَبط ما يقوله بوتين في فيلمي بما يحدث اليوم في الشيشان.
موقع ليزينروك: في الحلقة الرابعة، تقول "أين مُمثلو الرئيسي؟". يخلق ذلك إحساسًا بأنك توجّهه مثل كيفين كوستنر في فيلم JFK. ما هي الحدود بين فيلمك الوثائقي والسينما؟
أوليفر ستون: يحدُث أن تُشبه أفلامي القصص الخيالية (ضحكات). إجابتي على سؤالك هي نعم، لأنه أحيانًا كنتُ أعطي بعض النصائح وأعتبرُ السيد بوتين مُمَثّل هذا الفيلم، وذلك لرغبتي في نجاح هذه المقابلات.
لا يملك بوتين كاريزما كاسترو ولا حتى شافيز. فكاريزماه لا تفرض نفسها بشكل طبيعي وسلِس، كما أن لغته الجسديّة ليست مُبهرة، عيناه صغيرتان للغاية، ويميل إلى الخوض في التفاصيل. وبالتالي كان يجب مُساعدته أحيانًا، توجيهه بشكل ما. ولكني أعتقدُ أنه خبيث بحيث لا يترك نفسه "موَجّهة" بشكل كبير (ضحكات).
موقع ليزينروك: قبل أن يغادر، قال لك بوتين "هل تعرّضت للضرب من قبل؟ لأنك ستُعاني جرّاء ما فعلته معي". فهل تخشى أن تصير منبوذًا في بلدك بعد هذا الفيلم؟ وهل راودك شعور بأن بوتين إنما حاول استعمالك؟
أوليفر ستون: يملك بوتين خبرةً واسعة، وهو يدري جيدًا أن فكرة وضع الرأي والواقع الروسيين في الاعتبار هي أمرٌ ليس مقبولًا ولا حصيفًا، في الغرب، من وجهة نظر إعلامية. ولهذا فقد حرص على تحذيري من ردود الفعل التي سيثيرها هذا الوثائقي، خاصةً في أميركا، وأظنُ أنه يعرف لماذا. أتحمّلُ مسؤولية كل ذلك.
(النص الأصلي)