أنا زلاتان(10)...الهدف الذي أذهل أياكس لدفع 85 مليون كراون!

15 اغسطس 2015
+ الخط -

يستكمل"العربي الجديد"تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار الساحرة المستديرة وعالم نجومها، نستكمل سويّاً الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.

في تلك الرحلة، ونحن في الطريق، لم أكن أستوعب ما حدث، فكل شيء حدث بسرعة كبيرة.. قبل فترة بسيطة كنت فتى المشاكل في فريق الشباب، والآن كل شيء يدور حولي.. انطلقت أنا وهاس بورغ أولاً إلى مركز تدريب نادي أرسنال الإنجليزي.. عندما وصلنا، رأيت باتريك فييرا وتييري هنري وأيضاً دينيس بيركامب.. لكن الشيء الأكبر هو أنني رأيت أرسين فينغر.. وعندما دخلت إلى مكتبه أحسست بأنني مجرد طفل صغير.. كنت أنا ومعي هاس بورغ ووكيل أعمال نسيت اسمه.. فينغر كان يراقبني بنظرات حادة منذ أن دخلت. كان يحاول أن يكتشف شخصيتي مبكراً. إنهُ من نوعية المدربين الذين يحاولون أخذ نظرة مبدئية عن أي لاعب يراه. يحاول أن يكتشف هل هو ثابت عاطفياً، وأمور كثيرة كهذه.

لم يكن مباشراً، فكان يقف بعض الوقت، ومن ثم يذهب لمشاهدة الخارج من النافذة، ثم يعود لمكتبه، لكن بعد ذلك تحدث: "بإمكانك أن تذهب هُناك وتجرّب مع اللاعبين، بإمكانك أن تحاول"، هذه الكلمات زادت من حماسي فانفجرت: "أعطني حذائين، وسأتدرب أمامك، سأقوم بكل شيء بالطريقة الصحيحة".. ثم تحدث بورغ: "توقف، اهدأ.. هذا الأمر سنعمل على حله، أنت لن تتدرب، أبداً".. فهمت ما يقصده بورغ، لأنهُ بغض النظر عن رغبتي، مجرد التدرب مع النادي يجعلنا في موقف ضعف، لهذا عدنا لفينغر: "عذراً سيد فينغر.. لكننا لسنا مهتمين بهذا العرض".. دار بعض الحديث عن هذا الأمر بعض الوقت، لكنني متأكد بأنهُ كان القرار الصحيح في ذلك الحين.

عدت إلى معسكر فريقي مالمو.. فجأة ثلاثة أشخاص من أياكس يتابعونني.. مساعد المدرب أيضاً وصل إلى المعسكر.. وبورغ أخبرني بأن هناك أشخاصاً آخرين قادمين.. كنا سنلعب في اليوم التالي مباراة ودية ضد فريق نرويجي.. ولقد علمت بأن مدرب أياكس أدريانز والمدير الرياضي للنادي ليو بينهاكر سيحضران أيضاً.

لم أكن أعرف أي شيء عن ليو بينهاكر، لكن ما أدركته من النظرة الأولى هو أن بينهاكر شيء كبير حقاً.. لقد كان يرتدي قبعة كبيرة تحت أشعة الشمس ويدخن سيجاراً عريضاً.. كان بشعر أبيض، كان يبدو بأنهُ يجمع بين الهدوء والقوة.. كان يشبه في الحقيقة رجال المافيا، وأنا أحب ذلك.. فهذه هي النوعيات التي نشأت معها.. ولم تفاجئني إطلاقاً معلومة أنه قد درّب الريال وفاز معه بالثنائية في ذلك الوقت.

علمت أن ليو بينهاكر كان يحاول مع بورغ أن يخفض سعري، لكن بورغ كان يرفض كل عروضه: "هذا الفتى ليس للبيع".. كانت لعبة ذكية لكن أيضاً خطيرة.. بينهاكر قال: "إذا لم تقل لي سعراً محدداً للاعب، فلن أتي إلى لامانجا".. كان ذلك قبل أن يأتي.. وبورغ رد عليه: "هذه مشكلتك، لا تأتي إذاً".. لكن بينهاكر جاء فوراً إلى إسبانيا، أول شيء تابعه كان مباراة ضد نادي موس النرويجي.. أتذكر أنني لم أرَ ليو بينهاكر في المدرجات عندما بدأ اللقاء، كان بالتأكيد في مكان ما في الأعلى لكي يحصل على منظر أفضل في المتابعة.

مع بداية اللقاء، أتذكر بأنني استقبلت كرة من اليمين، كانت الرياح قوية وكنت على مشارف منطقة الجزاء. لم تبدُ تلك الوضعية خطيرة على مرمى المنافس.. لكن بلمحة سريعة لم أفكر فيها كثيراً، استقبلت الكرة بلمسة واحدة ورفعتها من فوق لاعبين، تجاوزتهم بسرعة ورأيت نفسي في موضع مثالي للتسجيل في تلك اللحظة، لكنني تجاوزت مدافعاً آخر، ومن ثم سددتها "على الطائر" وسجلت. أعتقد أن هذا الهدف موجود على اليوتيوب، كانت واحدة من أفضل اللقطات التي قمت بها على الإطلاق. ركضت فرحاً بالهدف، أصرخ ويداي مرفوعتان.. الصحافيون في الملعب كانوا يعتقدون أنني كنت أصرخ: "زلاتان، زلاتان".. لكن هل يعقل أن أردد اسمي؟.. لقد كنت أقول: "Showtime Showtime".

ليو بينهاكر أدرك أنه في حال وجود أي كشاف لأي نادي آخر وشاهد ذلك الهدف، فإن ما سيحدث هو حرب عروض بين الأندية.. لهذا بينهاكر قرر أن ينهي الأمر فوراً.. قفز إلى هاس بورغ وطلب منه أن يقابلني: "أريد الاجتماع بذلك الفتى فوراً".

بورغ وافق، وقررنا أن نجتمع في الفندق الذي يسكنه إداريو نادي أياكس.. كان بعيداً بعض الشيء عن المعسكر. دخلت أنا وهاس بورغ إلى ذلك الفندق، كنت ابتسم، وأتذكر أنني قلت أمامهم بأنني أريد أن أقدم كل ما لديّ لكرة القدم رغم أنها عمل صعب، ثم باغتني ليو بينهاكر قائلاً: "إذا كنت ستتلاعب بي، سأرد وأتلاعب بك مرتين".. وبالطبع أعجبتني طريقة كلامه. هذا هو نوعي المفضّل حينها في الحديث.. الاجتماع فقط استغرق 15 دقيقة تقريباً.. أتذكر أنني عندما عدنا للفندق، لم يحسم كل شيء.. فكما تعملون، هناك مباراة في الملعب، وهناك مباريات أخرى في سوق الانتقالات، وأنا أحب هذه الألعاب، وأعرف بعض الخدع فيها أيضاً.. أعلم متى أحتاج أن أكون هادئاً، ومتى أحتاج لأن أبدأ الحرب.. لكنني تعلّمت ذلك بالطريقة الصعبة.. في البداية لم أعرف أي شيء، كنت مجرد فتى يريد لعب كرة القدم.. لكن الأمور تغيّرت بعد ذلك.. بالنسبة لأياكس، بعد ذلك الاجتماع، لم أسمع أي كلمة عنه لفترة طويلة.

عدنا إلى مالمو.. الهاتف يرن، لقد كان هاس بورغ.. لم تكن رؤية رقمه أمراً غريباً، لأنه يتصل بي دائماً، لكن عندما بدأ التحدث، كان مختلفا بعض الشيء:

- "هل أنت مشغول الآن؟".

- لم أكن قادراً على أن أقول له إنني مشغول بالفعل.. لكنهُ عاد وسألني: "هل أنت مستعد؟".

- قلت له: "نعم بالتأكيد.. ماذا تريد؟".

- قال: "يتواجدون هُنا الآن، تعال بسرعة إلى فندق يورجن، نحن بانتظارك".

انطلقت إلى هُناك فوراً، وبالتأكيد كانت ضربات قلبي تتسارع. ركنت سيارتي هُناك وكنت أعلم بأن الأمور قد حدثت. أتذكر بأنني أخبرت بورغ بأنني أفضّل الانتقال برقم قياسي. أريد أن أدخل التاريخ. أتذكر أن لاعباً سويدياً انتقل للأرسنال بـ40 مليون كراون سويدي)، وهناك أيضاً جون كارو من النرويج انتقل لفالنسيا بـ70 مليون كراون، كنت أريد تحطيم الأرقام الإسكندنافية.

هاس بورغ كان متوتراً جداً.. الأدرينالين مسيطر على جسمه.. لكنهُ أظهر الهدوء وقال: "أهلا زلاتان، هل ترى؟ لم يكن بإمكاننا الحديث عن هذا الأمر حتى قدومك، هل تريد الانتقال لأياكس؟ إنهم يريدونك". كنت متحمساً وقلت: "بالتأكيد، أياكس مدرسة رائعة". الجميع ابتسم حينها.. لكن رغم ذلك شعرت بأن هناك شيئاً غريباً يجري. بينهاكر غادر مع محاسبه المالي قبلنا، ومن ثم بقيت أنا وبورغ وحدنا، تساءلت.. ما الذي يجري يا هاس؟ بورغ كان يخفي ابتسامة كبيرة، ومعه الكثير من الأوراق، أعطاني إياها.

قرأت الأوراق، وكان مكتوبا فيها أنني سأستلم 160 ألفاً في الشهر..  كان مالاً كثيراً، لكنني لم أعلم هل هذا جيد بالنظر إلى السوق؟

لم أكن مقتنعاً.. كان هناك إحساس لديّ بأن هذا الشعور بالغرابة لم يأتِ من فراغ. كنت أعتقد أن بورغ صديق وملهم. كان بمثابة الأب الآخر. لم أكن أعرف بأنهُ كان يفكر في شيء واحد فقط: توفير أكبر مبلغ للنادي من الصفقة.. بالتأكيد استغرقت وقتاً طويلاً لأعرف السبب الذي جعلني أشعر بالغرابة في غرفة الاجتماعات. كنت متأكداً من أن الأشخاص الإضافيين في تلك الغرفة كان لهم دخل في القضية.

أدركت ما حدث: ناديا أياكس ومالمو لم يتفقا على سعر محدد لي، وسبب استدعائي إلى غرفة الاجتماعات تلك كان من أجل تحديد مرتبي ووضع توقيعي عليه، ومن ثم استئناف المفاوضات مع وضوح أكبر، لأنهُ، وكما تعرفون، إذا تمكنت من جعل اللاعب يوقع على المرتب الأقل في الفريق، فإنك سوف تتمكن من الحصول على قيمة إجمالية أكبر لصفقة الانتقال. بكل بساطة.. لقد تم استغلالي في تلك المفاوضات، لكنني لم أكن أعرف حينها، كنت قد نزلت في اللوبي وأنا في فرح عارم وبهجة لا حدود لها.. لكن أتذكر أنني كنت جيداً في إبقاء فمي مغلقاً.. لم أخبر أي شخص سوى والدي.. وبحكمته كان والدي حذراً، ولم يكن يثق بالناس.. لكن بالنسبة لي، جعلت الأمر يمضي بدون تفكير.

كنت أشعر بأنني أمشي على الغيوم.. ذهبت حينها إلى بورغ وسألته: "ما هي قيمة انتقالي؟".. فكانت الإجابة التي لن أنساها طوال حياتي.

كان يجب عليه أن يعيد مراراً وتكراراً قبل أن أفهم وأستوعب ما قالهُ لي.. في المرة الأولى كان يقولها رقمياً ولم أفهم.. لكنهُ أراني الرقم على تلك الورقة: وبالفعل صُدمت وذُهلت.. كان أمراً لم أتوقعه على الإطلاق.. كانت القيمة 85 مليوناً (بالعملة السويدية).. والشيء الأهم من ذلك، هو أنه لم يكن هناك أي لاعب إسكندنافي قد انتقل بقيمة أكبر تاريخياً.. لقد تجاوزت رقم هنريك لارسون وجون كارو.. كان أمراً عظيماً.. لكنني بعد تفكير بسيط.. أدركت أن هذا سيشكل ضغطاً كبيراً عليّ.

في اليوم التالي، اشتريت الصحف وبدأت أقرأ: كان الأمر جنونياً لأن كل الصحف كانت تتحدث عني أنهُ فتى الأموال، زلاتان الرائع، زلاتان المميّز، وإلى ما هنالك من هذه الأمور الجميلة.. كنت أقرأ وأستمتع بالأمر.. كانت مثل هذه الأمور تعجبني.. أتذكر عندما كنت في بوراس ذهبت مع بعض زملائي إلى مقهى قريب لنحظى بالصودا.. جاءت مجموعة من الفتيات بالعمر نفسه تقريباً، وإحداهن قالت بخجل: "هل أنت فتى الـ85 مليوناً؟".. كيف بإمكانك أن تجيب عن هذا السؤال حقاً؟ قلت لها: "نعم بكل تأكيد، هو أنا".. وهاتفي بعد ذلك لم يهدأ إطلاقاً.

اقرأ أيضاً: أنا زلاتان(1).. . غوارديولا اشترى فيراري واستعملها كـ"فيات"!
أنا زلاتان(2).. .عندما صرخت بوجه غوارديولا"أنت تخاف من مورينيو"!
أنا زلاتان (3)..  سرقة الدراجات والطفولة القاسية
أنا زلاتان(4).. بدون الكرة لكنت مجرماً.. وعندما قررت تقليد محمد علي
أنا زلاتان (5).. .عندما صرخت"كلكم حمقى، وكرة القدم حماقة"
أنا زلاتان (6).. . عندما تعلمت تقليد مهارات البرازيليين
أنا زلاتان (7)..  رحلة الصعود للفريق الأول مع مالمو
أنا زلاتان (8)..  ما الذي حدث في هذه الحياة؟
أنا زلاتان (9).. . الدرجة الثانية ونقطة التحوّل

المساهمون