مع عبارة "فوتوغرام حكائي" المكتوبة على الغلاف، يحيل القاص المغربي أنيس الرافعي قارئه إلى صور متعددة في مجموعة "مصحة الدمى" (دار العين). يستطيع القارئ إذن أن يتخيل مع عنوان كهذا وعبارة دالّة صوراً كثيرة: دمى مكسّرة ومجبّرة أو مفقوءة الأعين ومقطوعة الأطراف، يمكنه أيضاً افتراض أسرّة متراصة في مصحة مهجورة ترقد عليها عشرات الدمى.
وفي تمهيد بعنوان "النسيجة"، يأخذ الرافعي قارئه في رحلة داخل عقله ويتحدث عن كيفية حدوث البناء القصصي للمجموعة، ثم ينتقل ليتناول كيف أصبحت الدمى على مدار سنوات موضوعاً مشوقاً للحكايات الأدبية.
ويتساءل الرافعي إن كانت: "شكلاً متغيراً وطاعناً في الرمزية للروح الملتبسة الكسيرة، دمية الدواخل الإنسانية المتحركة التي لا نجتهد في رسمها كي لا تكون صورة دقيقة عن دمية الخوارج الصماء التي يمثّلها جسدنا المعطوب؟".
بالنسبة للجزء التالي من الكتاب والمعنون بـ"مدونة الدمى" يمكن اعتباره بحثاً صغيراً ومكثفاً في عالم الدمى في ثقافات الشعوب، وفيه يصف الكاتب أشكالها ويحكي عن تاريخ صناعة كل نوع وأصله في الثقافة التي ينتمي إليها وكيفية صناعته.
البحث في حد ذاته ممتع ويعمل كمقدمة يسرّب الرافعي من خلالها عالم الدمى بالتدريج إلى عقل القارئ قبل أن يبدأ في سرد الحكايات حوله، إذ تضم المجموعة سبع قصص أو "أجنحة" وفق تعبير الكاتب، وهي: جناح الغصص، جناح الأورام، جناح الهلاوس، جناح العاهات، جناح الشظايا، جناح الفصام، جناح العدم.
يبدأ الرافعي الرحلة في أجنحة مصحة الدمى بلغة مكثفة وكابوسية تلف السرد الذي يتشح بالغموض، ويحدث في غرف سرية ودواليب تتبدل بها الثياب كتبدل مصائر البشر وورق اللعب. نوع من التشويق الذي يدفع كل من يقرأ إلى التفتيش والبحث بين أرفف دواليبه الشخصية والتحديق للتأكد من خلوها من أيّ متعلقات لا يعرفها أو أشباح لدمى تستلقي في دولابه من دون أن يعرف عنها شيئاً.
الكاتب في هذه المجموعة لا يدلّل القارئ أو يربت عليه، بل يصدمه بالحدة والصور المؤلمة ليسحبه إلى عالم من الأجواء الكابوسية تتكلم فيها الأشباح/ الدمى عن أمنياتها: "لَكَم حلمت بأن يفتك بي ذات حنانك الوجيز وغرامك القاتم، لكم حلمت بأن تخيط بالمخرز المعقوف ذاته شفتي، وتقلع بذات المخرز المعقوف عيني، لكم حلمت بأن تقيّد معصمي بذات الأغلال، لكم حلمت بأن تدق المسامير ذاتها في كعبي قدمي".
يصعب على القارئ أن يظل خارج الحكايات بعد كل هذه الصور الغامضة إلى جانب استخدام الكاتب لضمير المتكلم أحياناً وصيغة المخاطب أحياناً أخرى، ما يعزز دخول القارئ في أحداث الحكاية ليصبح جزءًا منها وتصبح هي جزءًا من أحلامه ومخاوفة وهواجسه واضطراباته.
يمكن القول إن هذه المجموعة هي مواجهة مع مخاوف مختلفة وفي أماكن يومية متعددة، الخوف في المنزل، الخوف في الشرفات، في الخزائن، في الصور المعلقة على الجدران، الخوف في عالم اللُعَب التي تتحول إلى أرواح هائمة في حكايات الرافعي التي احتوت أيضاً على صور ورسوم توضيحيه بسيطة تعزز من تجربة الفوتوغرام.