أنخيلس مورا.. صوت السيدة التائهة

28 نوفمبر 2016
(الشاعرة)
+ الخط -
تبدو أنخيلس مورا (قرطبة، 1952) في مجموعتها الأخيرة "تخيّلات لأجل سيرة ذاتية"، وكأنها تتحرّك في مساحات من الماضي وهي تتبّع خيط سيرتها الذي لا تزال تمسك بطرفه في يدها. لكن هناك ما يتجاوز هذا "الافتراض" بالتأكيد، هناك ما هو أكثر عمقاً وجمالاً، شيءٌ يشبه خطوات هائلة تخطوها الشاعرة، لكن نحو الأمام في جولتها تلك، إلى الطفولة والسينما والطاحونة والصيف و... تمتزج هذه السيرة بالخيال، فالذاكرة وحدها غير مخلصةٍ بطبيعتها، لتبدو رحلةً تأخذ مورا إلى أماكن لا وجود لها إلا في آتٍ مُتخيّل قد تمرّ منه سيرتها في يومٍ ما.

في كتابات الشاعرة، التي حصلت على "الجائزة الوطنية للشعر" مؤخراً عن مجموعتها المذكورة، يحضر الواقع التأمّلي، كما تسميه مورا نفسها، وهو واقعٌ تسعى إلى استخدامه لمساءلة الحياة وتقسيمها إلى مراتب في كل شيء؛ واقع يفحص الحياة بعدسة ضخمة ويعرّيها. في قصيدة "الجحيم هي في داخلي" تقول: (اسمي هو الصحراء التي أسكنها / منفاي، هو ما سعيت إليه بنفسي. / لم أستطع أن أعرف نفسي في هذا العالم / المقفر،/ هائل الاتّساع والبعيد جداً). تبني مورا عالماً غير مستقرٍ مادّته الخام هي قيمة المشاعر ومكانتها. في كثير من قصائدها يقف الألم بوجوهٍ كثيرة أمام الأشياء ينظر إليها مثلما تحدّق عين وحيدة ثاقبة، بدءاً بالتفاصيل اليومية الصغيرة وحتى أحجية الكتابة نفسها ولاجدواها.

لم تكن الشاعرة تنتظر هذه الجائزة التي وصفت لجنة التحكيم مجموعتها بأنه عمل يعمّق الخط التيماتي لليومي، ولفتت إلى قدرة قصيدتها على التعبير عن "حقيقة الإحساس المؤلم والمضيء، إذ لفتت مورا إلى أن عملها الشعري "مثله مثل كل الأعمال السيرذاتية التخييلية، فالأمر يتعلّق بتمرين للذاكرة ليس فقط على سبر أغوار الماضي وإنما الحاضر أيضاً، إنه تفكير تأمليّ عن الحياة".

من جهة أخرى، وعلى الرغم من رفض مورا تصنيفها ضمن الكتابة النسوية في المشهد الشعري الإسباني، فإن هذا لا يعني خلوّ قصائدها من مضامين نسوية، حيث نقرأ في هذه المجموعة الملمح الاحتجاجي النسائي في قصيدة مهداة إلى الشاعرة القرطبية خوانا كاسترو (1945) لما قدّمته لقضايا المرأة، فالشاعرة "تهرب من صورة المرأة كشيء لتجعلها صورة ذات".

وفي السياق نفسه، حضر صوت مورا في العديد من الأنطولوجيات الشعرية النسائية، مثل تلك التي أصدرتها دار هيبيريون (1997) بعنوان "لهُنَّ الكلمة" والتي جمُعت فيها أهمّ الأصوات الشعرية النسائية الإسبانية، من أمثال: آنا روسيتّي، بلانكا أندريو، أورورا لوكي، أولبيدو غارثيا بالديس، شانتال مايّار، خوسيفا بارّا، إسبيرانثا أورتيغا، ماريا سانث، لويسا كاسترو، إيماكولادا مينخيبار، أماليا باوتيستا، وغيرهنّ.

تنتمي الشاعرة القرطبية، إلى التيار الأدبي الذي انطلق -مطلع الثمانينيات- في غرناطة وضمّ شعراء مثل: لويس غارثيّا مونتيرو، وخابيير إيخيا، وألبارو سالفادور، وهو التيار الذي أطلق على نفسه في البداية تسمية: "جماعة الحساسية الأخرى"، قبل أن تتم مراجعة التسمية فيما بعد، ليُطلق مونتيرو والجماعة على تصورهم للكتابة: "شعرية التجربة".

لم يكن انتماء أنخيلس إلى هذه الجماعة انتماءً تبعياً أو عابراً، بل كان انتماءً فاعلاً، إذ تأسّس على قناعة واعية بدور الكتابة الشعرية هنا والآن. كشاعرة انتمت صاحبة "أغنية النسيان" (1985)، إلى تيار الحساسية الأخرى لأنها انحازت إلى التجديد في مسار الشعر الإسباني الذي يحتفي بالواقعية التأملية، وهذا يعني أنها كانت تفكر شعرياً بأن القصيدة يمكنها أن تستوعب بشكل ما تفاصيل من الحياة، وذلك من خلال التأمل والتفكير في الواقع وتغييره. وقد أصدرت مجموعتها الأولى "وأنا أفكر أن الطريق يمضي مستقيماً" (1982) في غرناطة في وقتٍ يكاد يكون متزامناً مع إصدار جماعة "الحساسية الأخرى" لبيانها الشهير.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها صاحبة "السيدة التائهة" (1990) على جائزة ذات مكانة في بلادها، فقد حازت على "جائزة النقد الوطنية للشعر" العام الماضي. وتعدّ هي وزوجها، أستاذ الأدب في جامعة غرناطة خوان كارلوس رودريغِث، الذي رحل في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، من أبرز من أثّروا في مسارات تطور الشعر الإسباني، كما يرى بعض النقّاد.

كانت الشاعرة قد حازت عام 1989 "جائزة رفائيل ألبيرتي" عن مجموعتها "حرب الثلاثين عاماً"، وكذلك "الجائزة العالمية للشعر" في مدينة مليلية عام (2000) عن "تناقضات وعصافير".


دلالات
المساهمون