أوباما لا يحبُّ أميركا

23 فبراير 2015

أوباما يريد أن يكون أوباما (19 فبراير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
أفاق قرّاء الصحف الأميركية، قبل أيام، على صورة لباراك أوباما معصوب العينين، تتصدَّر الصفحة الأولى للتابلويد الميردوخية "نيويورك بوست"، وتحت الصورة هذه الكلمات: الإرهاب الإسلامي؟ إنني لا أراه! ولكن، كيف سيرى ما تتحدّث عنه هذه التابلويد اليمينية، وهو مغمض العينين؟ عليه أن يزيح الغمامة (العصبة) عن عينيه، كي يرى ما يراه صاحبها، روبرت ميردوخ. لا تطرح الصحيفة الميردوخية الأسئلة التي نطرحها نحن بخصوص داعش والقاعدة، وما شابههما من منظمات إرهابية، هي نكبة علينا قبل غيرنا: باسم أيّ دين تقتلون وتحرقون وتسلبون وتهجِّرون وتكفرون الناس؟ لِمَ تتلطَّون وراء الدين، وأنتم تذبحون الأبرياء بالسكين؟ أم أن هذا هو الدين في نظركم، وهذه هي الشريعة التي بها "تبشِّرون"؟ تريد "نيويورك بوست" أن يكون السؤال هكذا بلا لف ولا دوران: لِمَ هو مُبررٌ، ومقبول، في الإسلام ذبح الناس بالسكين وحرقهم؟ ولِمَ على غير المسلمين أن يناوروا في وصف اسم هذا الإرهاب ونعته. إنه إرهاب إسلامي. مشكلة الصحيفة، ومن لفَّ لفها، مع أوباما، أنه لا يقول بهذا. فقد قال، في خطابه الأخير الذي خيَّب آمال قوى ولوبيات أميركية يمينية، تريده أن يبقَّ البحصة، ومنها "نيويورك بوست"، ليس للدين علاقة بهذه الأعمال الإرهابية، وهؤلاء، أصحاب السكين، ليسوا قادة دينيين مسلمين. إنهم إرهابيون. وأوباما الذي يملك القدرة على التعامي عن أشياء كثيرة محقّة، وغير محقّة، لم يعطِ هذه القوى ما تريد. رسمياً، لا تقول أميركا بإرهاب إسلامي، ولا تستطيع، ولهذا أسباب عديدة:
أولها أن ضحايا داعش وأشباهها هم، بنسبة تسعة وتسعين بالمئة، مسلمون، وثانيها أن حلفاءها في الحرب على الإرهاب من المسلمين، بل من المسلمين الذين تتصدَّر بلادهم قائمة الإرهابيين الداعشيين والقاعديين ومن يفتون لهم. فلا يعقل أن يأخذ أوباما هؤلاء إلى حرب جديدة على الإرهاب، وهو يقول لهم تعالوا لننهِ الإرهاب الإسلامي! فأوباما غير بوش، مع أن بوش صديق السعوديين وحليفهم، لكنَّ إدارة أوباما أكثر حذراً في التسميات، وأكثر تردّداً في الأفعال. هي جيدة في الأقوال، ولكن، عند الأفعال التي تفيد المنطقة وشعوبها، ترى سيد البيت الأبيض، وقد انقلب من عطيل الثائر إلى هاملت الحائر، المتردّد. وهذا جيد لبعضهم وسيئ، كالعادة، لآخرين. فـ "نيويورك بوست" غير قادرة على احتمال وجه أوباما، ولا هي قادرة على احتمال "مراوغاته" الكلامية، ونتنياهو غير قادر على تصوّر وجه "حليف" الإيرانيين. هناك لوبيات أميركية وإسرائيلية تريده أن يكون واضحاً، مباشراً، بلا مجاز، أو بلاغة في القول، مثل بوش، وهو لا يريد أن يكون مثل بوش، ولا مثل كلينتون. أوباما يريد أن يكون أوباما. ولكن، ما هو (وليس من هو) أوباما؟
لا أدري. ولا أدري كيف سيصنف التاريخ، القادم لا محالة، إدارة أوباما. هل ستكون الإدارة الأميركية الأقل حرباً في تاريخها الإمبراطوري؟ بمعنى الأقل إيذاءً لشعوب لم تر من أميركا غير "توما هوك" و"كروز". ربما كان يأمل ذلك سيد البيت الأبيض. ولكن، لا يبدو أنه سيتحقق. ستكون هناك حرب. وهذه الحرب دائرة، لكنها ليست من "النوع" الأميركي المعتاد. لذلك، يريدونها أن تكون من النوع الأميركي المعتاد. وأوباما الذي لا يرضينا، ولا نحبه، هو، نفسه، أوباما الذي لا يحبه أميركيون، ولا يرضون عنه. ولهم أسباب غير أسبابنا. ومع التابلويد نفسها التي لا شغل لها، هذه الأيام، إلا أوباما، شنَّ رئيس بلدية نيويورك الأسبق، رودولف جولياني، هجوما ساحقاً على الرئيس الأميركي الذي قال إنه لا يحب أميركا! وقال، أيضاً، إن أوباما متأثر بالشيوعيين. لطالما كان متأثراً بهم مذ عرفه جده (لأمه، الأميركية البيضاء) بالشيوعي فرانك مارشال ديفيز وهو في التاسعة! وهو أوباما نفسه الذي يقول عنه جولياني إنه سارع إلى عقد مؤتمر صحافي من أجل حادثة ميزوري، لكنه لا يفعل ذلك عندما يُذبحُ مسيحيون ويهود!
 
E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن