أوراق قوة المعارضة السورية في جنيف 3

07 فبراير 2016
النظام يسعى إلى حل عسكري لا سياسي (مواقع التواصل)
+ الخط -
 لا يتمارى السوريون، غالباً، في حسن أداء الهيئة العليا للتفاوض، سواء في جنيف أو في الطريق إليها، حيث عقد المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، ستيفان دي مستورا، مباحثاته على انفراد مع وفدي المعارضة والنظام، ليضطر إلى الإعلان عن تعليق المفاوضات، التي لم تبدأ فعلياً، إلى الأسبوع الأخير من فبراير/شباط الحالي، مع تلميح واضح إلى أن التصعيد الروسي في حلب هو السبب وراء هذا القرار.

وعلى الرغم من شدة الضغوط التي مورست على هيئة المعارضة، والظرف التاريخي الحرج الذي كانوا فيه على موعد مع استحقاق دولي يهدف إلى إنهاء الحرب السورية، بشروط لا تلبي تطلعات الشعب السوري، على الأقل من وجهة نظر المعارضة ونشطاء الثورة السورية، فإنها استطاعت أن تعبر أولى مراحل هذا الاستحقاق بدون تبعات سلبية على قرارها الذهاب إلى المفاوضات، وهو قرار يعلم كل معارض سوري حجم المخاطرة الشديدة التي تكتنفه والابتعاد عن نبض الشارع الثوري.

بعض السوريين رأوا في تعليق المفاوضات من قبل الأمم المتحدة، واعترافها بأن السبب هو تعنت نظام الأسد في الاستجابة لإجراءات بناء الثقة والتصعيد العسكري الذي بدأه في حلب ودرعا، بالتزامن مع مباحثات جنيف بغطاء جوي روسي حاسم، نصراً للثورة ونجاحاً لهيئة المفاوضات في التصدي لأحد أخطر الاستحقاقات الدولية في سورية بجدارة حتى الآن على الأقل.

ويبعث هذا الاعتقاد على التساؤل عن سر قوة أحدث تشكيلات المعارضة السورية وأوسعها من حيث تمثيلها للطيف السياسي والاجتماعي السوري، فقد فشل المجلس الوطني ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في انتزاع إقرار المجتمع الدولي (الغربي في الواقع) بصفته التمثيلية والتعامل معهما على هذا الأساس، مقارنة بالهيئة العليا التي يترأسها رئيس الوزراء المنشق، رياض حجاب، كما أن هذه الأخيرة قدمت أداء سياسياً مقنعاً ومسؤولاً، حسب المعلن، استطاعت نسبياً من خلاله جعل الشارع السوري الثائر يلتف حولها ويبني، لأول مرة منذ انطلاق الثورة، جسور الثقة بكيان سياسي لا يخلو من الثغرات التي كانت تؤخذ على سابقيه، كما أنه مكون بالأساس من أعضاء المجالس والهيئات الأقدم التي لم تحظ بهذا الزخم.

بات من الواضح أن أحد أسباب قوة هذه الهيئة الجامعة للمعارضة على الصعيد الذاتي، أمران؛ الأول هو ضمها لهيئة التنسيق الوطني، التي توصف بأنها المعارضة المقبولة من النظام، حيث يقيم معظم منتسبيها وأحزابها في الداخل السوري، بالإضافة إلى شخصيات وتيارات أقرب إلى النظام، لأسباب طائفية وأقلوية، كتيار بناء الدولة، وزعيمه لؤي حسين، الأمر الذي حاجج به المحور الإقليمي الداعم للمعارضة، السعودية وتركيا وقطر، ومن ورائها المحور الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة، في منح الثقة للهيئة العليا والنظر إليها باعتبارها الطرف الأساسي المقابل للنظام في عملية التسوية السياسية التي يسعى إليها المجتمع الدولي لإنهاء الحرب في سورية.

والأمر الثاني هو الأداء الجيد نسبياً في ما يتعلق بالمناورات السياسية والشفافية على مستوى الظهور الإعلامي، والتوازن في الجمع بين مطالب الثورة والحد الأدنى من حقوق السوريين المكفول بالقانون الدولي (بما أننا نتحدث عن معركة يكون المجتمع الدولي طرفاً فيها) وبين إبداء المرونة الكافية لعدم خسارة ثقة "الحلفاء" والأصدقاء، الذين ما زالت لديهم مصلحة في استمرار صداقتهم للثورة، بالإضافة إلى الرهان على عدم جدية النظام وحلفائه في الدخول إلى عملية تفاوض حقيقية، تفضي إلى تغيير نظام الحكم ولو في أضيق صورة ممكنة.

وأما على الصعيد الموضوعي، فقد ظهر جلياً أن الموقف الإقليمي المساند للمعارضة كان سنداً قوياً في عملية جنيف، وإن تراجع على الأرض في تقديم الدعم المباشر إلى حدود متدنية جداً عما سبق، وهو ما فرض تحدياً إضافياً على الفصائل المسلحة من جهة، وعلى وفد المعارضة المفاوض من جهة أخرى، بحكم أن تغير موازين القوى يؤثر في موازين التفاوض، لكنه رغم ذلك مثل فرصة في إبراء الذمة أمام مجتمع دولي (أعمى) لا يرى إلا ما يوافق هواه، وإقامة الحجة عليه، الأمر الذي يفسر شبه الإجماع الدولي المندد بالنظام السوري وروسيا واتهامهما، بالإضافة إلى إيران، بتقويض العملية السياسية، وقال وزير الخارجية الأميركي، تعليقاً على تعليق المفاوضات، يبدو أن النظام يسعى إلى حل عسكري لا سياسي.

ومن غير الواضح ما ستكون عليه الحال في 25 فبراير/شباط عندما يحين موعد الجولة القادمة من مفاوضات جنيف، التي يديرها دي مستورا، إلا أن الجدول الزمني الذي فرضه قرار مجلس الأمن 2254 القاضي بتشكيل حكومة انتقالية بدلاً من حكومة الأسد الحالية خلال 6 أشهر كأقصى حد اعتباراً من بداية المفاوضات (المحادثات)، والأرضية التي استند إليها القرار المتمثلة باتفاق فيينا، يفرض ضغطاً كبيراً على القوى الراعية له، ففي حال تخلف أي من بنوده فهذا سيمنح الأطراف المعنية بالعملية السياسية في سورية الذريعة اللازمة للتهرب من استحقاقات خطة السلام المعروفة بمسار فيينا، مما يعني انهياراً كاملاً لهذا المسار، وهو أحد السيناريوهات المطروحة أمام المعارضة، ولكن عليها أن لا تعول كثيراً عليه، وأن تدرج سيناريو التزام النظام ومعه روسيا وإيران بالجدول الزمني للخطة في حسبانها، مما يجعل من استراتيجية الهيئة العليا للتفاوض في فرض الالتزامات الإنسانية كحق فوق التفاوض استراتيجية فعالية في حشر النظام في خيارات صعبة، وعبر التمسك بالقرارات الدولية، التي تحد من سلطات النظام وسيادته في الأراضي التي يسيطر عليها، ومرجعية بيان جنيف 1، الذي يمنح هيئة الحكم الانتقالي صلاحيات كفيلة في حال توفرت الضمانات لها بإنهاء عهد الأسد ولو تدريجياً.

(سورية)
المساهمون