أنا جارتكم اللي كنت ساكنة... هناك

20 نوفمبر 2014
قالت الكلمات نفسها (Getty)
+ الخط -
مع ساعات الصباح الأولى، رنّ جرس شقتي المعلق على مدخل البناية، على غير المعتاد، فجميع الذين أعرفهم لا يصلون إلى زيارتي دون موعد مسبق. طلبت من ابنتي الصغيرة أن تهبط الدرج وتفتح باب البناية، التي لم يحاول أصحابها إدخال التكنولوجيا على طريقة فتح وإغلاق الأبواب، ووقفت أستطلع القادم، حتى سمعت صوت امرأة تهتف بكنيتي، فرددت عليها: "تفضلي أهلا وسهلا". 

كانت امرأة متوسطة العمر، بسيطة الملبس، تصعد الدرج في لهاث وسرعة. وحين وضعت كفها في كفي لتسلم عليّ قالت: "إنتي مش عارفاني؟ أنا جارتكم أم محمد اللي كنت ساكنة على ناصية الشارع هناك". وأشارت بذراعها، ولم أستطع أن أتذكر مكان بيتها، ولكني خجلت أن أنفي معرفتي بها، فرددت عليها للمرة الثانية: "أهلا وسهلا". واصلت قولها: "إحنا بعنا دارنا وانتقلنا للشارع الخلفي". هززت برأسي هذه المرة وسعدت أني قد وجدت تفسيراً لعدم معرفتي بها.

وبعد أن أصبحت داخل شقتي، بدأت تبكي وتتوسل: "أرجوكي يا ختي ساعديني، بنتي مريضة وبدها تروح للعلاج في مستشفيات إسرائيل بعد ساعتين، بالعافية حصلنا على تصريح وبدي مبلغ عشان مصاريف المواصلات والإقامة..".
أسقط في يدي، لأني كنت قد اقترضت مبلغاً من صديقة ولا أملك غيره، ولكني فكرت بسرعة ولم أشأ أن أخذلها، وهي تروي لي بسرعة عن مرض ابنتها العضال. هرعت إلى غرفتي وتناولت نصف ما أملك، ودسسته في يدها ففرحت واستبشرت وكفت عن البكاء وهمت بالانصراف، ولكنها عادت لتقف بجوار الأريكة القريبة من الباب وقالت لي: "لو بدي أغلبك، ممكن جلابيتين من جلابياتك عشان ألبسهم وأغير فيهم في المستشفى"! نظرت إليها في استغراب وأجبتها: "والله يا ختي ما بلبس أنا جلابيات، زي ما انتي شايفة بلبس بيجامات شتوية". فردت بسرعة: "طيب إعطيني بيجامتين.."!
هنا لم أعد أطيق الصبر، وشعرت أنني خُدعت، فقلت لها: "والله ياختي لا أملك سوى ثلاث بيجامات أغير وأبدل فيهم طول الشتاء، وشوفي مقاسي ومقاسك، انتي ماشالله عليكي في مثل حجمي مرتين". فشكرتني دونما حماس وخرجت، ولكنها التفتت فجأة وكأنها تذكرت أمراً مهما، حيث طلبت مني أن تصحبها صغيرتي إلى جارتنا الأرملة الثرية لكي تطلب منها مساعدتها هي أيضا، وادّعت أنها قد طرقت بابها مراراً ولم ترد، فأخبرتها أن الجارة تتوجس من فتح بابها للغرباء، وأنها ستفتح حتما حين تسمع صوت ابنتي. وهكذا صحبتها ابنتي وانشغلت أنا حتى عادت ابنتي بعد دقائق لتقول: "عارفاني أنا مين.. أنا جارتكم اللي كنت ساكنة هناك"! سألت ابنتي باستغراب: شو قصدك بالحكي؟ فردّت: "يعني الست اللي كانت عنّا حكت لجارتنا الأرملة بالزبط نفس الحكي اللي حكتو إلك، وبوستها وحضنتها وهي تردد اسمها زيك بالزبط، بس قبل نوصل بابها سألتني (هي جارتكم هاي شو اسمها، أم إيش بيقولوا لها؟؟). سألتها وأنا أتغابى: يعني شو قصدك؟ ردّت بنتي الصغيرة: "قصدي؟.. امممممم افهميها لحالك".
دلالات
المساهمون