أوروبا والعجز عن معالجة أزمة الهجرة

21 نوفمبر 2015
يميّز الاتحاد بين الأفارقة وغيرهم (روبرت أتاناسوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -

مرة جديدة يعود قادة الاتحاد الأوروبي لطرح أولويات بلدانهم بعيداً عن احتياجات دول الجوار، في استمرارية للمشكلة الأساسية التي تتجلّى في "التعامل مع دول العالم الثالث". وقد بدا واضحاً هذا الأمر في مقررات القمة الأفريقية ـ الأوروبية، التي انعقدت في فاليتا عاصمة مالطا، الأسبوع الماضي، والتي خُصصت لمناقشة أزمة الهجرة واللجوء، من خلال فرض أجندة الاتحاد الخاصة بما يتلاءم مع مصالحه.

وأفضت خطة العمل المشتركة، التي شارك فيها 63 رئيس دولة من أفريقيا وأوروبا، إلى تعزيز التعاون الأمني بين بلدان المنشأ والعبور. فضلاً عن إغراء أفريقيا بصندوق دعم مالي، مع تخصيص 1.8 مليار يورو، كمبالغ إضافية لمبلغ الـ20 مليار دولار الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي لدعم مناطق الأزمات في أفريقيا، التي يغادر العدد الأكبر من المهاجرين منها إلى أوروبا.

والهدف من هذه البدائل، هو الحدّ من تدفق المهاجرين والمخاطرة بحياتهم عبر تنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية والتنمية، وخلق فرص عمل وصولاً إلى مكافحة شبكات تهريب البشر، وإقامة مراكز استقبال في دول العبور الأفريقية، ومنها مصر وتونس. كما خُصص جزء من المبلغ للتوافق على إعادة استقبال المهاجرين الاقتصاديين إلى أوروبا. مع العلم بأن الأفارقة يطالبون بضمّ المزيد من دولهم إلى صندوق المساعدات الأوروبية.

وفيما يؤخذ على الأوروبيين إكثارهم من الوعود والكلام، بعيداً عن التطبيق العملي لخططهم أو التوصّل إلى نتائج عملية مرضية، يعتبر الخبراء أنهم وعلى الرغم من انقسامهم في الكثير من الأمور، فإنهم متفقون فيما بينهم أمام باقي قادة العالم، كما حصل في قمة مالطا، في التمييز بين المهاجرين من الشرق الأوسط وغيرهم من القارة الأفريقية.

كذلك، فإن المبالغ المقترحة لمساعدة أفريقيا، تُعتبر زهيدة مقارنة مع حاجات القارة السمراء، خصوصاً أن لديها مشاكل أمنية فضلاً عن الجانب التعليمي والتنموي. كما أن المبلغ المقترح يُشكّل خمس المبلغ الذي تُخصصه ألمانيا لاستقبال اللاجئين، بالتالي لن تكون له جدوى إذا وُزّع بين دول الاتحاد.

اقرأ أيضاً: صحيفة Metro البريطانية تحرض ضد اللاجئين السوريين

أمام هذا الواقع، يرى مراقبون أن أوروبا تحاول التعامي عن انقساماتها وتحميل مسؤولية بعض القضايا، لا سيما تلك المتعلقة بأزمة اللاجئين، إلى دول الجوار الأوروبي. وهو ما بدأ أولاً مع تركيا والدول الواقعة على البحر المتوسط، ويتكرر الآن مع أفريقيا.

مع العلم أن الاتحاد الأوروبي تغاضى لسنوات عن مشاكل التنمية، وساهم في دعم أنظمة محددة، ويأتي الآن لمعالجة أزمة الهجرة واللجوء من خارج حدود دوله، بعد أن كان يتحدث عن شراكة مع دول جنوب المتوسط مثلاً، وهمّه الآن تقليص عدد المهاجرين غير الشرعيين فقط، خشية من "تزعزع الاستقرار" وفق تعبيره.

ويبدو واضحاً أن سبب تعطيل الاتفاقيات وعدم سريانها، ومنها المتعلقة بتحسين ظروف العمل والتعليم والقروض الصغيرة والاستثمار من أجل مكافحة أسباب الهجرة، يعود لضآلة المبالغ المقدمة بالمقارنة مع تحويلات المهاجرين إلى بلدانهم.

ومما لا شكّ فيه أن هذا الوضع يُشكّل عائقاً أساسياً في التوصّل إلى اتفاق من أجل استعادة المهاجرين الاقتصاديين، في وقت يفاوض فيه الأوروبيون منفردين وبطريقة سرية، على مصالحهم التجارية والاقتصادية لتوسيع أسواقهم ومتغاضين عن انتهاكات حقوق الإنسان في عدد من الدول الفقيرة.

وعن العلاقة مع تركيا يرى مراقبون أنه لو نجحت المفاوضات مع أنقرة، فهي لن تكون صالحة للتنفيذ في الفترة المقبلة. ولا بد للاتحاد الأوروبي أن يبرهن عن حسن نية في التعامل مع النقاط المطروحة من قبل أنقرة ومنها المتعلقة بالاقتصاد والطاقة والشؤون الخارجية. أما تركيا فتُشدّد دائماً، بأنها لا تريد أن تكون مقراً لاحتجاز اللاجئين، على الرغم من وجود بعض المقترحات بإقامة مراكز تسجيل على الحدود، مع اعتماد مراقبة شديدة والقيام بعملية ترحيل خارج حدود دول الاتحاد.

ولا تزال خطة العمل مدار مباحثات بين الجانبين، ويعتزم الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد عقد قمة مع تركيا، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، من أجل البحث في آلية التعاون بشكل وثيق ولتقاسم الأعباء والتحديات، حسبما ذكرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

كما سيبحث الاتفاق التقديمات الأوروبية لتركيا، التي تنوي ألمانيا تقديم 534 مليون يورو من قيمتها الإجمالية، البالغة ثلاثة مليارات يورو. وهي تأتي ضمن حزمة المعونات التي سيقدمها الاتحاد الأوروبي لمواجهة أزمة اللاجئين. كما يتمّ التداول أيضاً عن توجه أوروبي لعقد لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين والاردنيين للمساعدة أيضاً في هذا المجال.

وكانت انتقادات قد وُجّهت لوزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، عندما شبّه تدفّق اللاجئين إلى ألمانيا بـ"الانهيار الثلجي"، قائلاً: "لا أدري إذا كنا في مرحلة وصل فيها الانهيار الثلجي إلى الوادي أم أنه لا يزال في أعلى القمم". وجاء الردّ من قبل وزير العدل هيكو ماس، الذي نادى بـ"ضرورة تحكيم المنطق حيال هذه القضية، لأن هناك أشخاصاً محتاجين". وكان ردّ صحيفة "شبيغل أونلاين" أكثر حدة، ووصفت خطاب شويبله بـ"خطاب الغوغائيين وكارهي الأجانب".

يُذكر أن السويد قد اتخذت منتصف الأسبوع الماضي، قراراً تمثل بتغيير سياستها تجاه اللاجئين، وهي البلد الذي استقبل على مر السنوات الماضية الآلاف منهم. كما أعلنت أنها ستنظر بوضع القادمين الذين يحق لهم البقاء على أراضيها، علماً أن دائرة الهجرة في استوكهولم، تُقدّر عدد اللاجئين لهذا العام بـ 190 ألفاً.

اقرأ أيضاً: مولنبيك ــ بروكسل... عاصمة أوروبية لـ"جهاديي" العالم

المساهمون