حتى اليوم، لا سياسة أوروبية موحّدة للتعامل مع تدفق اللاجئين. وإن كانت بعض الدول قد نادت بتوزيع هؤلاء بصورة عادلة بين دولها، إلا أن اليونان وإيطاليا تواجهان هذا التدفق بصورة أحادية، على الرغم من أزمتهما الاقتصادية. في المقابل، تجد الدول نفسها عاجزة عن منع اللاجئين من الوصول إلى أراضيها، وخصوصاً عبر مقدونيا، في ظل الغليان الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط وغيرها من الدول. قد يبدو الأمر قدر أوروبا، علماً أن الأحزاب اليمينية تحذّر من خطرهم، أقله لناحية الاختلاف الثقافي، الأمر الذي ينعكس على المواطنين أيضاً.
تعيش دول الاتحاد الأوروبي تخبطاً كبيراً في ما يتعلق بأزمة تدفق اللاجئين، مما دفع أحد السياسيين الدنماركيين (من اليمين المتشدد)، وهو مارتين هينركسن، إلى حث الاتحاد الأوروبي على الطلب من الصين استيعاب اللاجئين بدلاً من أوروبا.
من جهتها، تبدو المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قادرة على استشعار الخطر المحدق في ظل غياب استراتيجية أوروبية موحدة للتعامل مع التدفق الكبير للاجئين، وعدم القدرة على ضبط الحدود المقدونية.
لم يعد تدفق اللاجئين مجرد أزمة، حتى أن خبراء في هذا المجال باتوا يصفون الأمر بـ "الكارثة الكبرى". وعلى الرغم من تحذيرهم على مدى السنوات الماضية من أن غياب الحل في سورية سيؤدي إلى هذه النتيجة، يبدو أنه ليس هناك عمل جدي لإيجاد حلول حتى الآن.
في هذا السياق، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في أغسطس/آب الماضي، عن وصول أكثر من 107 آلاف مهاجر ولاجئ إلى أوروبا منذ مطلع العام الجاري، مشيرة إلى زيادة في عدد الوافدين إلى اليونان، التي تعاني أصلاً من أزمة اقتصادية خانقة، بالإضافة إلى إيطاليا. وأضافت أن غالبية هؤلاء يأتون من دول أفريقية بالإضافة إلى سورية وفلسطين، بينهم أطفال ونساء حوامل. وأكدت أنها تعمل على تكثيف عملها في اليونان وجنوب إيطاليا بعدما ازدادت نسبة المهاجرين إلى أوروبا بنسبة 175 في المائة مقارنة مع العام الماضي.
ويصطدم الاتحاد الأوروبي، الذي فكر في وقت سابق باعتراض المراكب وتدميرها قبل استخدامها من قبل المهربين في ليبيا، بالقانون الدولي الذي يحظر التوجه إلى المياه الإقليمية الليبية، أو توقيف سفينة ترفع علماً من دون تفويض دولي، مع الإشارة إلى أن الأمم المتحدة رفضت إعطاء التفويض.
ويقول المؤرخ الألماني يوخين أولتمر، وهو أستاذ التاريخ في معهد أبحاث الهجرة والدراسات العابرة للثقافات في جامعة أوسنابروك، إن النقاشات التي ترتبط بمسألة الهجرة "تتسم بتجاهل التاريخ. بالعودة إلى تسعينيات القرن الماضي، نجد أن الهجرة كانت أكبر مما هي عليه اليوم. وبين عامي 2006 و2009، تراجعت معدلات الهجرة، مما يعني أن المؤشر يتأرجح. لذلك، لا يجب النظر للأمر الآن وكأن العالم ينهار لأن عدد اللاجئين يزداد".
إيطاليا: غضب من الامتيازات
ارتفع عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا منذ مطلع العام الحالي إلى أكثر من 50 ألفاً، علماً بأن البحرية البريطانية أنقذت نحو 500 مهاجر كانوا على متن زوارق قبالة السواحل الإيطالية في منتصف أغسطس/آب الماضي. أيضاً، تمكنت البحرية الإيطالية من إنقاذ 1200 مهاجر قبالة السواحل الليبية، بعد نداءات استغاثة من 18 زورقاً. في الوقت نفسه، أنقذت سفينة حربية إيطالية نحو 430 مهاجراً كانوا على متن زوارق مطاطية انطلقت من السواحل الليبية.
تعاني إيطاليا من أزمة اقتصادية، وتؤكد جميع الإحصائيات والتقارير أن الأزمة المالية في الدولة الأوروبية تسببت في إفقار 1.4 مليون إيطالي، ليصل الرقم إلى 4.81 ملايين نسمة عام 2014، مما يعني أن نحو 8% من سكان إيطاليا يجاهدون للحصول على كفايتهم من الغذاء وتأمين سكن وغيرها.
وتحاول حكومة ماتيو رينزي العمل مع دول الاتحاد الأوروبي لإيجاد حل لأزمة المهاجرين. وأخيراً، بدأت تتعالى الأصوات التي تتهم الحكومة بمنح المهاجرين امتيازات أكثر من تلك التي يحصل عليها المواطن الإيطالي. أمر يستغله الحزب اليميني، "رابطة الشمال"، الذي يترأسه، ماتيو سالفيني، حتى جعل برنامج حزبه محاربة المهاجرين والأجانب.
مع ذلك، تقوم البحرية الإيطالية بجهد كبير لإنقاذ المهاجرين ومراقبة سواحلها. حتى أنها تلبّي نداءات الاستغاثة من قوارب المهاجرين، وتُقدم الخدمات الأولية لهم من إسعافات أولية وتوفير سكن وطعام وفحص طبي قبل أن يستقلوا حافلات تنقلهم إلى ملاجئ في صقلية، علماً بأن معظمهم يتابعون طريقهم إلى دول الشمال الغنية التي توفّر لهم ميزات أكثر.
اليونان ومقدونيا: بوابتا عبور
تضاعف عدد المهاجرين الواصلين إلى اليونان التي ترزح تحت ثقل ديونها بمعدل ست مرات منذ بداية عام 2015، بحسب المتحدثة باسم المفوضية السامية للاجئين، ميليسا فليمينغ. وتوضح أن معدل الواصلين بحراً انطلاقاً من تركيا خلال الأسابيع الأخيرة، بلغ نحو 600 شخص يومياً. تضيف أنه خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2015، وصل أكثر من 42 ألف شخص عبر البحر إلى اليونان في مقابل 6500 شخص في الفترة ذاتها من عام 2014 . وتشير إلى أن أكثر من 90 في المائة من الواصلين إلى اليونان يتحدرون من سورية (أكثر من 60 في المائة خلال العام الجاري) وأفغانستان والعراق والصومال وأريتريا. وطالبت المفوضية الاتحاد الأوروبي ووكالات الإغاثة بتكثيف دعمها لليونان لمواجهة التدفق الكبير للاجئين.
أخيراً، باتت مقدونيا بوابة العبور إلى أوروبا، على الرغم من إطلاق النار والغازات المسيلة للدموع لوقف دخول آلاف السوريين إلى صربيا ودول أخرى. وفي 24 أغسطس/آب الماضي، أعلنت فليمينغ أنه يتوقع عبور نحو 3000 شخص يومياً إلى مقدونيا خلال الأشهر المقبلة، وفي مقدمتهم سوريون فارون من الحرب في بلادهم والدول المجاورة. وهي أرقام قابلة للزيادة في ظل توقف السلطات المقدونية، بعد انتقادات الأمم المتحدة، عن استخدام أساليب قمعية لمنع عبور اللاجئين عبر حدودها البرية جنوباً.
وطالبت دول الاتحاد الأوروبي، والبالغ عددها 28 دولة، بضمان "توزيع عادل" لطالبي اللجوء، مشيرة إلى أننا "نؤمن بقدرة أوروبا على القيام بهذا الأمر في حال اتخذت الإجراءات الصحيحة". إلا أن دولاً كثيرة تتهرّب من تحمّل مسؤولياتها في هذا الاتجاه.
ألمانيا: المهاجرون رافعة اقتصادية
إلى جانب الولايات المتحدة، تجذب ألمانيا المهاجرين، علماً بأنها تحتل المرتبة الأولى لناحية استقبال المهاجرين، تليها السويد. وبحسب الإحصائيات الجديدة، فإن عدد المهاجرين في ألمانيا تجاوز العشرة ملايين، وهذه أعلى نسبة في البلاد منذ عام 2005. وأعلن المكتب الألماني للإحصائيات أن عدد المهاجرين في ألمانيا وصل عام 2014 إلى نحو 10.9 ملايين من أصل 81 مليون مواطن، أي بزيادة بلغت 10.6في المائة عن عام 2011.
وعزا المكتب هذه الزيادة إلى ارتفاع عدد الأشخاص القادمين من بقية دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بولندا ورومانيا وإيطاليا وبلغاريا والمجر. ومن خارج بلدان الاتحاد الأوروبي، حلت الصين وسورية والهند في طليعة الدول التي يأتي منها المهاجرون.
وعادة ما يختار هؤلاء ألمانيا كونها تتمتع باستقرار اقتصادي. إلا أن هذا التدفق الكبير أدى إلى حصول احتكاكات بين الألمان والمهاجرين الجدد، وخصوصاً في شرق ألمانيا. ومنذ مطلع العام الحالي وحتى يونيو/حزيران، سجلت البلاد أكثر من مائتي حادثة عنف استهدفت مساكن مهاجرين، ناهيك عن محاربتهم من قبل بعض الأحزاب، علماً بأن ميركل تحاول العمل على دمجهم، إيماناً منها بأن هؤلاء يشكلون رافعة اقتصادية للاقتصاد الألماني مستقبلاً.
هولندا تطالب بتدابير علاجية
أعلنت السلطات الهولندية أن عدد المهاجرين الذين وصلوا البلاد خلال العام الجاري، لتقديم طلبات لجوء، وصل إلى نحو 27 ألفاً. وأشار مستشار وزارة العدل وأمن الدولة، كلاس ديجكوف، إلى أن نحو 1700 مهاجر يتقدمون بطلبات لجوء أسبوعياً، موضحاً أن عدد المهاجرين الذين وصلوا البلاد خلال العام الجاري، بلغ نحو 27 ألف شخص. وأوضح أن عدد اللاجئين خلال هذه الفترة، بلغ أعلى مستوياته خلال السنوات الأخيرة، مبيناً أن معظم طالبي اللجوء يحملون الجنسية الإريتيرية والسورية. ودعا إلى اتخاذ تدابير لمعالجة أزمة ارتفاع طلبات اللجوء، مبيناً أن عدد العاملين في دائرة الهجرة والأجانب قد زاد أيضاً لمواكبة هذا التدفق.
هولندا، التي تعيش فيها جالية مغربية كبيرة، لا تخلو من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تحارب وجود الأجانب. على سبيل المثال، يتبنى "حزب الحرية" بزعامة خيرت فيلدرز خطاباً يعتبره المهاجرون وعدد من الأحزاب متطرفاً. وكان قد أعلن في مارس/آذار الماضي أنه سيعمل على تقليص عدد المغاربة في البلاد.
السويد أكثر تقبلاً
وفقاً للإحصائيات، التي نشرها مجلس الهجرة السويدي، كثرت طلبات اللجوء من سورية وأريتيريا والصومال وأفغانستان.
وعام 2014، تلقى المجلس 81301 طلب لجوء. وبلغ عدد طلبات اللجوء للقادمين من البلدان العربية 53843 طلباً، منها 30583 طلباً للسوريين (بنسبة 38%). وفي العام نفسه، اتخذ المجلس 53503 قرارات، وقبل 58 بالمائة من الطلبات، ورفض 18 بالمائة منها. وبلغ متوسط فترة دراسة الطلب واتخاذ القرار 142 يوماً.
وفي ما يخص السوريين، كان هناك 18204 قرارات (أي ما يعادل 34 بالمائة من المجموع الكلي للقرارات المتخذة)، ووافق المجلس على 16386 طلباً. وطبقت اتفاقية دبلن (إعادة المهاجر إلى البلد الأوروبي الأول الذي قدم منه) في 1259 قراراً (7 بالمائة). ولم يتجاوز معدل دراسة طلبات السوريين واتخاذ القرار 115 يوماً.
اقرأ أيضاً: متطرفون يلاحقون اللاجئين السوريين في الدنمارك
في النصف الأول من العام الجاري، تلقى مجلس الهجرة 28967 طلبَ لجوءٍ لأشخاص من بلدان العالم المختلفة، وكانت النسبة الأكبر منها للسوريين حيث بلغت 7437 طلباً (26 بالمائة). وفي الفترة نفسها، اتخذ المجلس 26163 قراراً في طلبات اللجوء، 53 بالمائة كانت بالموافقة، و26 بالمائة رفضت. وفي ما يتعلق بالسوريين، كان هناك 8358 قراراً (أي ما يعادل 32 بالمائة من المجموع الكلي للقرارات المتخذة)، وقد وافق المجلس على 7414 طلباً (أي بنسبة 89 بالمائة)، في حين رفض 24 طلباً فقط. وطبقت اتفاقية دبلن على 655 طلباً (8 بالمائة). وبلغ معدل دراسة الطلبات والبت فيها 229 يوماً.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، كان 57 بالمائة من مقدمي طلبات اللجوء المقدمة في السويد يتحدرون من بلدان عربية (53 بالمائة منهم من سورية، و47 بالمائة من الدول العربية الـ 21 الأخرى).
الدنمارك: "ابتعدوا عن حدودنا"
لا يتجاوز عدد اللاجئين الذين استقبلتهم الدنمارك منذ مطلع العام الحالي وحتى يوليو/تموز الماضي، أي بعيد الانتخابات العامة بشهر، الـ 5174 طلبَ لجوء. ويعدّ هذا الرقم منخفضاً بالمقارنة مع عام 2014. ووفقاً لتقرير صادر عن مصلحة الهجرة ودائرة الأجانب في الدنمارك، فإن عدد طلبات اللجوء بلغ عام 2014 نحو 14800، علماً بأنها شدّدت الإجراءات المتعلقة بلم شمل الأسرة، الأمر الذي يسعى إليه اللاجئون الذين يأتون بمفردهم. وتحاول البلاد جعل اللاجئين "يبتعدون عن حدودنا"، كما قال حزب الشعب الدنماركي اليميني.
ومع وصول أقلية يمينية إلى الحكومة، ووصول سياسيين متشددين، على غرار وزيرة الأجانب والدمج، إنغا ستويبرغ، بدأت كوبنهاغن تخطو خطوات نحو التضييق والتشديد على اللاجئين وطالبي اللجوء، بهدف جعل البلاد "أقل جذباً".
اقرأ أيضاً: نفق الوصول الصعب إلى بريطانيا
إلى ذلك، أعلنت السلطات النرويجية عن إمكانية استقبال آلاف المهاجرين السوريين من طالبي اللجوء بحلول عام 2017، بموجب اتفاق وقع في يونيو/حزيران الماضي، بحسب صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية. وأشارت إلى أن هذه الخطوة تأتي استجابة لدعوات الأمم المتحدة لاستيعاب 8000 لاجئ سوري بحلول عام 2017.
وهذه الخطوة جاءت على خلفية اتفاق وقع بين النرويج والأمم المتحدة، ونص على أن تستضيف الدول الإسكندنافية (النرويج، السويد، الدنمارك، فنلندا) ألفي لاجئ سوري هذا العام، وثلاثة آلاف بحلول عام 2016، وصولاً إلى ثمانية آلاف سوري عام 2017، وفقا للمندوب السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة.
وينص الاتفاق أيضاً على منح هذه الدول حزمة مالية لتشجيعها على قبول المزيد من اللاجئين، علماً بأن أكثر من خمسة آلاف مهاجر من الذين حصلوا على تصريح إقامة ما زالوا يقيمون في ملاجئ في انتظار تسليمهم منازل. وكان المفوض السامي للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد دعا المجتمع الدولي لاستضافة اللاجئين السوريين.
"نفق الموت" بين فرنسا وبريطانيا
جازف مهاجرون غير شرعيين بحياتهم للعبور من فرنسا إلى بريطانيا عبر نفق بحر المانش، الذي يصل بين البلدين، حيث تتفاقم مشكلة المهاجرين في مدينة كاليه الفرنسية الساحلية. وفقد 9 أشخاص حياتهم لدى محاولتهم اجتياز النفق الذي تمر فيه السيارات والقطارات منذ يونيو/حزيران الماضي، وبرزت القضية إلى الواجهة مجدداً بعد مقتل مهاجر من أصل سوداني لدى محاولة نحو 2000 مهاجر اقتحام نفق المانش.
ووقع وزير الداخلية الفرنسي، برنار كازنوف، ونظيرته البريطانية، تيريزا ماي، اتفاق تعاون في 20 أغسطس/آب عام 2015 بهدف مواجهة أزمة المهاجرين غير الشرعيين في كاليه. الاتفاق نص على بناء منشأة ثانية قرب مدخل نفق المانش لتقليص عدد محاولات المهاجرين الليلية التسلل إلى بريطانيا.
اقرأ أيضاً: هنغاريا العقبة الأصعب في رحلة المهاجرين السوريين إلى أوروبا
لم يعد تدفق اللاجئين مجرد أزمة، حتى أن خبراء في هذا المجال باتوا يصفون الأمر بـ "الكارثة الكبرى". وعلى الرغم من تحذيرهم على مدى السنوات الماضية من أن غياب الحل في سورية سيؤدي إلى هذه النتيجة، يبدو أنه ليس هناك عمل جدي لإيجاد حلول حتى الآن.
في هذا السياق، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في أغسطس/آب الماضي، عن وصول أكثر من 107 آلاف مهاجر ولاجئ إلى أوروبا منذ مطلع العام الجاري، مشيرة إلى زيادة في عدد الوافدين إلى اليونان، التي تعاني أصلاً من أزمة اقتصادية خانقة، بالإضافة إلى إيطاليا. وأضافت أن غالبية هؤلاء يأتون من دول أفريقية بالإضافة إلى سورية وفلسطين، بينهم أطفال ونساء حوامل. وأكدت أنها تعمل على تكثيف عملها في اليونان وجنوب إيطاليا بعدما ازدادت نسبة المهاجرين إلى أوروبا بنسبة 175 في المائة مقارنة مع العام الماضي.
ويصطدم الاتحاد الأوروبي، الذي فكر في وقت سابق باعتراض المراكب وتدميرها قبل استخدامها من قبل المهربين في ليبيا، بالقانون الدولي الذي يحظر التوجه إلى المياه الإقليمية الليبية، أو توقيف سفينة ترفع علماً من دون تفويض دولي، مع الإشارة إلى أن الأمم المتحدة رفضت إعطاء التفويض.
ويقول المؤرخ الألماني يوخين أولتمر، وهو أستاذ التاريخ في معهد أبحاث الهجرة والدراسات العابرة للثقافات في جامعة أوسنابروك، إن النقاشات التي ترتبط بمسألة الهجرة "تتسم بتجاهل التاريخ. بالعودة إلى تسعينيات القرن الماضي، نجد أن الهجرة كانت أكبر مما هي عليه اليوم. وبين عامي 2006 و2009، تراجعت معدلات الهجرة، مما يعني أن المؤشر يتأرجح. لذلك، لا يجب النظر للأمر الآن وكأن العالم ينهار لأن عدد اللاجئين يزداد".
إيطاليا: غضب من الامتيازات
ارتفع عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا منذ مطلع العام الحالي إلى أكثر من 50 ألفاً، علماً بأن البحرية البريطانية أنقذت نحو 500 مهاجر كانوا على متن زوارق قبالة السواحل الإيطالية في منتصف أغسطس/آب الماضي. أيضاً، تمكنت البحرية الإيطالية من إنقاذ 1200 مهاجر قبالة السواحل الليبية، بعد نداءات استغاثة من 18 زورقاً. في الوقت نفسه، أنقذت سفينة حربية إيطالية نحو 430 مهاجراً كانوا على متن زوارق مطاطية انطلقت من السواحل الليبية.
تعاني إيطاليا من أزمة اقتصادية، وتؤكد جميع الإحصائيات والتقارير أن الأزمة المالية في الدولة الأوروبية تسببت في إفقار 1.4 مليون إيطالي، ليصل الرقم إلى 4.81 ملايين نسمة عام 2014، مما يعني أن نحو 8% من سكان إيطاليا يجاهدون للحصول على كفايتهم من الغذاء وتأمين سكن وغيرها.
وتحاول حكومة ماتيو رينزي العمل مع دول الاتحاد الأوروبي لإيجاد حل لأزمة المهاجرين. وأخيراً، بدأت تتعالى الأصوات التي تتهم الحكومة بمنح المهاجرين امتيازات أكثر من تلك التي يحصل عليها المواطن الإيطالي. أمر يستغله الحزب اليميني، "رابطة الشمال"، الذي يترأسه، ماتيو سالفيني، حتى جعل برنامج حزبه محاربة المهاجرين والأجانب.
مع ذلك، تقوم البحرية الإيطالية بجهد كبير لإنقاذ المهاجرين ومراقبة سواحلها. حتى أنها تلبّي نداءات الاستغاثة من قوارب المهاجرين، وتُقدم الخدمات الأولية لهم من إسعافات أولية وتوفير سكن وطعام وفحص طبي قبل أن يستقلوا حافلات تنقلهم إلى ملاجئ في صقلية، علماً بأن معظمهم يتابعون طريقهم إلى دول الشمال الغنية التي توفّر لهم ميزات أكثر.
اليونان ومقدونيا: بوابتا عبور
تضاعف عدد المهاجرين الواصلين إلى اليونان التي ترزح تحت ثقل ديونها بمعدل ست مرات منذ بداية عام 2015، بحسب المتحدثة باسم المفوضية السامية للاجئين، ميليسا فليمينغ. وتوضح أن معدل الواصلين بحراً انطلاقاً من تركيا خلال الأسابيع الأخيرة، بلغ نحو 600 شخص يومياً. تضيف أنه خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2015، وصل أكثر من 42 ألف شخص عبر البحر إلى اليونان في مقابل 6500 شخص في الفترة ذاتها من عام 2014 . وتشير إلى أن أكثر من 90 في المائة من الواصلين إلى اليونان يتحدرون من سورية (أكثر من 60 في المائة خلال العام الجاري) وأفغانستان والعراق والصومال وأريتريا. وطالبت المفوضية الاتحاد الأوروبي ووكالات الإغاثة بتكثيف دعمها لليونان لمواجهة التدفق الكبير للاجئين.
أخيراً، باتت مقدونيا بوابة العبور إلى أوروبا، على الرغم من إطلاق النار والغازات المسيلة للدموع لوقف دخول آلاف السوريين إلى صربيا ودول أخرى. وفي 24 أغسطس/آب الماضي، أعلنت فليمينغ أنه يتوقع عبور نحو 3000 شخص يومياً إلى مقدونيا خلال الأشهر المقبلة، وفي مقدمتهم سوريون فارون من الحرب في بلادهم والدول المجاورة. وهي أرقام قابلة للزيادة في ظل توقف السلطات المقدونية، بعد انتقادات الأمم المتحدة، عن استخدام أساليب قمعية لمنع عبور اللاجئين عبر حدودها البرية جنوباً.
وطالبت دول الاتحاد الأوروبي، والبالغ عددها 28 دولة، بضمان "توزيع عادل" لطالبي اللجوء، مشيرة إلى أننا "نؤمن بقدرة أوروبا على القيام بهذا الأمر في حال اتخذت الإجراءات الصحيحة". إلا أن دولاً كثيرة تتهرّب من تحمّل مسؤولياتها في هذا الاتجاه.
ألمانيا: المهاجرون رافعة اقتصادية
إلى جانب الولايات المتحدة، تجذب ألمانيا المهاجرين، علماً بأنها تحتل المرتبة الأولى لناحية استقبال المهاجرين، تليها السويد. وبحسب الإحصائيات الجديدة، فإن عدد المهاجرين في ألمانيا تجاوز العشرة ملايين، وهذه أعلى نسبة في البلاد منذ عام 2005. وأعلن المكتب الألماني للإحصائيات أن عدد المهاجرين في ألمانيا وصل عام 2014 إلى نحو 10.9 ملايين من أصل 81 مليون مواطن، أي بزيادة بلغت 10.6في المائة عن عام 2011.
وعزا المكتب هذه الزيادة إلى ارتفاع عدد الأشخاص القادمين من بقية دول الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بولندا ورومانيا وإيطاليا وبلغاريا والمجر. ومن خارج بلدان الاتحاد الأوروبي، حلت الصين وسورية والهند في طليعة الدول التي يأتي منها المهاجرون.
وعادة ما يختار هؤلاء ألمانيا كونها تتمتع باستقرار اقتصادي. إلا أن هذا التدفق الكبير أدى إلى حصول احتكاكات بين الألمان والمهاجرين الجدد، وخصوصاً في شرق ألمانيا. ومنذ مطلع العام الحالي وحتى يونيو/حزيران، سجلت البلاد أكثر من مائتي حادثة عنف استهدفت مساكن مهاجرين، ناهيك عن محاربتهم من قبل بعض الأحزاب، علماً بأن ميركل تحاول العمل على دمجهم، إيماناً منها بأن هؤلاء يشكلون رافعة اقتصادية للاقتصاد الألماني مستقبلاً.
هولندا تطالب بتدابير علاجية
أعلنت السلطات الهولندية أن عدد المهاجرين الذين وصلوا البلاد خلال العام الجاري، لتقديم طلبات لجوء، وصل إلى نحو 27 ألفاً. وأشار مستشار وزارة العدل وأمن الدولة، كلاس ديجكوف، إلى أن نحو 1700 مهاجر يتقدمون بطلبات لجوء أسبوعياً، موضحاً أن عدد المهاجرين الذين وصلوا البلاد خلال العام الجاري، بلغ نحو 27 ألف شخص. وأوضح أن عدد اللاجئين خلال هذه الفترة، بلغ أعلى مستوياته خلال السنوات الأخيرة، مبيناً أن معظم طالبي اللجوء يحملون الجنسية الإريتيرية والسورية. ودعا إلى اتخاذ تدابير لمعالجة أزمة ارتفاع طلبات اللجوء، مبيناً أن عدد العاملين في دائرة الهجرة والأجانب قد زاد أيضاً لمواكبة هذا التدفق.
هولندا، التي تعيش فيها جالية مغربية كبيرة، لا تخلو من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تحارب وجود الأجانب. على سبيل المثال، يتبنى "حزب الحرية" بزعامة خيرت فيلدرز خطاباً يعتبره المهاجرون وعدد من الأحزاب متطرفاً. وكان قد أعلن في مارس/آذار الماضي أنه سيعمل على تقليص عدد المغاربة في البلاد.
السويد أكثر تقبلاً
وفقاً للإحصائيات، التي نشرها مجلس الهجرة السويدي، كثرت طلبات اللجوء من سورية وأريتيريا والصومال وأفغانستان.
وعام 2014، تلقى المجلس 81301 طلب لجوء. وبلغ عدد طلبات اللجوء للقادمين من البلدان العربية 53843 طلباً، منها 30583 طلباً للسوريين (بنسبة 38%). وفي العام نفسه، اتخذ المجلس 53503 قرارات، وقبل 58 بالمائة من الطلبات، ورفض 18 بالمائة منها. وبلغ متوسط فترة دراسة الطلب واتخاذ القرار 142 يوماً.
وفي ما يخص السوريين، كان هناك 18204 قرارات (أي ما يعادل 34 بالمائة من المجموع الكلي للقرارات المتخذة)، ووافق المجلس على 16386 طلباً. وطبقت اتفاقية دبلن (إعادة المهاجر إلى البلد الأوروبي الأول الذي قدم منه) في 1259 قراراً (7 بالمائة). ولم يتجاوز معدل دراسة طلبات السوريين واتخاذ القرار 115 يوماً.
اقرأ أيضاً: متطرفون يلاحقون اللاجئين السوريين في الدنمارك
في النصف الأول من العام الجاري، تلقى مجلس الهجرة 28967 طلبَ لجوءٍ لأشخاص من بلدان العالم المختلفة، وكانت النسبة الأكبر منها للسوريين حيث بلغت 7437 طلباً (26 بالمائة). وفي الفترة نفسها، اتخذ المجلس 26163 قراراً في طلبات اللجوء، 53 بالمائة كانت بالموافقة، و26 بالمائة رفضت. وفي ما يتعلق بالسوريين، كان هناك 8358 قراراً (أي ما يعادل 32 بالمائة من المجموع الكلي للقرارات المتخذة)، وقد وافق المجلس على 7414 طلباً (أي بنسبة 89 بالمائة)، في حين رفض 24 طلباً فقط. وطبقت اتفاقية دبلن على 655 طلباً (8 بالمائة). وبلغ معدل دراسة الطلبات والبت فيها 229 يوماً.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال السنوات الثلاث الماضية فقط، كان 57 بالمائة من مقدمي طلبات اللجوء المقدمة في السويد يتحدرون من بلدان عربية (53 بالمائة منهم من سورية، و47 بالمائة من الدول العربية الـ 21 الأخرى).
الدنمارك: "ابتعدوا عن حدودنا"
لا يتجاوز عدد اللاجئين الذين استقبلتهم الدنمارك منذ مطلع العام الحالي وحتى يوليو/تموز الماضي، أي بعيد الانتخابات العامة بشهر، الـ 5174 طلبَ لجوء. ويعدّ هذا الرقم منخفضاً بالمقارنة مع عام 2014. ووفقاً لتقرير صادر عن مصلحة الهجرة ودائرة الأجانب في الدنمارك، فإن عدد طلبات اللجوء بلغ عام 2014 نحو 14800، علماً بأنها شدّدت الإجراءات المتعلقة بلم شمل الأسرة، الأمر الذي يسعى إليه اللاجئون الذين يأتون بمفردهم. وتحاول البلاد جعل اللاجئين "يبتعدون عن حدودنا"، كما قال حزب الشعب الدنماركي اليميني.
ومع وصول أقلية يمينية إلى الحكومة، ووصول سياسيين متشددين، على غرار وزيرة الأجانب والدمج، إنغا ستويبرغ، بدأت كوبنهاغن تخطو خطوات نحو التضييق والتشديد على اللاجئين وطالبي اللجوء، بهدف جعل البلاد "أقل جذباً".
اقرأ أيضاً: نفق الوصول الصعب إلى بريطانيا
إلى ذلك، أعلنت السلطات النرويجية عن إمكانية استقبال آلاف المهاجرين السوريين من طالبي اللجوء بحلول عام 2017، بموجب اتفاق وقع في يونيو/حزيران الماضي، بحسب صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية. وأشارت إلى أن هذه الخطوة تأتي استجابة لدعوات الأمم المتحدة لاستيعاب 8000 لاجئ سوري بحلول عام 2017.
وهذه الخطوة جاءت على خلفية اتفاق وقع بين النرويج والأمم المتحدة، ونص على أن تستضيف الدول الإسكندنافية (النرويج، السويد، الدنمارك، فنلندا) ألفي لاجئ سوري هذا العام، وثلاثة آلاف بحلول عام 2016، وصولاً إلى ثمانية آلاف سوري عام 2017، وفقا للمندوب السامي لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة.
وينص الاتفاق أيضاً على منح هذه الدول حزمة مالية لتشجيعها على قبول المزيد من اللاجئين، علماً بأن أكثر من خمسة آلاف مهاجر من الذين حصلوا على تصريح إقامة ما زالوا يقيمون في ملاجئ في انتظار تسليمهم منازل. وكان المفوض السامي للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد دعا المجتمع الدولي لاستضافة اللاجئين السوريين.
"نفق الموت" بين فرنسا وبريطانيا
جازف مهاجرون غير شرعيين بحياتهم للعبور من فرنسا إلى بريطانيا عبر نفق بحر المانش، الذي يصل بين البلدين، حيث تتفاقم مشكلة المهاجرين في مدينة كاليه الفرنسية الساحلية. وفقد 9 أشخاص حياتهم لدى محاولتهم اجتياز النفق الذي تمر فيه السيارات والقطارات منذ يونيو/حزيران الماضي، وبرزت القضية إلى الواجهة مجدداً بعد مقتل مهاجر من أصل سوداني لدى محاولة نحو 2000 مهاجر اقتحام نفق المانش.
ووقع وزير الداخلية الفرنسي، برنار كازنوف، ونظيرته البريطانية، تيريزا ماي، اتفاق تعاون في 20 أغسطس/آب عام 2015 بهدف مواجهة أزمة المهاجرين غير الشرعيين في كاليه. الاتفاق نص على بناء منشأة ثانية قرب مدخل نفق المانش لتقليص عدد محاولات المهاجرين الليلية التسلل إلى بريطانيا.
اقرأ أيضاً: هنغاريا العقبة الأصعب في رحلة المهاجرين السوريين إلى أوروبا