كذلك، فإنه في موازاة رغبتهم بالخلاص من عناصر "داعش" الذين يسيطرون على مدينتهم في العاشر من يونيو/حزيران 2014 ويفرضون وجودهم وقوانينهم بالقوة على السكان، إلا أن مشاعر الخوف من أن يتحولوا إلى ضحية للمعركة تسيطر على سكان الموصل، بسبب تحصّن عناصر "داعش" في المدينة واتخاذهم من المدنيين دروعاً لهم. وقد راقب الأهالي أخيراً تراجع عناصر التنظيم إلى داخل الموصل واستغناءهم عن مناطق في جنوبها لصالح القوات العراقية. هذا التخوف ورد أيضاً على لسان منسقة الأمم المتحدة للإغاثة الإنسانية في العراق ليزا غراند، التي حذرت على هامش ندوة في أربيل، من أن "أكبر أزمة إنسانية ستحدث في العالم خلال العام الحالي، ستشهدها مدينة الموصل، مع انطلاقة العمليات لاستعادتها من تنظيم داعش".
ووفقاً لشهادات نازحين من الموصل تمكنوا من الهرب أخيراً بعد تراجع التنظيم وتقدم القوات العراقية نحو مناطقهم، عرض "داعش" منذ أيام على السكان مقاطع وتقارير مصورة في الشوارع عبر شاشات عرض، تظهر ما تعرض له سكان الفلوجة من انتهاكات بحقهم من قبل المليشيات، مشيعاً بين السكان مشاعر الخوف من الهروب نحو القوات العراقية.
وكان سكان من مدينة الفلوجة وأقضية تابعة لها أكدوا تعرضهم للتعذيب على يد المليشيات وأن المئات غيرهم قتلوا لأسباب طائفية بعد سيطرة القوات العراقية والمليشيات المرافقة لها على مناطق في الفلوجة.
ويروي شهود العيان أنفسهم، في أحاديثهم لـ"العربي الجديد"، أن عناصر "داعش" حذروهم من الانجرار وراء دعوات القوات العراقية التي تصلهم من خلال منشورات ترمى من الجو، وتطالب أبناءهم المنتمين في صفوف التنظيم بالانفصال عنه.
يقول أحد هؤلاء الشهود ويدعى أبو محمد النعيمي، لـ"العربي الجديد"، إن عناصر "داعش"، وفي صيغة تهديد ووعيد، كانوا يحذرون السكان من الهروب من المدينة، وأن القتل مصير الهاربين. ويشير إلى أنه كان شاهداً على مقتل عائلة من 7 أشخاص رمياً بالرصاص بينهم 3 أطفال صغار، كون أفرادها حاولوا الهروب. ويلفت النعيمي إلى أن أهالي مدينته يدركون جيداً بأن معركة الموصل ستكون "الأقوى والأشرس والأكثر دموية"، مبيناً أن "أفراد داعش لم يتوقفوا أخيراً عن التحركات الغريبة، وكان واضحاً أنهم يجرون تدريبات ويتهيؤون للمعركة".
وكان وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، قد أعلن يوم السبت الماضي، عن إطلاق عملية تحرير مدينة القيارة جنوب الموصل التي وصلتها القوات العراقية، والتقدم نحو مناطق أخرى فيها في وقت تشهد فيه المنطقة معارك بين القوات العراقية وعناصر "داعش".
ووفقاً لما تحصلت عليه "العربي الجديد"، فإن سكاناً من الموصل أوصلوا رسائل للقوات العراقية تطالبها بالإسراع في "تحرير المدينة"، مؤكدين أن عناصر "داعش" يمرون بفترة سيئة، لكنهم طلبوا عدم مشاركة المليشيات في المعركة.
وبحسب ما يشير إليه نازحون في أحاديثهم لـ"العربي الجديد"، فإن "داعش" يواجه مشاكل عديدة أبرزها الانشقاقات بين صفوفه، وخشيته من انقلاب بعض عناصره عليه.
وبحسب عمر الطائي، أحد النازحين الذين غادروا الموصل، فإن "داعش يعلم جيداً أن هناك نسبة كبيرة من عناصره انضموا إلى صفوفه لحاجتهم الماسة إلى عمل، وهؤلاء سينقلبون ضده في أي لحظة". ويقول الطائي إن سكان الموصل "يخشون مشاركة المليشيات مع القوات العراقية في المعركة، وهناك من يقولون إنهم لن يسمحوا للمليشيات باقتيادهم وتعذيبهم، ويؤكدون انهم سيقاتلون إلى جانب داعش إن دخلت المليشيات الموصل"، على حد وصفه.
ومنذ نحو أسبوع، بدأت عوائل القرى التي يتم تحريرها في جنوب الموصل بالنزوح نحو مخيمات اللجوء التي أنشئت في مناطق تابعة لإقليم كردستان شمال العراق. وكانت وزارة الدفاع العراقية قد أعلنت في بيان أصدرته يوم السبت أن قيادة عمليات تحرير نينوى، ومنذ ساعات الفجر الأولى ليوم السبت، استقبلت 800 نازح من المدنيين الذين تركوا قراهم هرباً من "داعش".
ويقول نازحون إنهم على علم بمعركة الفلوجة وتقدم القوات العراقية فيها، وهو ما كان "يعطينا أملاً كبيراً بأن موعدنا مع التحرير بات قريباً، لكنه في نفس الوقت كان يشعرنا بالرعب؛ فالموصل ليست كالفلوجة" بحسب الحاج جاسم الجبوري. ويوضح الجبوري، في حديث لــ"العربي الجديد" أن "الكثير من أحياء الموصل مكتظة بالسكان والأبنية، وإن تلقت بعض هذه الأحياء صاروخاً واحداً فستكون هناك كارثة ومقتلة، وهذا هو الفرق بين الموصل والفلوجة". ويضيف "نحن هربنا من داعش لأننا رافضون له ولوجوده بيننا، وهو حال جميع أهالي الموصل، الذين ينتظرون فرصة الخلاص منه، لكن المعارك إذا تحولت إلى داخل الموصل، فسيكون حطبها الأبرياء".
ويتحدث النازحون عن بعض مما كانوا يعانونه تحت سلطة "داعش"، لافتين إلى أنه يفرض قوانين قاسية، كما أنهم تضرروا كثيراً بسببه. ويلفت صالح العباسي، وهو أحد النازحين، إلى أن "الأمراض والبطالة والفقر كانت الأكثر انتشاراً في المدينة". ويضيف "الناس في الموصل يعانون من مشاكل مختلفة لكن لا حيلة لهم". ويعتبر العباسي أنه على الرغم من ذلك سيكون من الأفضل عدم قصف المدينة، "ففي كل حي صغير منها عشرات الآلاف من المدنيين" بحسب قوله. ويشير العباسي إلى أنه قبل هروبه بأيام كان في وسط الموصل، وعلم بوجود تحضيرات من قبل عناصر "داعش" لمواجهة هجمات ضدهم، مضيفاً "الناس هناك أيضاً كانوا يبدون خوفاً من الأيام المقبلة، ولا سيما أن داعش يتخذ مقرات له في داخل أحياء المدنية".
وفي السياق، يقول مصدر أمني في وزارة الداخلية العراقية لـ"العربي الجديد" إن معلومات استخبارية دقيقة تصل إلى مراكز القيادة تتعلق بمعلومات عن تحركات عناصر "داعش" في الموصل.
ووفقاً للمصدر نفسه، فإن "كبار قادة التنظيم يتواجدون في الموصل"، مشيراً إلى أن من بينهم زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي.
ويشير المصدر إلى أنه "الأسبوع الماضي، وقبل انطلاق معركة القيارة، كان البغدادي موجوداً في مناطق بجنوب الموصل، ووجه القيادات التابعة لداعش بتعليماته، وأعد خطة أساسية وخطط بديلة في مواجهة القوات العراقية"، على حد قوله. وبحسب المصدر، فإن "البغدادي، ولأجل ذلك، استعان بقيادات من الضباط والمقاتلين القدماء في صفوف التنظيم، بعضهم كانوا في سورية"، مضيفاً "هم يعلمون أن المعركة ستكون حاسمة".