أوباما في هافانا... وراوول لن يبقى رئيساً

22 مارس 2016
كوبا تتغيّر بسرعة وتريد الانفتاح (ياميل لايج/فرانس برس)
+ الخط -
عنونت صحيفة "ميامي هيرالد"، يوم الأحد: "هذه ليست كوبا فيديل كاسترو"، فالرئيس باراك أوباما، لن يكون "النجم" الأميركي الوحيد الذي يزور العاصمة الكوبية هافانا هذا الأسبوع، بل يتبعه بعد أيام مغني الروك الشهير ميك جاغر، ومعه فرقة "الرولينغ ستونز"، لتقديم حفل مجاني أمام 400 ألف شخص. الجزيرة تتغير بسرعة، والجيل الجديد على طرفي مضيق فلوريدا، يتوق إلى الانفتاح والتلاقي.

عزلة كوبا انتهت إلى غير رجعة، حتى لو أن مراحل التطبيع الأميركي كانت تدريجية، ومع وصول العائلة الأميركية الأولى إلى العاصمة الكوبية، انكسر الحاجز الأخير، ودخلت العلاقات الكوبية الأميركية مرحلة جديدة، عنوانها "شدّ الحبال حول التبادل التجاري وحقوق الإنسان"، في ظلّ التساؤلات المفتوحة حول العقلية التي سيعود فيها الأميركيون إلى الجزيرة، وإلى أي مدى سيتحدّى الكوبيون هذه العودة، وما سيكون دور الجالية الكوبية ـ الأميركية في هذا التحوّل.

رهان أوباما في كوبا ليس فيه مخاطرة، في حال فشل التطبيع، وليس فيه إشكالية استراتيجية تشبه التسوية النووية مع طهران. في النهاية قوة الجزيرة محدودة في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، والحرب الباردة بقواعد القرن العشرين مرّ عليها الزمن. لكن الكلام في الإعلام الاميركي لا يزال يدور حول ما إذا كان سيتغيّر النظام الشيوعي في ظلّ هذا الانفتاح، مع العلم أن محور خطاب أوباما المنتظر، هو إعلانه تخلّي واشنطن بشكل نهائي عن سياسة تغيير النظام في هافانا.

لا أحد يعرف بعد كيف سيتعامل النظام الكوبي مع العودة الأميركية "الناعمة". الأنظار ستتجه الشهر المقبل إلى مؤتمر الحزب الشيوعي السابع في هافانا، لتقييم مدى جدية الإصلاحات السياسية والاقتصادية، التي سيعلنها النظام الكوبي، في وقت أعلن فيه الرئيس الكوبي راوول كاسترو، أنه لن يبقى رئيساً بعد عام 2018.

اقرأ أيضاً: أوباما وراوول يصنعان التاريخ... هافانا تُعانق الإمبريالية

مفاعيل "الثورة الكوبية" التي أطلقها أوباما في السياسة الأميركية، كان لها بطبيعة الحال ارتدادات في واشنطن. كما أن هناك أصواتاً جمهورية في الكونغرس، بدأت تخرج إلى العلن، تأييداً لهذا الانفتاح، مع تأكيد وجود جهات جمهورية تؤيد التطبيع في سرها. حتى أن المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب لم يعارض، انفتاحاً أميركياً ما على الجزيرة. مع العلم أن المرشح الرئاسي السيناتور الجمهوري من أصل كوبي تيد كروز، كتب في افتتاحية في مجلة "بوليتيكو"، يوم الأحد، أن "زيارة أوباما ستمنح شرعية للفاسد وتتجاهل المقموع".

لم تمرّ زيارة أوباما من دون تعقيدات تعبّر عن عيّنة من الدينامية الجديدة بين البلدين. كان هناك انتقادات لعدم استقبال راوول كاسترو لأوباما على أرض المطار، لا سيما من ترامب، الذي غرّد على صفحته على موقع "تويتر"، بأنه "ليس هناك احترام من السلطات الكوبية". كما أن أحد أبرز وجوه الحراك المدني الكوبي، غييرمو فاريناس، أكد أنه في الإقامة الجبرية، مع العلم أن اسمه مطروح ليكون من المجموعة المعارضة التي سيلتقيها أوباما.

في سياق متصل، كشف استطلاع مشترك لصحيفة "نيويورك تايمز" وشبكة "سي بي إس" الإخبارية، الأحد، أن "62 في المئة من الأميركيين يؤيدون الانفتاح على كوبا". وتشير الأرقام إلى أن هناك دعما من أكثرية الديمقراطيين والمستقلين، في مقابل انقسام في الآراء بين الجمهوريين. بالتالي، فإن هذا الانفتاح لن يكتمل، قبل حدوث تحوّل أعمق في مزاج الكوبيين الأميركيين، ولا سيما الجيل الذي عايش صعود فيديل كاسترو إلى الحكم وناهض نظامه بكل الوسائل المتاحة.

وقال أوباما لفريق عمل السفارة الأميركية في هافانا، إن "آخر رئيس أميركي زار كوبا، وصل بعد رحلة ثلاثة أيام على متن سفينة حربية. لقد استغرقت رحلتي ثلاث ساعات". مع زيارة أوباما يتذكر الأميركيون كم هي قريبة هذه الجزيرة التي تحدتهم عبر التاريخ، لكن التحول الأبرز الطويل الأمد يبقى في البعد الشعبي والثقافي لهذه الزيارة.

الكوبيون شاهدوا بالأمس، عبر التلفزيون الرسمي الذي انتقد "إمبريالية" واشنطن لعقود، وصول العائلة الأميركية الأولى إلى مطار "خوسيه مارتي" الدولي تحت الأمطار الغزيرة. مع هذه الزيارة، دخل أوباما في الثقافة الشعبية الكوبية. الكوميدي الشهير لويس سيلفا، المعروف بـ"بانفيلو"، كان يمثل لسنوات مشاهد ساخرة يحاول فيها تكراراً الاتصال بأوباما. في آخر حلقة تلفزيونية له حقق هذه الأمنية. كان يتصل للاستطلاع عن حال الطقس خلال مباراة في "البيسبول" بين المنتخب الوطني الكوبي وفريق أميركي من فلوريدا، فرد عليه أوباما من المكتب البيضاوي في حوار مسجل. قال بانفيلو لأوباما: "لا تأت حاملاً الكثير من الحقائب فقد تتأخر في المطار"، عارضاً عليه أن يقلّه في سيارة "شيفروليه" عام 1958، وهي آخر طراز من السيارة الأميركية التي وصلت إلى الجزيرة قبل فرض الحصار.

اقرأ أيضاً "ذوبان الجليد الكوبي": مشهدية هافانا تختصر إرث أوباما