أن تعبر كل القارات

15 فبراير 2016
مقطع من "غرفة مظلمة"، نوف السماري، السعودية
+ الخط -


فكرة حصر الفن باعتباره انعكاساً لثقافة كاملة من بلد هذا الفنان أو ذاك، أو حتى تقييده بكل التداعيات التي يستوجب تفسيرها بشيء من جنسية صانعه، كأن تُعامل بشيء من العمومية العاطفية كالكراهية أو التعاطف أو التعالي وما إلى ذلك من النمطيات التقليدية في التعامل بين الدول والجنسيات والأديان؛ هي محاولة أخرى للتعليب والحبس داخل إطار محدود.

لا أنكر أنّه لا بد من تسربات الجذور، التي تعلق في عملية ذلك الخلق الفني، كشيء من معطيات النشأة والأرض والهوية. ولأنها الأرض يكون الفن إرثاً لها وللإنسانية جمعاء وعلى مرّ العصور.

لا أحاول هنا عزل الفن عن أي أرض، بل على العكس، إن ما أود طرحه هو أشبه باقتراح بأن نخلع عنه الحدود حتى لا تتأصل فكرة أن يكون انتماؤه وتفسيره محدداً بمعطيات ذات إشارة واحدة. ولتكون هذه المعطيات، بشكل لاحق، عبئاً على الفنان نفسه وتحصره وتقيّده بطريقة ما، وليُفَسّر عمله بطريقة ضيقة الأفق.

يأتي التفسير العملي والغالب، في أن فكرة التأطير تترجم لكونها لازمة أو ذات دواعٍ تسويقية، ربما لإكساب ذلك العمل الفني شيئاً من الزخم التجاري المطلوب من وراء مرجعية الأوراق الثبوتية للفنان، أو حتى إنقاصه حقّه ربما، أو ليأخذ شكلاً من أشكال الأدلجة أحياناً في التعامل.

في كل الأحوال، وأياً كان الأمر، يظل أجمل تقديم للفن وأهمه، هو الذي يأتي متفرّداً متخففاً من كل تفاصيل الحياة الاعتيادية، والذي يتكوّن كصنعة من صنعات الجمال، حتى لو تخلّلت مرجعيات الجذور أشياء من ذلك الصنيع.

في النهاية الفن الذي نصنعه ونطلقه نحو السماء لينعش كل الأرض ويصل إليها من كل أطرافها، هو التعبير الوجودي في ألمع حالاته، والذي يجرّب أن يفسّر شيئاً من الصور التي تأتي من أبعد أبعاد العمق داخل نفس وذاكرة الإنسان.

وكما قال أدونيس: إنك أنّى سافرت وأينما اتجهت، تظل أعماقك هي أبعد مكانٍ تسافر إليه. حتى في تلك الرحلة إلى الأعماق تَشكُل الأشياء وتشابكها وتفاسيرها، وإن اختلف، يظلّ دائماً هو أعمق رابط يتقاطع فيه البشر بشكل عام، ومن كل شبرٍ على هذا الكوكب.

إن خلق الجماليات وإكسابها مساحة لونية متناغمة وخاصه من بعد أن نتأملها، ليست فكرة مؤقتة فقط، بل هي تجربة ممتدّة تنمو وتتبدّل وتتشكّل بيد كل إنسان؛ كيفية استقباله لها، وكيفية تعامله معها، ثمّ كيف يستوعبها ليعود فيبثها مرة أخرى بأي شكل من أشكال التعبير الإنساني، وبكل اختلاقاَتها واختلافاتها وكل ما يشحن الحواس ويغمرها بذلك الشعور التخفّفي الذي يُكسب العالم صورةً أوضح، صورة واسعة وممتدّة لا حدود لها.

(فنانة تشكيلية سعودية)


اقرأ أيضاً: التخلي عن اللوحة

المساهمون