أنور سونيا.. حوار هادئ مع اللوحة

02 مايو 2018
(أنور سونيا)
+ الخط -

ارتبط التأريخ لبدايات الحركة التشكيلية في عُمان بمجموعة من الفنانين، من بينهم الفنان التشكيلي أنور سونيا (1948) الذي تمتدّ تجربته إلى أوائل السبعينيات من القرن الماضي. عن مجمل هذا المشوار جرى تكريم سونيا مؤخراً في "مؤسسة بيت الزبير" في مسقط، وقد عرضت المؤسسة بعضاً من أعماله ضمن مقتنياتها مع مجموعة من أعمال فنانين عُمانيين آخرين.

"العربي الجديد" التقت بـ سونيا الذي أبدى ارتياحه للفتة الرمزية، مشيراً بنبرة أسى إلى زملائه من مؤسسي الحركة التشكيلية في السبعينيات وفيهم من قضى نحبه أو اعتزل الفن ولم يحظ بأي تكريم أو اعتراف، من قبيل حسن عيسى ومنير صادق وموسى المسافر، وحتى في الجيل التالي كرابحة محمود، ورشيد عبدالرحمن، ومريم الزدجالي، والأخوين الحنيني.

مثّل التراث ثيمة أساسية رافقته طوال مشواره، وهو يراه اليوم أمام تحديات كبيرة في عصر التطوّر والتمدّن والتكنولوجيا. يعود سونيا بذاكرته إلى السبعينيات، فيقول: "كانت مسقط القديمة عامرة بالألوان، وتكاد تشبه حارة من فرط تقارب البيوت والناس. وكثيراً ما كانت تسحرني طريقة تهندم المرأة، وكذلك البحر والميناء والسوق التقليدي والرقصات الشعبية، وكانت هناك بيوت تراثية مثل بيت العصفور، وفي هذا الوسط عشت فترة شبابي المبكرة التي تزامنت مع بداية تجربتي الفنية، حيث اشتغلت على البورتريهات والمناظر الطبيعية والمباني ذات الشناشيل الخشبية والتي لا تزال أطلالها باقية إلى اليوم".

ورغم أن التشكيلي العماني قد جدّد أسلوبه خلال العقود التالية، فانتقل من الواقعي الانطباعي إلى الواقعي التجريدي وصولاً إلى "فن الفيديو"، إلا أن اللوحة ظلّت محمله الأساسي، يقول: "اللوحة أكثر خلوداً ولا زلت مصراً على الريشة والقماشة والألوان، فأنت حين ترسم تعيش حالة حب، أشبه بفن المغازلة، ذلك أن رسم منظر ما يحتاج إلى إسقاط المشاعر والتجربة على ذلك المنظر، ولا بد للفنان من أن يجلس مع اللوحة ويفكر وكأنه في حالة حوار هادئ مع حبيبته، فيقوم بالتشطيبات والتغييرات ويتعامل مع جميع الألوان بود ومحبة كي لا يأخذ أحد الألوان على خاطره منك مثلاً".

من جهته، يقول الشاعر سماء عيسى في شهادة عن سونيا: "هو فنان عاشق للوجوه، لذلك تألفه منذ الوهلة الأولى، ولكي تصل الى روحه عليك أن تذهب إلى الحارة، إلى السوق الشعبي، إلى الأمهات والأرامل، إلى الصيادين والفلاحين، وقبل كل هؤلاء اذهب إلى الأطفال، لأن سونيا ما زال طفلاً بعد، لم يخرج من براءته الأولى وعوالمها المدهشة والغريبة".

ويضيف عيسى: "مرّت وجوه الفنان بعدة مراحل، أبرزها الوجوه المتعبة واضحة التقاطيع بفعل الزمن، لكنها تشع بريقاً وأملاً من خلال الإيحاءات النفسية كحركة الريح وعذوبة الهواء، صداح الطير وبكاء الطفل، وعندما تودعها ينتابك ذلك الإحساس العميق بالفقد، فقد أمك العجوز، جارتك، بيتك القديم، مراتع الصبا، الحارات وأزقتها".

أما المرحلة الثانية فقد تميّزت بحسب عيسى بتجريديتها، حيث "تغيب ملامح الوجوه وتنمحي آثارها الأولى، ورغم أنها تشارك وجوه المرحلة الأولى ذلك الشعور بالعذاب، إلا أن ملامحها توحي بهدوء صوفي تشبه تجربة الفنان الأرمني الفلسطيني بول غيراغوسيان، العودة الى الكائنات الشبحية في إطار من الظلال السوداء والبيضاء، فيما تأثر الفنان في مرحلته الأخيرة بالتراث البوذي، إذ لم يعد يحفل بملامح الوجوه كثيراً، ذلك أن الإنسان في النهاية ذرة في كون يتسع لمخلوقات تتحوّل من شكل لآخر، من الحياة إلى الموت ومن الموت الى الحياة" على حد تعبيره.

من جانبه، يقول الفنان سليم سخي: "ساهم سونيا منذ بداية سبعينيات القرن الماضي في تشكيل وإثراء المشهد التشكيلي العُماني المعاصر منذ بداياته، وتنوّع عطاؤه الفني ولم يتوقف عند إنتاج أعمال فنية، بل تعدى ذلك بأن كرّس جلّ وقته في بناء جيل من الفنانين الشباب من خلال تجاربه الفنية المتجددة التي شكلت مصدر إلهام للأجيال الجديدة حتى اليوم".

المساهمون