يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار الساحرة المستديرة وعالم نجومها، وندخل معاً إلى الكتاب الخاص بالنجم السويدي زلاتان إبراهيموفيتش.
بدأت في مدرسة ثانوية في بورغاسكولان.. مع تركيز خاص على كرة القدم.. كانت لدي تطلعات كبيرة بشأن هذه البداية: الآن سيتغيّر كل شيء..
في بورغاسكولان كان الجميع يرتدي قمصان رالف لورين وأحذية تيمبرلاند.. لم يسبق لي تقريباً أن رأيتها على شخص أمامي.. كان يجب عليّ أن أفعل شيء حيال هذا الأمر، وعلى وجه السرعة.. كان هناك الكثير من الفتيات الرائعات أيضا في تلك المدرسة، ولم يكن بإمكاني أن أتحدث إليهن وأنا أبدو من رجال الضواحي.. ذهبت إلى والدي وتحدثت معه، وتشاجرنا بسبب الأمر.. والدي حينها حصل على منحة من الدولة تقدر بـ795 كروناً في الشهر.. لكن كان من الواضح أن والدي سيحتفظ بالمبلغ، لأنه، كما يقول، يهتم بكافة المصاريف التي نحتاجها.
بعد ذلك حصلت على منحة الدراسة، وحصلت معها على حساب بنكي وبطاقة لصرف المبلغ، من تلك البطاقات التي تحمل صورة شجرة.. كانت المنحة تصرف في العشرين من كل شهر.. الطلاب كانوا يبقون هناك عند الـ11:59 وينتظرون صرف المنح.. كان الأمر جنونياً تماماً: ألم يحل منتصف الليل بعد؟ عشرة، تسعة، ثمانية.. كان أمراً رائعاً.. صباح اليوم التالي بعد أن أكون قد حصلت على المبلغ أخيراً، أركض لكي أشتري من ديفيس جينز خاص بي، لأنهُ كان الأقل سعراً.. اشتريت اثنين بتكلفة 299 كروناً، ومن ثم قمت بشراء ثلاثة قمصان بقيمة 99 أيضاً.. حاولت أن أجرب أشياء مختلفة، لكنها لم تكن مناسبة لي.. ربما كنت أفكر كشخص من روينجارد حينها.. فبعض الملابس لم تكن جيدة عليّ، هكذا شعرت..
كنت ألعب مع فريق الشباب الذين يكبرونني بعام.. لم يكن شيئاً جيداً.. كنت في الاحتياط بقرار من أكي دونالدو.. المدرب الذي كان يختار من يريد.. لكنني لا أعتقد أن جميع اختياراته كانت تتعلق بكرة القدم فقط.. كان فريقنا من أفضل الفرق في المنطقة.. عندما كنت أدخل من الدكة إلى الملعب كنت أسجل دائماً.. كنت رائعا في كل مرة أشارك فيها .. لكن على الرغم من ذلك كانوا يرون بأنني أخطأت في أمور كثيرة.. كانوا يقولون إنه يجب علي أن أساهم في لعب الفريق الجماعي بشكل أكبر: "الفريق قبل حركاتك".. ومن هذه الأشياء والحماقات.. أسمعها مئات المرات.. كنت أتساءل في الحقيقة: هل أنا فعلاً غير متوازن؟.. حالياً لا توجد قوائم لإخراجي من الفريق، لكن الوضع ليس ببعيد عن السابق .. نعم أنا أصرخ على بعض زملائي في الفريق، أصرخ وأتكلم كثيرا في الملعب .. لكن ماذا في ذلك؟ هذا هو أسلوبي في لعب كرة القدم، فأنا أغضب كثيرا.. كان يبدو أنني لم أعد أنتمي لنادي مالمو، الكثيرون كانوا يرون الأمر بهذه الطريقة..
- أتذكر بطولة الشباب، فريقنا تأهل للتصفيات النهائية.. وكان أمراً كبيراً بالفعل.. لكن ما حدث هو أن المدرب لم يأخذني مع الفريق، لم أكن حتى أجلس على الدكة.. "زلاتان مصاب" .. هذا ما قاله أمام جميع أعضاء الفريق.. جن جنوني وقلت له: "ماذا؟ مصاب؟ ما هذا الأمر السخيف؟" .. ثم رد عليّ: "ما الذي تقوله، كيف يمكنك أن تقول أشياء مثل هذه".. "أنت مصاب فعلا" .. لم أصدقه بالطبع، لأنه لم يقل هذا إلا قبل المباريات النهائية.. "أنت تقول هذا لأنك لا تريدني في الفريق" .. قلت هذا له.. والغريب هو أنهُ لم يتحدث أحد من الفريق بالحقيقة، لم يكن هناك أحد يتمتع بالرجولة الكافية لقول ذلك.. مالمو فاز بالبطولة بعد ذلك بدوني، وهذا ما عزز ثقتي بنفسي..
- نعم، بكل تأكيد عزز من ثقتي.. على الرغم من أنني كنت أقول بعض الأشياء بنوع من الغرور.. مثل عندما كان مدرس اللغة الإيطالية يطردني من الفصل.. كنت أرد عليه قبل أن أخرج: "لا أهتم بك، سأتعلم هذه اللغة عندما أصبح محترفا في إيطاليا".. كانت تبدو كلمات مضحكة حينها لأني لم أكن أصدقها بنفسي.. كيف يمكنني فعل ذلك وأنا حتى لست أساسياً في فريق الشباب هنا؟..
- في تلك الفترة كانت هناك مشكلة في الفريق، الفريق الأول لمالمو.. الفريق نفسه سابقاً كان من أكبر الأندية في السويد ويحوي أفضل من يلعب في السويد.. حينما جاء أبي من البوسنه في السبعينيات، كان مالمو قد هيمن في السويد، ولعب حتى نهائي دوري أبطال أوروبا، أو كأس الكؤوس الأوروبية كما كان يطلق عليه.. وبسبب هذا النجاح، لم يكن بإمكانهم أن يعتمدوا أي لاعب من الشباب.. فالإدارة كانت تتعاقد مع أفضل لاعبي الفرق الأخرى.. لكن في هذا العام الوضعية تغيرت فجأة ولا أحد يعرف لماذا.. مالمو الذي كان قد تعود على قمة الترتيب، كان يسير باتجاه الهاوية.. ووضعية النادي الاقتصادية لم تكن جيدة.. لهذا لم يكن بإمكانهم التعاقد مع لاعبين كبار.. وقرروا ترقية بعض اللاعبين من الشباب ..
- كنا نتحدث عن الأمر.. من هم اللاعبون الذين ستتم ترقيتهم للفريق الأول؟ قاموا بالتأكيد بترقية توني، ميتي وتاماندات .. وأنا لم يفكروا حتى مجرد التفكير في ترقيتي .. كنت أفكر في الأمر؟ ما الذي يفعلونه.. لماذا لم يتم إاتياري؟.. وفي النهاية بقيت واثقاً بسبب سياسة النادي الجديد.. لكنني أدركت بأنهُ مهما كان رائعاً أن تظهر بمظهر المختلف في الفريق، إلا أنهُ لا يوجد أي نادٍ يفضل الحصول على لاعب بطبيعة وحشية وغير نظامية.. خاصة نادي مالمو الذي كان يهتم بالعقوبات على لاعبيه.
كان لدي عقد مع فريق الشباب في النادي.. بعد ذلك تم ضمي لفريق تحت 20 عاماً، وهو فريق تم ابتكاره في النادي لكي يتواجد فيه اللاعبون الذين لا يرغب بانتقالهم لأندية أخرى.. لم نكن كثيرين في الفريق، لم نكن كافين لنكمل فريق حتى .. لكن على الرغم من ذلك كان أمرا جيدا بالنسبة لي، كنا نلعب أحياناً ضد الفريق الرديف وفريق الدرجة الثالثة.. وأحياناً كنا نتدرب مع الفريق الأول.. كنت أرفض التكيّف مع لعب الفريق وأرتجل في طريقة لعبي .. كانوا يصرخون ضدي، لكنني كنت أقول لنفسي: لم لا ؟ ليس لدي أي شيء لأخسره .. سأظهر كل ما أملك، ولا يهمني ما يقولونه، بالتأكيد كنت ألاحظهم يتحدثون عني: "من يظن نفسه؟" .. كنت أقول لهم: "اذهبوا للجحيم" .. كانت لدي آمال بأن يلاحظني مدرب الفريق الأول الذي كان يتواجد في بعض المرات رولاند اندرسون.. كنت أفكر: هل يعتقد أنني جيد؟ هل سيقوم باستدعائي؟.. لكن لم يتم ذلك لهذا بدأ يتزايد الإحباط داخلي.
في البيت كانت المشاكل مستمرة، كان أشبه بحقل ألغام.. لكنني ركزت على الاستمرار بمطاردة الكرة في المزرعة، كنت أنفذ حركاتي مع الكرة هناك.. حتى كنت أنفذها في غرفتي مع وجود صور رونالدو على الجدران.. رونالدو كان هو الأفضل، ليس على مستوى الأهداف ومستوى كأس العالم.. لكن على كافة المستويات هو رائع .. كان واحداً من أولئك الذين حلمت بأن أكون مثلهم.. رجل يصنع الفارق.. اللاعبون السويديون؟ لم يكن هناك أي نجم كبير فيهم يعرفه كل العالم.. رونالدو كان هو بطلي الوحيد.. كنت أدرس جميع تحركاته ومراوغاته على الإنترنت .. وأعتقد أنني كنت رائعا في ذلك حتى أصبحت أرقص مع الكرة.. لكن ماذا بعد؟ لا شيء .. كنت أعتقد بأنهُ عالم غير عادل .. لأن هناك نجوماً لا يمتلكون نصف إمكاناتي وعلى الرغم من ذلك حصلوا على الفرصة الكبيرة.. هكذا كنت انظر للأمر.. كنت أشعر بأنني فشلت، وحاولت البحث عن طرق أخرى.
- بعد ذلك، وفي أحد الأيام، رأيت رولاند اندرسون يراقبنا ونحن في فريق تحت 20 عاماً.. وبعد فترة بسيطة أخبروني بأنهُ يريد التحدث معي، تفاجأت وكنت مذعورا بعض الشيء: هل سرقت دراجته؟ ما الذي يريدهُ مني؟ قمت باسترجاع كل الأشياء السيئة التي فعلتها، ولم يبدو بأن هناك ارتباطاً وثيقاً بينه وبينها.. على كل، كنت قبل مواجهته قد جهزت الكثير من الأعذار، المناسبة لآلاف التهم.. رولاند كان شخصا صادقا، ومزعجا مع صوت عميق .. كان رائعا، لكنه حاد بعض الشيء .. كان يسيطر على غرف الملابس تماما ومن فيها.. وقبل مواجهته شعرت بقلبي ينبض بقوة، رولان كنت أعرف عنه أنه لعب في كأس العالم في الأرجنتين، وكان لاعبا قديما من الجيل الذهبي لنادي مالمو.. رجل صارم ومحترم.. جلس بعد ذلك على الطاولة أمامي، ولم يكن يبتسم أبدا.
- "أهلا رولاند، هل أردت شيئا مني، صحيح؟"
كنت أحاول ألا أظهر ضعيفا، بدأت ببعض الغرور الذي تعلمته في طفولتي المتأخرة ..
- "أجلس، وأهدأ.. لم يمت أي شخص، أؤكد لك"..هذا ما قاله ..
- ثم قال لي: "زلاتان، يجب أن تتوقف عن اللعب مع الصغار".
- لم أفهم، قلت له: "هل تتحدث عن شيء خاص؟".
- قال لي: "حان الوقت لكي تلعب مع اللاعبين الكبار"..
- لكنني لم أفهم بعد: "ماذا؟".
- ثم قال لي: "مرحبا بك في الفريق الأول زلاتان".. كان شيئا لا يمكنني وصفه، إطلاقا .. كان الأمر وكأنك رفعتني عشر أقدام في السماء.. أتذكر بأنني خرجت وسحبت دراجة جديدة، وشعرت بأنني الرجل الأروع في تلك المدينة.
اقرأ أيضاً
أنا زلاتان(1)... غوارديولا اشترى فيراري واستعملها كـ "فيات"!
أنا زلاتان(2)...عندما صرخت بوجه غوارديولا "أنت تخاف من مورينيو"!
أنا زلاتان (3).. سرقة الدراجات والطفولة القاسية
أنا زلاتان(4)..بدون الكرة لكنت مجرماً..وعندما قررت تقليد محمد علي
أنا زلاتان (5)...عندما صرخت "كلكم حمقى، وكرة القدم حماقة"
أنا زلاتان (6)... عندما تعلمت تقليد مهارات البرازيليين