وتلقى تلك المطالب بالإزالة معارضة بحجة أنها "جزء من التاريخ والثقافة الوطنية". وفي هذا السياق جاء إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء الأحد، بأنه لن يقبل مكافحة العنصرية من خلال "إعادة كتابة التاريخ بشكل بغيض".
ماكرون كان واضحاً بقوله "سأوضح الأمر الليلة: لن تزيل الجمهورية (الفرنسية) أي اسم من تاريخها، ولن تنسى الأعمال الفنية، لن تتم إزالة تماثيل".
فإذا كانت بوسطن وريتشموند الأميركيتان شهدتا تخريب وقطع رأس تمثال المستكشف كريستوفر كولمبوس، حيث اعتبر بعض الأميركيين أنه، إلى جانب تمثال روبرت إي لي، يمثل "ذكريات عن الاستعمار والعبودية"، فإن مدناً أوروبية، شهدت مطالب بإزالة تماثيل وأسماء شوارع لأشخاص ارتبطوا بماض استعماري وبتجارة العبيد.
ففي بريطانيا قام المحتجون في بريستول بإزالة تمثال تاجر الرقيق إدوارد كولستون، برميه في النهر، قبل أن تعود السلطات لانتشاله. واضطرت السلطات في لندن إلى إحاطة تمثال وينستون تشرشل بحماية تقيه غضب المتظاهرين.
هولندا أيضاً تشهد سجالاً ساخناً حول ما يسمى "سانتا كلوز سينتركلاس" وخادمه العبد "بييت الأسود" Zwarte Piet، بمهرجان سنوي يعيد في زمن أعياد الميلاد النقاشات والتظاهرات المطالبة بإلغاء هذه الطقوس، على اعتبار أنّ فيها تذكيراً بازدراء السود، وخصوصاً حين يرتدي مواطنون ثياب الطفل الخادم بييت، ويلونون وجوههم بالأسود.
وأخيراً، صرح رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، بأنه لن يدعم مستقبلاً "التقاليد التمييزية" بطلاء الوجوه باللون الأسود.
فرز عرقي
أما بلجيكا فاندلع فيها سجال حول دور ملك بلجيكا ليوبولد الثاني في الاستعمار ومقتل ملايين الأفارقة، وتعرض تمثاله للتلطيخ كونه بالنسبة لبعض الشباب البلجيكي، جزءاً من "تاريخ مخجل" لبلدهم، وهو الذي ارتبط اسمه بمقتل حوالي 10 ملايين من الكونغوليين بين 1885 و1908 حين كان يعتبر الكونغو ملكاً شخصياً له.
في الدنمارك وتحديداً العاصمة كوبنهاغن، وعلى الرغم من تشديد سياسيين ومشرعين دنماركيين على أنّ قصة "حياة السود مهمة" لا تمس بلدهم لأنه "لا يوجد عنصرية بحق السود"، كما يحاجج معسكر المحافظين واليمين المتشدد، فإنّ انقساماً ملحوظاً طرحه سجال "إزالة أسماء وتماثيل من ارتبطوا بماض استعماري وتجارة الرق".
— The Educator (@TheEduc8rr) June 14, 2020
|
ولعلّ ما يحدث في الدنمارك مثير للاهتمام، لأنه أخذ صبغة نقاش هو الأوسع منذ عقود حول ماضي هذا البلد الاسكندنافي.
ففي معسكر المحافظين يرى مؤيدوه أنه ما من داع لإزالة التماثيل، بما فيها تماثيل ملوك تنتصب في باحة القصر الملكي، ولا حاجة لإزالة أسماء شوارع في كوبنهاغن لأناس تاجروا بالعبيد.
وجاء هذا الموقف متفقاً مع رأي سياسي طرحه حزب "الشعب الدنماركي" (يمين قومي متشدد) باتهام اليسار "بمحاولة تغيير ومسح التاريخ الدنماركي"، وفقاً لما ذهب عضو البرلمان عن "المحافظين" ماركوس كنوت، في رده على مطلب الحزب اليساري "اللائحة الموحدة" بمراجعة شاملة لثقافة وتاريخ البلاد.
وقد اعتبر حزب "الشعب" الدنماركي الدعوات التي أطلقتها القيادية في "اللائحة الموحدة" روزا لوند، تعبيراً عن "هستيريا يسارية".
— Max Nesterak (@maxnesterak) June 10, 2020
|
خوف من مراجعة التاريخ
الخشية من الاقتراب من التاريخ والثقافة، على طريقة "التنقيح الثقافي" الذي انتهجته الجارة السويد، منذ سنوات طويلة، وخصوصاً في التربية وأدب الأطفال، كما في أعمال الأديبة أستريد ليندغرين، صاحبة العمل الشهير "بيبي ذات الجورب الأحمر الطويل"، يدفع بيمين الدنمارك لإظهار تمسكه وبقوة بكل ما يحتويه التاريخ وينسب لثقافة البلاد.
بل يذهب البعض متسائلاً "هل يعني طلب إزالة التماثيل أن نذهب أيضاً لإزالة تمثال الملك كريستيان الرابع؟ وهو الملك الذي سمح في عصور الدنمارك المظلمة بحرق النساء المتهمات بالسحر والشعوذة، وهو الذي يقام له يوم في البلد في 23 يونيو/ حزيران من كل عام، حيث يعاد تمثيل الحرق في مختلف المدن، كاستذكار لحقبة ماضية، واحتفاء بأطول أيام العام، "يوم القديس هانس".
الخشية أيضاً تتوسع لدى اليمين المحافظ من أن "يتم المس أيضاً بتاريخ الفايكنغ وهدم كل تماثيل ورموز تلك الحقبة"، بحسب ما أكد ماركوس كنوت، الاثنين الماضي، للقناة الرسمية الدنماركية "دي آر".
تسويات
ثمة موقف وسط، بين اليسار والمحتجين في الشارع المطالبين باستعادة ما حصل لإدوارد كولستون في بريستول البريطانية، وبين اليمين القومي المتشدد الذي يرفض أي مراجعة لتاريخ العبودية، وخصوصاً في "جزر الهند الغربية" في الكاريبي التي كانت مستعمرة دنماركية، قبل بيعها لأميركا في القرن الماضي، والمعاملة القاسية التي تعرض لها شعب غرينلاند.
— toon elior 〄 blm ✊🏿✊🏾✊🏽 (@fekerlibi) June 9, 2020
|
فعوض إزالة التماثيل وأسماء الشوارع، يطرح البعض تسويات تتمثل في وضع لوحات توضيحية عما قام به هذا وذاك في قضية تجارة العبيد، والماضي الاستعماري. ويحاجج أصحاب الحلول الوسط، وخصوصاً من "الحزب الاجتماعي الديمقراطي" الحاكم بزعامة ميتا فريدركسن، بأن "الشعب الدنماركي واع ومثقف".
ليس ذلك فحسب، بل إن العاصمة الدنماركية، وعلى وقع السجال والاحتجاجات التي شهدتها، نهاية الأسبوع الماضي، كما مدن أوروبية أخرى، تشهد توجهاً لتسمية شوارع بأسماء ثائرين ومتمردين شهيرين بوجه استعمار الدنمارك في الهند الغربية وتجارة الرقيق، مثل أكسيلينا إليزابيث سالومونس، أو العبدة السابقة غوتليب بوردو. وهو حل وسط يحاول "الحزب الاجتماعي الديمقراطي" الدفع به بحسب المسؤول فيه، لارس فايس.