"هذه المرّة الأولى التي أزور فيها مدينة تحت الركام"، تقول أندريا كاسترو فياجانتيه، الطبيبة البرتغالية التي قرّرت السفر من لشبونة إلى العاصمة اللبنانية بيروت لتضميد جراح أهل المدينة.
يوم الثلاثاء في الرابع من أغسطس/ آب 2020، كانت أندريا تعالج مرضاها في مستشفى في لشبونة. في اليوم ذاته، كان الأطبّاء والمسعفون في بيروت يداوون ضحايا انفجار مرفأ بيروت على الأرصفة، وفي الشوارع.
وصلت أنباء وقوع الانفجار المدوّي إلى لشبونة. أمضت أندريا ساعات طويلة تحدّق بمشاهد الخراب التي بثّت مباشرة من بيروت. قرّرت بعدها، وللمرة الأولى في مسيرتها المهنية، أن تتطوّع لمساعدة ضحايا الانفجار.
فور اتخاذها قرار السفر إلى لبنان، وبعد رفض السلطات اللبنانية الدعم الذي اقترحت تقديمه دولة البرتغال، معتبرة أنّها لم تعد بحاجة لمساعدات طبيّة، اتصلت أندريا بصديقها المقيم في لبنان وهو مصوّر صحافي برتغالي.
"طلب منّي صديقي ألّا أصدّق أي شيء تقوله السلطات اللبنانية وأنّ مأساة لبنان أكبر بكثير مما يظهر في الإعلام"، تقول أندريا، لـ"العربي الجديد"، مضيفة: "قال لي ألّا أتردد في المساعدة إن كنت قادرة على ذلك".
وبالفعل، حجزت أندريا تذكرة من لشبونة إلى بيروت، حزمت أمتعتها وحطّت في بيروت يوم السبت ظهراً.
إلى جانب كونها طبيبة، تمضي أندريا، البالغة من العمر 34 عاماً، أيامها في السفر من مدينة إلى أخرى، وتوثيق رحلاتها في مدوّنة إلكترونية خاصة بها.
تشير أندريا إلى أنها زارت أكثر من ستين مدينة ودولة، لكنها المرّة الأولى التي تسافر فيها كطبيبة لا كسائحة. وعلى الرغم من أنّها وصلت إلى بيروت بعد أربعة أيام على وقوع الانفجار، إلا أنّ قدومها كان مفيداً.
تشرح أكثر قائلةً: "عوضاً عن معالجة المصابين من جرّاء الانفجار، عالجت المصابين جرّاء العنف الذي استخدمته السلطة ضدّ الناس، يوم السبت الماضي في الشارع".
مع ذلك، تطوّعت أندريا لمعالجة مصابي الانفجار بالتعاون مع منظمة "إنارة"، التي نصبت خيمة إسعاف في ساحة الشهداء وسط العاصمة. تقول أندريا إنّها عالجت بعض المصابين الذين كانوا يعانون من إصابات طفيفة، لم يجدوا مكاناً لهم في المستشفيات بسبب اكتظاظها، فيما عولج آخرون بشكل سريع جداً ما أدّى إلى التهاب جراحهم.
بعد مرور ستة أيام على قدومها إلى بيروت، تقول إنها بحاجة لاستيعاب كلّ هذا الدمار الذي تعيش وسطه قبل أن تتمكن من فهم التجربة والحديث عنها. لكن الأكيد، بالنسبة إليها، أنّ تجربة قدومها من بلد لا يعاني الحرب ولا الفساد إلى بلد يتجلّى فيه غياب الدولة إلى أبعد الحدود، هي تجربة فريدة ومحزنة.
تتحدث أندريا عن غياب الدولة كمشهد حاضر أمامها: "رأيت الناس في الشوارع تنظف الأرض وتمسح الغبار عن الأرصفة، وتضمّد جراح المدينة، لكنني في المقابل، رأيت جنوداً وعساكر مسلّحين لا يقومون بأيّ عمل سوى مراقبة الذين يعملون للنهوض بالمدينة".
وعن بيروت التي لم تعرفها سوى تحت الركام، تقول أندريا إنّ صورة أهل المدينة التي طبعت في ذهنها، كفيلة بجعل هذه المدينة جميلة رغم الدمار والخراب.