مثل قافلة سيرك في القرن التاسع عشر، بدأت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، جولة مصمّم الباليه الألباني أنجلين برليوكاي (1957) في المغرب. جولة ينتقل فيها من وجدة إلى مكناس، فالرباط ثم تطوان، ليكون آخر عرض في الدار البيضاء، يوم 17 من الشهر الجاري.
يقدّم برليوكاي في هذه الجولة "القطع النيويوركية"، وهي عملية إخراج ضمن فن الباليه لعدد من مقطوعات الموسيقار الأميركي جون كايج، إضافة إلى أعمال كلاسيكية. يمثّل العمل للكثير من النقّاد قمّة فن برليوكاي؛ حيث وجد النقطة التي يمكن أن يرتكز عليها مشروعه. "لا نريد لهذا الفن أن يُلاحظ أحد بأنه خرج عن تقاليده، ولكننا نريد أن نجعل منه فنّاً معاصراً". يقول.
للوصول إلى هذه الغاية، مرّ الفنان الألباني بالعديد من المراحل. كانت نقطة البداية من موقع راقص، استفاد من تراث بلده الأم ووجد فضاءً مفتوحاً لتطوير مواهبه في بلد منشئه، فرنسا، حيث فرّ والداه كلاجئين سياسيين. لم يكن الباليه فناً قريباً من تصوّراته، إنه يبدو عالماً مغلقاً هيمنت عليه الموسيقى الكلاسيكية، وينظر إليه من خلالها؛ له جمهورٌ ثابت ينبغي أن يتوقّع المصمّم انتظاراته.
لعل ما دفعه إلى النظر صوب هذا الفن، هو رحلته الأميركية الأولى، بداية الثمانينيات، حيث وجد أن الرقص عموماً يمكن أن يتخلّص من الفصل بين التقليدي والمعاصر، وبين النخبوي والشعبي. وحين عاد إلى أوروبا، بدأ في تصميم رقصات تضرب هذه القطيعة. هنا، وجد برليوكاي صوته الخاص.
بسرعة، جلبت تصاميمه أنظار العديد من الفرق المسرحية الكبرى، إلا أنه سرعان ما اكتشف محدودية الأفق المتاح لو أنه ظل حبيس الطلبات. هنا، قرّر إنشاء "فرقة بريليوكاي" في 1985، والتي يجوب بها العالم اليوم برفقة 24 راقصاً.
قدّم أعمالاً مشتركة مع فنانين آخرين؛ منهم البريطاني غوران فيفودا في "مشاهد بعد المعركة" (1997) والفرنسيان فابريس هيبر "الفصول الأربعة" (2005) وجان بول غولتييه "بياض الثلج" (2008).
هناك الكثير من القراءات لمسيرة برليوكاي؛ ثمّة من يقول إنه لولا هذه القفزات الأشبه بخطوات رجل أعمال، لما تمكّن من بلوغ موقعه. مثلاً، لم يكن لتلك المشاهد التي صاغها بناءً على موسيقى أفلام أن تجد طريقها إلى الضوء، لو لم يكن صاحب الفرقة يفعل ما يشاء. هذه العقلية المغامرة هي أهم ما يميّز تجربة برليوكاي، حيث إن بقية الأفكار كانت جزءاً من سياق عالمي تبنّى الطموحات نفسها، في عدة فنون.
تنفتح قائمة أعمال المصمّم الألباني، التي تضم قرابة الـ 60 عملاً، على مناخات مختلفة، من التراث الكلاسيكي الأوروبي إلى الهند. لكن الأهم من ذلك، هو اشتغاله على فتح فن الباليه على إمكانية استلهام أعمال من خارج الدائرة الضيقة للأعمال السيمفونية الكبرى، فاتّجه صوب تجسيد مشهد مسرحية أو فيلم، دون أن يضع جانباً التراث الكلاسيكي؛ حيث تظل موسيقى موتسارت وفيفالدي من أركان عمله.
اقرأ أيضاً: جوزيف غيبونز: عملية سطو كفن أدائي