أوركسترا

16 مايو 2014
+ الخط -

إلى الرّجل الذي قادَ أوركسترا القَلب والعقل
السّاعة العاشرة: يا لها من ليلة باردة
تشغلني طريقة الوصول إلى منبع الإلهام في هذه اللحظة، أكثر مما تشغلني طريقة صياغة التعابير، كأنني أعرف، مسبقاً، أنه من الصّعب، تماماً، تناسي كآبة العلاقات الاجتماعية اليومية التي تُفرض عليّ قسراً، لا طواعيةً. وكأنها تذهب، بكلّ ملَكاتي في التفكير والتّركيز على موضوع واحد: أنت.
أنت الفاعل وَالمَفعول به في آن واحد، فكيفَ لي أن أثق بقواعد اللغة التي تقول إن الأول يُرفعُ، والثاني يأتي منصوباً؟ أوَلم تُقنعني، أنتَ، بأنكَ لستَ من هذه الأرض، وأنك تُرفعُ معي، كلّ ليلة، إلى السّماء ما قبل السّابعة، هناكَ حيث نصبنا خيمتنا غيرَ بعيدَين جدّاً عن المَلكوت؟
أخبرني، كيفَ أركّز على ما يقولونه لي، وأنتَ الواحدُ المعذَّبُ بي، والمعذِّبُ لي، والفاصلُ بيني وبينَ لحظة الجنون العاصفة؟ وكيف أجيبُ عن أسئلتهم، وأنا أمضي، الساعة تلوَ الأخرى، بحثاً عن إجابة مُقنعة لسؤالك الحَصري: كيف أمكنَكَ أن تقودَ الأوركسترا عقلاً وجسَداً؟
تُحاصرني أوهامي آناء الليل وأطراف النهار، وأعذَّبُ بكَ، كلّما حاولت التفكير في مدى قابلية قلبي الزّهري على تحمّل كلّ هذه الارتجاجات، وأنتَ تنطق باسمي: إيمان. 
وأظن أنّي نسيت اسمي، وأنك تذكّرني به في كلّ مرة، وأحاول تفقّد حروفه، فأجد أنك لم تنسَ الحَركاتِ، أيضاً، أضفتَ إلى اسمي نكهَة لوزٍ أسمَر، يَستحوذ على ذاكرتي الصّوتية، كلّما لجأت للسّرير لأنام.
لا تقف بعيداً عنّي، أريدكَ كالظّل، أو أقربَ تخطوُ خُطايَ، وتُنشدُ أناشيدي، وتَلفظ حروفَ اسمي، وتهمسُ في أذني أن لا حبّ إلاّ حبّي، ولا شريكَ لي في سَهركَ اللّيلي.
كسرتَ يا قَلبي قوانين الهَوى معي، وجعلتَني أحلمُ بالمستقبل، وعيناي ترمقان القادمين بنظرات الغرابة، كيف أكون هنا، ولست هناك، ولماذا لستَ هنا، بل هناكَ، معَ أنني آمنتُ، منذ اللحظة الأولى، بأن أناي هي أناكَ، لا فرقَ؟
أتنفّسك كالرّياح الجبلية التي تعصف بالوادي، وتغيّر مجرى مياهه، وأغوص في عُزلتك، أستكشف خارطة الطريق نحوَك، ثم لا أستطيع تغيير وجهة عينيّ التي تحاول فكّ شِفرة البريق في عينيك.
ألعن الذاكرة، وأقتل بها صمتَ اللحظة، أسمعُكَ كلماتٍ عن النعيم الذي لا يضاهي وجودكَ، وأروي لك قصّة الملاك الذي ينتظرني في قلبكَ، أحقّا، كنت مخطئة حين ظننت أنك تجذبني بقوّة خارقة، أمّ تراني كنت أجهل قانون الرّقص المتّصل على دروب الجسد والرّوح؟
 هل أخبرتك أنني أغارُ من اهتماماتك، من حنجرة تحتضن صوتكَ من ألحان المساء التي تُعزف في قلبك؟ هل أخبرتك أنّي أخاف الموتَ، إلاّ إذا كانَ موتاً فيكَ وبكَ؟
لم أشأ يوماً أن أتحرر منك، ولن أشاء، ما دمت أعلم أن التّعب استولى عليّ، وقادني الحُطام إلى منفاي الوحيد والأخير.
يعود إليّ صدى صوتك، ليقاطعني مطالباً بمساحة لاحتلالها على شرف الكتابة وَالكناية، وربما لم أخبرك أني كنت أنتَشي بسماعكَ، حتّى بدا لي من العَبثي أن أبحث عن كلمةٍ أخرى، أوقف بها تلك اللحظة التي جعَلت منا عاماً وقليلاً. سافرتُ بها عبر الزّمان والمكان، وعشقتُ لغتكَ الألمانية التي كانت تعني لي قبلك موسوعات وكتباً كافكَوية وَهيجلية وغيرها، حتى أصبحت معكَ تعني كلّ الأدب مجتمعاً، وتشكّل مع نبرات صوتك عصوراً من الحداثة التي تجعلني أسبر أغوار التاريخ، بحثاَ عن نبوءتك.
أيها المَلكُ مالكُ القلبِ والرّوح والعَقل، في ثلاثية سماوية قاهرة، لا تبتعد عن أناشيد الوطنية كثيراً، فإنني أشتهي لفظ اسمكَ قبل أفول الوَطن، وأشتهي الانفرادَ بك، فيما بين الواقع والخيال، لا أسمع عن الواقع أخباراً، ولا أرى من الحقيقة أطيافاً.
للناس وطنهم، ولي أنتَ يا وطني.

 

59873A7D-24D4-4B8D-A7BC-6509D21A6274
59873A7D-24D4-4B8D-A7BC-6509D21A6274
إيمان ملال (المغرب)
إيمان ملال (المغرب)