في مذكرة رسمية إلى مجلس الأمن اتهم وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إثيوبيا بالمبالغة في سعة السد التي ستصل إلى طاقة تخزين قدرها 74 مليار متر مكعب من المياه، وقال إن إثيوبيا قامت بتغيير المواصفات الفنية للسد ورفعت قدرته التخزينية تدريجيا من 14 مليار متر مكعب إلى 74 مليارا، وأن هذه الزيادة الهائلة في حجم خزان السد غير مبررة وتثير تساؤلات بشأن "الغرض الفعلي من السد واستخداماته المتوقعة"، وتزيد بشكل هائل من تأثيراته السلبية المحتملة على الاستخدامات في المصب.
دراسة إثيوبية
استند شكري في دعواه إلى دراسة فنية أجراها خبير إثيوبي في مجال الطاقة الكهرمائية هو، ميهاري بيين، عنوانها: ما هي كفاءة سد النهضة الإثيوبي الكبير؟ وقال شكري إن الدراسة أظهرت أن سد النهضة حُدد له حجم مبالغ فيه إذا كان الغرض توليد الطاقة، وأن كفاءة توليد الكهرباء لن تتجاوز 33% من قدرة السد المتوقعة، وأن تخزين 19 مليار متر مكعب فقط في خزان سد النهضة بدلًا من 74 مليارا كان سيكون حجما كافيا لتوليد الطاقة الكهربائية.
ووفقا للدراسة، يقول شكري، فإن الطاقة الكهرمائية المتولدة من السد ستكون معادلة لتلك التي تنتجها محطة لتوليد الطاقة بقدرة أقل بكثير مقدارها 2872 ميغاواط تعمل بكفاءة 60%. ولذلك، كان من الممكن تخفيض التكلفة الإجمالية لسد النهضة بنسبة تتراوح بين 40 و45 % على الأقل لصالح الاقتصاد الإثيوبي الفقير لو تم بناء سد أصغر حجمًا بكفاءة أعلى لتوليد نفس الكمية من الطاقة.
الدراسة التي احتج بها شكري، نشرتها منظمة الأنهار الدولية كاملة على موقعها الإلكتروني في شهر يوليو/تموز 2011، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان إثيوبيا عن إنشاء سد النهضة في 2 إبريل/نيسان 2011. والأنهار هي منظمة دولية تدافع عن الأنهار الدولية العابرة للحدود وتدافع عن حقوق المجتمعات التي تعيش حولها، وتناهض إقامة السدود الضخمة عليها، بما فيها سد النهضة، وتساعد في إيجاد بدائل مناسبة لها وإيقاف القائم منها، وتعمل في أكثر من 60 بلدا منذ تأسست في 1985 في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.
الدراسة تفند التساؤلات المثارة حول النواحي الفنية والاقتصادية للسد، وما إذا كان مشروع السد يُعد استثمارًا مناسبًا لبلد يعاني اقتصاديًا مثل إثيوبيا.
وقالت إن كفاءة سد النهضة في توليد الكهرباء لن تزيد عن 33% فقط، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالإنتاج العالمي لسدود الطاقة الكهرومائية والتي يبلغ متوسطها حوالي 55% إلى 66% (وفق وكالة الطاقة الدولية، 2010).
وأكدت أنه وفق المعايير الإثيوبية والدولية للسدود، فإن كفاءة سد لإنتاج الطاقة الكهرومائية بمعدل 33% يكون غير فعال بدرجة كبيرة، ما يجعل الكهرباء المنتجة من السد مكلفة وغير اقتصادية.
واستندت الدراسة إلى تصريح لوزير الخارجية الإثيوبي في حينه ورئيس الوزراء لاحقا، هايليماريام ديسالين، يقول فيه إن سد النهضة الإثيوبي الكبير يستند إلى الدراسة التي أجراها مكتب الاستصلاح الأميركي في عام 1964. وهي الدراسة التي اقترحت سدًا أصغر بكثير، بسعة 1400 ميغاوات، باسم سد الحدود ويكون ارتفاعه 85 مترًا، وخزانًا يبلغ حجمه خُمس حجم سد النهضة الكبير، أي 14.9 مليار متر مكعب، وبتكلفة 1.5 مليار دولار فقط، وليس 4.8 مليارات دولار.
وقالت الدراسة إنه إذا كان سد النهضة الكبير مشروعًا متعدد الأغراض، أي أن الحكومة سوف تستخدمه في تخزين المياه لأغراض الري بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية، فإن كفاء تشغيل السد، وهي 33%، تكون مقبولة لهذا السبب. أما وإن الحكومة الإثيوبية تقول إن السد سيتم استخدامه فقط لتوليد الكهرباء، فإن حجم السد مبالغ فيه لهذا السبب.
وكشف صاحب الدراسة عن إخفاء الحكومة المعلومات الحقيقية المحيطة بالسد، وأن الإثيوبيين يتم دفعهم وتسييسهم لشراء سندات لتغطية تكاليف بناء المشروع.
وقال: وبصفتي مواطنا إثيوبيا أقول إن أقل ما يجب على الحكومة فعله هو إطلاعنا على المعلومات المطلوبة حول السد، والإجابة عن الأسئلة المفتوحة قبل أن تطلب منا تحمّل هذا الاستثمار الضخم، إذ يتم تصنيف منتقدي المشروع على الفور على أنهم مرتبطون بأحزاب المعارضة و"الجماعات الإرهابية".
وخلصت الدراسة إلى أن السد مغالى في تكلفته، ومبالغ في كفاءته التي ستكون متدنية جدا في إنتاج الكهرباء، وبالتالي يصبح السد استثمارا فاشلا لبلد يعاني أساسا من الفقر وتكرار الجفاف الذي يقتل مشاريع الطاقة المائية. وقالت إن سدا بسعة أقل بكثير مما هو عليه الآن، وبارتفاع أقل سيكون أكثر كفاءة، وأكثر جدوى من حيث التكلفة، وبالتالي ستكون آثاره الاقتصادية والبيئية أقل على دولتي المصب.
أهداف أخرى للسد
وفي تعليقها على الدراسة، وصفت منظمة الأنهار الدولية مشروع السد، الذي اقترحه رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي، الأب الروحي للسد المثير للجدل، بأنه "مضيعة للوقت والمال ومسيس، حيث يتم بناؤه لدوافع سياسية". وفي مرحلة مبكرة من الإعلان عن السد في 2011، أبدت المنظمة ريبتها من توسيع الحكومة الإثيوبية عمليات تأجير الأراضي المخصصة للزراعة حول السد والسدود الأخرى المقامة على النيل الأزرق، بالإضافة إلى سرية المعلومات التي تخفيها بشأن مخاطر السد على دولتي المصب، مصر والسودان.
خزان سد النهضة سوف يغطي مساحة 1874 كيلومترا مربعا، ويمتد طوله إلى مسافة 264 كيلومترا، وفق خطاب سامح شكري إلى مجلس الأمن. وهي مساحة كبيرة تزيد من فرص إنشاء مشاريع زراعية وصناعية حول بحيرة السد الوليدة وتستمد منها المياه اللازمة المقتطعة من الحصة المائية لمصر والسودان من دون رقيب ولا حسيب.
ما يثير الشكوك أيضًا، أن إثيوبيا دعت في الشهور الأخيرة وبالتزامن مع الإعلان عن البدء في ملء وتشغيل سد النهضة، إلى استثمار دولي في مجال النشاط الزراعي على أكثر من ثلاثة ملايين هكتار من أراضيها. وهي مساحة ضخمة إذا عرفت أنها تعادل 80% من جملة الرقعة الزراعية في مصر. وكذلك روجت إلى إنشاء 10 مصانع لإنتاج السكر، وهو ما يزيد عن عدد مصانع قصب السكر في مصر بمصنعين. وأطلقت حزمة من الحوافز لجذب الاستثمارات الأجنبية لهذه المشاريع الزراعية مثل الإعفاء من الضرائب لمدة تصل إلى 9 سنوات. هذه المشاريع سوف تستهلك مليارات الأمتار المكعبة من المياه على حساب حصتي مصر والسودان المائية.
والغريب أن شكري يعترف بعلم النظام المصري بخطورة النيات الإثيوبية تجاه بلاده، وكذلك تداعيات السد الكارثية. يقول شكري في الخطاب "إن آثار نقص المياه في مصر بسبب المشاريع التي تضطلع بها إثيوبيا يمكن أن تكون كارثية. وستضيع ملايين فرص العمل، وستختفي آلاف الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة، وستشهد الأراضي المزروعة زيادة في الملوحة، وستزداد تكلفة الواردات الغذائية زيادة هائلة، وستستفحل الهجرة للمدن بفعل نزوح السكان من المناطق الريفية، مما سيؤدي إلى زيادة البطالة ومعدلات الجريمة والهجرة غير الشرعية".
وقال شكري "إن انخفاضا في المياه بمقدار مليار متر مكعب فقط سيؤدي، في القطاع الزراعي وحده، إلى فقدان 290 ألف شخص لدخولهم، وفقدان 130 ألف هكتار، أي 309 آلاف فدان، من الأراضي المزروعة، وزيادة قدرها 150 مليون دولار في الواردات الغذائية، وخسارة قدرها 430 مليون دولار في الإنتاج الزراعي. ومع تزايد النقص في المياه واستمراره على مدى فترة طويلة، تحدث تداعيات لا تعد ولا تحصى على قطاعات اقتصاد مصر وعلى استقرار البلد الاجتماعي والسياسي".
في نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2016، كشف موقع ميدل إيست أوبزرفر البريطاني عن أن السيسي ينشئ ستة أنفاق تحت قناة السويس باتجاه سيناء لتوصيل مياه النيل لإسرائيل، ما يمكن أن يكون هدفا آخر لسد النهضة للضغط على المصريين من أجل القبول بتوصيل مياه النيل لإسرائيل في مقابل عدم تخفيض حصة مصر المائية، وهو مشروع قديم طرحه خبراء إسرائيليون في الستينيات من القرن الماضي وأعاد الرئيس السادات طرحه، ولكنه قوبل برفض شعبي كبير، ثم نفاه الرئيس المخلوع حسني مبارك، أما السيسي فلم ينفه حتى الآن، ما يؤكد احتمال تنفيذه على النحو الذي كشفه الموقع الإعلامي البريطاني المعروف.
إدانةللسيسي
اعتراف سامح شكري بمبالغة إثيوبيا في حجم السد، وباحتمال وجود أغراض أخرى غير توليد الكهرباء، والتداعيات الكارثية على مصر، والتي يذكرها لأول مرة، هو دليل إدانة للجنرال السيسي الذي أعطى شرعية قانونية لإثيوبيا لبناء سد النهضة بتوقيعه اتفاق إعلان المبادئ في مارس 2015، رغم تهديد الاتفاق للأمن المائي المصري. ولولا أن بروتوكول مجلس الأمن يقضي بنشر خطابات الدول المقدمة إليه ما ظهرت هذه الحقائق بسبب السرية التي يفرضها النظام المصري على تفاصيل الملف.
اتفاق إعلان المبادئ لم يمنح الشرعية للسد فقط، بل إنه يمكن إثيوبيا من استخدام مياه السد في الزراعة وأغراض أخرى غير توليد الكهرباء.
يقول خبراء القانون الدولي أن المبدأ الثاني في اتفاق إعلان المبادئ نص على أن الغرض من سد النهضة هو "توليد الطاقة، المساهمة في التنمية الاقتصادية" بدلًا من أن ينص صراحة على أن يكون الغرض من السد هو توليد الكهرباء فقط.
وهي صياغة ملتوية غير قاطعة، إذ استخدمت كلمة "المساهمة" في التنمية، وليس "للمساهمة" في التنمية، وهو ما يفتح الباب أمام إثيوبيا لاستغلال مياه السد في مشاريع الري والزراعة على حساب حصة مصر والسودان، وربما بيعها المياه لكلتيهما. الأمر الذي يفرض على النظام المصري تدارك الأخطاء التي ارتكبها في الملف وأوصلت إلى تحكم إثيوبيا وانفرادها بقرار ملء وتشغيل السد من دون اتفاق يحمي المصريين من الجوع والعطش، ويحمي النظام نفسه من الاتهام بالتفريط والخيانة.