اقرأ أيضاً (التحولات الجيوستراتيجية الناتجة عن "عاصفة الحزم")
انطلقت ردود فعل الدول الأوروبية من تفسيرات وتحليلات مختلفة عكستها صحف ألمانية، خصوصاً حول اتخاذ دول الخليج بقيادة السعودية قرار حربها في اليمن. ويفسر مراقبون دوافع "عاصفة الحزم" بـ"إيجابية" تنطلق من إظهار هوية جديدة للمملكة المعروفة بدبلوماسيتها، وربما أرادت بذلك توجيه رسالة بأن هناك قوة جديدة في الشرق الأوسط، وفي شبه الجزيرة العربية بالذات، كما أنه ليس من الضروري ان تأتي هذه القوة من النصف الغربي من الكرة الأرضية، بعدما باتت إيران في نظر السعوديين "بلد المتاعب بامتياز"، وظنت أنّ من الممكن الإطباق على الخليج بالوصول إلى باب المندب شمالا واستكمالا حتى مضيق هرمز جنوبا، وتبيّن أيضا أنها من يقف وراء الفوضى في صنعاء، وبالتالي أصبح الهمّ السعودي إنقاذ اليمن من دوامة العنف ومن حرب أهلية تلوح في الأفق بعدما استباح الحوثيون البلاد، وأصبحت المواجهة بالوكالة بين السعوديين والإيرانيين، ويشبه إلى حد كبير الوضع القائم في سورية.
في المقابل، فإنّ التحفظ من قبل عدد من الأحزاب والدول الأوروبية إزاء عاصفة الحزم في الأمس، وإعادة الأمل اليوم، نابعان أساساً من الخشية الأمنية إزاء النفوذ المتزايد لتنظيمات "القاعدة" بأجنحتها المتعددة، وهو نفوذ يتغذّى خلال الحروب كتلك الجارية حالياً، بدليل إصرار الولايات المتحدة على استئناف غاراتها الجوية ضد "أهداف" القاعدة في جنوب البلاد بالتزامن مع غارات التحالف العشري، فضلاً عن قيام الأميركيين بسحب المستشارين العسكريين من البلاد مع بداية الهجوم. ولا تتردد صحف أوروبية عديدة في التذكير بأن هجمات باريس الأخيرة (هجوم شارلي إيبدو)، تبيّن أنّ منفّذيها كانا قد تلقّيا التدريبات في العام 2011 في اليمن، وأن هذا التنظيم كانت له محاولات للهجوم على رحلات عبر الأطلسي.
اقرأ أيضاً ("وول ستريت جورنال": السعودية أثبتت قوتها العسكرية بأزمة اليمن)
وتنبع معارضة أوروبية أخرى لاستهداف الحوثيين، من قناعة منتشرة لدى بعض الأوساط الغربية تفيد بأن "أنصار الله" يحاربون "القاعدة"، بالتالي يؤدون دوراً وإن كان غير مباشر في "محاربة الإرهاب".
بادرت كل من فرنسا وبريطانيا الى تأييد "عاصفة الحزم" ، على اعتبار أن عبد ربه منصور هادي هو الرئيس الشرعي لليمن. ويرى مطلعون أنه لا يمكن لتلك الدولتين، نظراً إلى العلاقات السياسية والاقتصادية التي تربطهما بالدول الخليجية إلا الترحيب، وإبداء الامتعاض من التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية، والدليل على ذلك أن الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط زاد بنسبة 5.2 بالمئة في العام 2014 عن العام الذي سبقه لتصل المبالغ المرصودة لشراء الأسلحة إلى 196 مليار دولار، وهاتان الدولتان مع ألمانيا، تعتبران من أهم الدول المصدّرة للسلاح.
وفي السياق، وبعدما كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتين شيفر قد وصفت الهجمات ضدّ الحوثيين بـ"المشروعة وفقاً لقواعد القانون الدولي"، كان لافتاً موقف وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينمير، خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، في منتصف حملة "عاصفة الحزم"، والذي دعا فيه إلى إيجاد "لحظة لاستعادة الأنفاس والتفكير في حلول أخرى خلال مؤتمر دولي يجمع دول المنطقة ويكون الهدف منه إنهاء الصراع العسكري".
من جهتها، طالبت نائبة رئيس البرلمان الألماني، من حزب الخضر، كلاوديا روت الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي بضرورة إطلاق مبادرة دبلوماسية من أجل وقف "التصعيد الدموي في اليمن". وحسب رأي روت، فإن المبادرة تهدف إلى "الضغط على السعودية لإنهاء قصفها لليمن، لأنه أمر غير مقبول أن يكون موقف الاتحاد الأوروبي وألمانيا غير مبال".
وجاء انتقاد نائب حزب الخضر أوميد نوريبور للحكومة الألمانية بقوله: على برلين أن تؤدي دور الوسيط في هذا النزاع، وخصوصاً أنها تتمتع بمكانة لدى صنعاء بفضل التعاون الإنمائي الوثيق.
ويرى مراقبون أنه يمكن أن يكون للدور الأوروبي أهمية في الأزمة اليمنية، من خلال التنسيق ما بين دول مجلس التعاون الخليجي واليمن وإيران للعودة إلى المفاوضات السياسية، وربما استضافة إحدى العواصم الأوروبية حواراً يمنياً ما.
وكانت الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني قد عبرت عند بدء الهجوم عن موقف الاتحاد بقولها: "نفضّل التريث في العمل العسكري والرهان على الحل السياسي للأزمة اليمنية". كذلك شاركت كل من إسبانيا وايطاليا ممثلة الاتحاد الأوروبي الرأي، ونددتا بما سمّتاه "التصرف المباشر". بذلك، تكون دول الاتحاد قد عجزت مرة أخرى عن بلورة موقف موحد في سياستها الخارجية تجاه الأزمات في المنطقة.