19 ابريل 2021
أوباما.. هل يصحّح خطأه؟
قبل قرابة عام، أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أولوية للمسألة العراقية على السورية، وقرّر أن يرى الصراع بين الشعب السوري المطالب بحريته ونظامه الاستبدادي القاتل من منظور مكافحة الإرهاب والحرب على "داعش". وبذلك، وقع فصل غير مفهوم وخاطئ بين السياسي والعسكري في قضيةٍ سياسيةٍ بامتياز، هي ثورة سورية وحرب النظام الأسدي عليها. وحدثت ثغرة دخل بوتين منها إلى المسألة السياسية السورية، ثم رتب عليها، قبل أشهر، دوراً عسكرياً مباشراً لبلاده فيها، بدا معه أن حضورها السياسي في سورية رجح على حضور أميركا التي تصرّفت وكأن ثورة السوريين صارت وراءها، وأنها لم تعد تحظى بما تستحقه من اهتمام لديها، والدليل: الطريقة المتحفظة والمترددة التي صاغ عسكر واشنطن، من خلالها، برنامج الإعداد العسكري للجماعات السورية المقاتلة التي وعدوا بتدريبها، وأخذت شكلاً أقرب إلى التنصل من واجبات أميركا حيال الشعب السوري، التي اتسمت بالتدني والهامشية، طوال فترة الثورة.
يبدو أن أوباما أدرك خطأه بعد الغزو الروسي لسورية، وما يمكن أن يفضي إليه من نتائج نهائية لصالح الأسد ونظامه، أقنع كثيرين بأن روسيا انتزعت زمام المبادرة من الغرب، وفرضت عليه اللعب بشروطها، وفي ظل قدرتها على ممارسة ابتزاز عسكري/ ميداني في وسعه إطالة بقاء النظام والأسد، وتعزيز مقاومته، للفترة التي يقررها قادة الكرملين الذين بدا، وهلة، وكأنهم سددوا ضربة ناجحة إلى درجةٍ لم يعد بمقدور أحد معها الخروج عن الإطار الذي رسمه بوتين للتطورات اللاحقة. في هذه اللحظة، وقعت بلبلة أميركية واضحة، ربما كانت شخصية وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مسؤولة عنها، بما يكتنف تصرفاته من غموض، وتصريحاته من ارتباك، كثيراً ما تحول إلى تخبط.
بعد لقاء أوباما مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقع ما يلفت النظر ويستحق أقصى درجة من اهتمام المعنيين بالثورة السورية، ذلك أن أوباما أعلن، في لقاء لمكافحة الإرهاب، تراجعه عن خطته التي أعطت الأولوية للحرب ضد الإرهاب، عكس موقفه بأن ربط نجاح هذه الحرب برحيل بشار الأسد الذي عليه إخلاء مكانه لـ"زعيم جديد" يتولى قيادة سورية. هذه النقلة المهمة في موقف أوباما التي تعيد طرح القضية السياسية من بوابتها الصحيحة المتفقة مع وثيقة جنيف، توقف أمور سورية من جديد على قدميها، وتعيد إلى سياسات أميركا جانبها الغائب وتوازنها المفقود.
بدل الالتقاء مع الروس، يمثل موقف أوباما افتراقا واضحا عنهم، في النقطة الحاسمة التي تجعل من بشار الأسد القضية الجوهرية للمسألة السورية، على عكس ما أشيع، بعد الدخول العسكري الروسي إلى بلادنا، وما قيل عن اتفاق أميركي/روسي حول استمرار المجرم رئيساً في أثناء المرحلة الانتقالية. وبهذا الموقف الذي ربط الحل السياسي والانتصار على "داعش" برحيل الأسد، أفرغ البيت الأبيض وجود روسيا العسكري في سورية من وظيفته التي هي إنقاذ الأسد، وعزل موسكو عن بقية الدول الفاعلة في الحدث السوري، وفتح الباب أمام تعرّض قواتها لتحديات عسكرية، تعني ترجمتها إلى أفعال توريطها بمصاعب لا تترك لها من خيار، غير الانكفاء عن سورية، أو خوض حربٍ لا مصلحة لها فيها، لن يسوّغ إنقاذ الأسد ما سيتكبده جيشها فيها من خسائر.
هل ستتمسك أميركا بموقفها الجديد الذي يفتح باب الحل في سورية، ويقطع مع سياساتها السلبية حيال ثورتها وشعبها، ويدخلها في مكاسرة حافلة بالتحديات مع موسكو وإيران في بلادنا والشرق الأوسط؟