أنفاق الإسماعيلية... التفاف على معاناة أهالي سيناء

11 مايو 2019
رفع الحصار أفضل للسكان (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

يشهد التعاطي الرسمي المصري مع أهالي سيناء ازدواجية واضحة، فمن جهة يستمر القمع والحصار، ومن جهة أخرى، يُحتفى بمشاريع يستبعد الأهالي أن تكون لصالحهم

في الوقت الذي يحتفي فيه النظام المصري بأنفاق الإسماعيلية التي تربط بين شبه جزيرة سيناء ومحافظتي الإسماعيلية وبورسعيد، باعتبارها إنجازاً لصالح سيناء، وعلى طريق تنميتها، ما زالت شبه الجزيرة، خصوصاً محافظة شمال سيناء، تعيش في بحر من الأزمات التي أوجدها النظام الحالي. أزمات يتطلع المواطن السيناوي إلى حلّها، وعودة حياته إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب العسكري صيف عام 2013، بعيداً عن المشاريع التي يجري الترويج لها من دون أن تعود بالفائدة على الأهالي.




وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد افتتح، الأحد الماضي، عدداً من المشاريع التي تربط سيناء بدلتا النيل، وعلى رأسها أنفاق مدينتي الإسماعيلية وبورسعيد التي تربط شرق قناة السويس بغربها، بالإضافة إلى عدد من الجسور (الكوبريات) العائمة بهدف تسهيل حركة عبور المواطنين والبضائع من سيناء وإليها. وأكد السفير بسام راضي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، أنّ الأنفاق تربط أرض سيناء بكلّ أنحاء مصر لتلبي متطلبات التنمية في تلك البقعة الغالية ولتمثل شرايين حياة جديدة لتسهيل حركة النقل والتجارة من سيناء وإليها، وسترفع المعاناة عن المواطنين لتختصر الأنفاق الجديدة زمن العبور بين ضفتي قناة السويس إلى 10 دقائق فقط، بدلاً من التكدس المروري، والانتظار عند المعديات لمدة طويلة تصل إلى أيام، مشيراً إلى أنّه لم تكن هناك محاور للربط بين سيناء والوادي إلا نفق وحيد هو "نفق الشهيد أحمد حمدي" بالإضافة إلى جسر السلام في مدينة الإسماعيلية، والمعديات، وهي المحاور التي لم تعد تستوعب تطور حجم الحركة والنقل من سيناء وإليها. وأوضح راضي أنّ الأنفاق ستفتح آفاقاً جديدة للبناء واستصلاح الأراضي في أرض سيناء، مشيراً إلى أنّها تحقق عوائد اقتصادية ضخمة، لأنّ المشاريع ستسهم في سرعة تنمية سيناء واكتشاف واستغلال ثرواتها، وربطها ببقية محافظات مصر.

في المقابل، شكك سكان محافظة شمال سيناء، في أن يكونوا المستهدفين من هذه المشاريع الجديدة التي شيدها النظام الحالي، في ظل التعامل الخشن الذي ما زالوا يتلقونه منه منذ ست سنوات، وحالة الإهمال الممتدة منذ عقود لسيناء وأهلها على يد كلّ الأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر، وخصوصاً أنّ مطالب سكان سيناء تتلخص في العودة إلى حياتهم التي اعتادوا عليها قبل الانقلاب العسكري، من خلال عودة المهجرين، وفتح الطرق أمام حركة المواطنين، وتسهيل الحركة الاقتصادية، وتخفيف القيود الأمنية، ومعاملة أبنائها كما بقية أبناء المحافظات الأخرى، والاهتمام بالملفات الصحية والتعليمية في المحافظة، ووضع سيناء على سلم أولويات الحكومة المصرية، وغيرها من مؤسسات الدولة.

يقول أبو أحمد حسين، أحد وجهاء مدينة العريش لـ"العربي الجديد" إنّ "سيناء اعتادت السماع عن مشاريع التنمية لصالحها، لكن على أرض الواقع لا نرى سوى الدمار والتخريب، وهذا ما تثبته الحقائق على مدار العقود الماضية، ففي الوقت الذي لا يجد فيه ابن سيناء قوت يومه، ولا وقود سيارته، ولا فرصة عمل، تتحدث الدولة المصرية عن مشاريع قومية لتنمية سيناء". يتابع: "يترافق هذا مع آلة الحرب التي يقودها الجيش المصري، والتي دمرت كلّ معالم الحياة في شمال سيناء على مدار السنوات الست الماضية، من خلال هدم المنازل والمدراس والمراكز الاجتماعية في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وكذلك تجريف الأراضي الزراعية وهدم آبار المياه بشكل متعمد لإنهاء الحياة في المناطق النائية، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية من شبكات مياه وكهرباء واتصالات، ما أرجع سيناء عقوداً إلى الوراء".



يضيف حسين أنّ سيناء لا تطلب الشيء الكثير، بل تحتاج إلى أن تُترك في حالها، لتعود إلى ما كانت عليه، وأن تُرفع يد الأمن عن الحياة اليومية للسكان، بما يمكّنهم من ممارسة أعمالهم وتجارتهم بحرية، مشيراً إلى أنّ الأحداث على الأرض تؤكد أنّ الدولة المصرية تريد تدميراً لاقتصاد وحياة سيناء. ومن أبرز تلك المعالم، تعطيل عمل صيادي سيناء شهوراً طويلة والسماح لصيادين من محافظات أخرى بالصيد في بحر سيناء، وعدم السماح بإدخال البضائع إلى سيناء إلا بتنسيق مسبق وكأنها دولة أخرى، وكذلك احتياج السائقين إلى الوقوف في طوابير طويلة من أجل تزويد سياراتهم بالوقود اللازم للعمل، وهذا ما لا يحدث في أيّ محافظة مصرية أخرى، وكذلك تجريف الأراضي الزراعية والمراكز التجارية كالمصانع في مناطق متفرقة من سيناء، ما عطّل مصدر دخل آلاف السكان، من دون وجه حق أو تهمة تستدعي كلّ هذا التعامل الخشن مع مواطني سيناء.

بدوره، يقول باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد" إنّ النظام المصري يظهر عكس ما يبطن في ملف سيناء، ففي الوقت الذي يعمل على إبراز هذه المشاريع القومية الكبيرة، فإنّ آليات جيشه تعدم كلّ أشكال الحياة في أهم نقطة لخط الدفاع الأول لمصر المتمثل في شمال سيناء، من خلال تهجير السكان بشكل قسري، وهدم كلّ مظاهر الحياة في تلك المناطق، بحجة محاربة الإرهاب الذي ما زال نشطاً بالرغم من كلّ العمليات العسكرية التي خاضها الجيش المصري على مدار السنوات الماضية. يضيف أنّ النظام المصري يسعى إلى إظهار صورة تفيد بأنّه متمسك بسيناء وأهلها، في حين كثر الحديث غير المؤكد عن مخطط دولي في إطار صفقة القرن، ستكون سيناء إحدى النقاط المهمة في تنفيذه.

يشير الباحث (فضل عدم الكشف عن اسمه) إلى أنّ النظام المصري يغش الشعب في حديثه عن تنمية سيناء، فهو حينما يقول تنمية شرق القناة، فهذا يعني الإسماعيلية الجديدة والمناطق الواقعة ما بين قناة السويس ومحافظة شمال سيناء، مع العلم أنّ أهم المناطق التي تحتاج إلى التنمية تتمثل في مدن محافظة شمال سيناء كالعريش والشيخ زويد ورفح، وكذلك مناطق وسط سيناء، التي ما زالت تعاني من نقص في الاحتياجات التعليمية والصحية والاقتصادية والاجتماعية منذ عقود، وزادت أزمتها في هذه الملفات وغيرها في الأعوام الستة الماضية. يوضح أنّ حالة التطبيل التي تسود إعلام النظام المصري، ومؤسساته، تشير إلى أنّ ثمة أهدافاً أخرى تقف وراء هذه المشاريع التي يحاول فيها النظام إظهار رغبته في تنمية سيناء، من دون تحديد مناطق التنمية، ومساحتها، ونطاقها، في الوقت الذي لا تحتاج فيه مناطق واسعة من سيناء لغير تخفيف الحصار الذي يفرضه الجيش والسماح بحرية الحركة، وليس بناء أنفاق وجسور.




تجهيزات حديثة
أنفاق الإسماعيلية وبورسعيد الخمسة، مجهزة ببوابات إلكترونية لتفتيش السيارات على أحدث مستوى عالمي. وتبلغ القدرة الاستيعابية لعبور السيارات للنفق الواحد 50 ألف سيارة في اليوم. تمت مراعاة تجهيز الأنفاق بأحدث منظومة لإطفاء الحرائق، إذ تجري السيطرة على أيّ حريق، قد ينشب، خلال 3 دقائق فقط، وإخماده ذاتياً.