أنا مثلك.. مجرد إنسان

13 يناير 2015
+ الخط -

رمقني بنظرة، تحاشيته بابتسامة، مددت له يدي، انتظرت بادرته بتحية "بونجور"، اقتحمني بسؤال: ما اسمك؟ أجبته: اسمي محمد. في عيونه بحر من الشك، غارقة في صور ذهنية لا تنتهي. حاول أن ينكر، أن ينفي، إنني لست كذلك، لكن الحيرة سرقت من لسانه طلقات من الأسئلة: من أنت؟ من أين أتيت؟ ما قصتك؟ ما هويتك؟ هل أنت معهم؟ ما موقفك من الإرهاب؟ هل أنت مع الحرية؟ هل أنت مع القيم التي ناضلنا من أجلها قرونا قد خلت، ودفعنا في سبيلها الغالي والنفيس؟

أنا اسمي محمد.. من أصول عربية، مسلم، لكنني لست إرهابياً. أنا الساكن في تلك الضاحية الباريسية المتخمة بالعرقيات الملونة بالديانات والجنسيات. أنا من الجنوب، ذو السحنة السمراء، هربت بحقيبة أحلامي إلى دياركم، ديار "الحرية" و"المساواة" و"الإخاء"، أنا من آمن بقيمكم ومبادئكم السامية، ومن وجد نفسه أمام بصيص فرصة مزدحمة في طوابير الحصول على فيزا أو رخصة إقامة. أنا المتعلم المثقف، من وجد نفسه بلا قيمة في بلاده، لكنه ضحّى في بلادكم مقابل أي مهنة كانت وكيفما كانت. أنا من كنس لكم الشوارع، ومسح لكم زجاج البنوك والبوتيكات، وغسل لكم الأطباق والأواني. أنا من وجدتموني يبيع الورد الأحمر فوق جسر نهر "السين"، أنا من تعايش معكم، فطبخ لكم أشهى المأكولات المفضلة عندكم، وأتقن وتفنن في قواعد لغة موليير، واحتفل بأعيادكم، وشارككم الفرح والحزن، وناضل معكم في حماية المكتسبات التاريخية، وشجع منتخبكم الوطني، ورفع علمكم في الساحات والميادين.
أنا من تلك الشعوب التي كنتم تصفونها بـ"الهمج" و"الوحوش"، كافَحَت معكم، في الحر والقر، وفي أعالي الجبال العنيدة، قاوَمَت بعناد أعداءكم، حرَرَت بيوتكم من المغتصبين، استرجَعَت أراضيكم من سطوة نازية مريضة، وأضاءَتْ أنوار برج كان في عداد المنطفئين.
نعم، أنا من تلك الشعوب، من المسلمين المسالمين، من تتهمونهم بـ"الإرهابيين"، من دون فرز أو تمحيص. نحن من ذاق ويلات استعماركم الغاشم، وتدخلكم السافر. نحن من مات منا أعزل تحت قصف طائراتكم، من هرب من ويلات حروب ودماء، بحثاً عن محبة وسلام، لا عن كره وإرهاب.
نحن، الآن، من يدفع الثمن. فمهما استنكرنا ونددنا، مهما أقنعناكم وشرحنا لكم، مهما قدمنا من دوافع وحجج، سنبقى، في نظركم، موقوفي التنفيذ من تهمةٍ، لم تثبت إدانتنا فيها.
في تلك اللحظة، رمقني بتلك النظرة، أطلق لسانه لطلقة سؤال أخير، ما زال عالقا في قرارة نفسه.
هل تجرؤ على أن تحمل لافتة، مكتوب عليها: "أنا شارلي"؟
أجيبه..
أنا محمد.. هذا هو اسمي، من هناك أتيت، وفي دياريكم استقررت، مسلم، أحب التسامح، وأنبذ العنف والإرهاب، أحب الحرية. لكن، ليس على حساب ديني ومعتقداتي.
يرد عليّ بسؤال آخر: إذن، أنت لست مثلنا؟
أجيبه..
بل أنا مثلك، مجرد إنسان.

106CCB24-5626-4D9D-AE64-7CE670635586
106CCB24-5626-4D9D-AE64-7CE670635586
سعيد ولفقير (المغرب)
سعيد ولفقير (المغرب)