أنا السورية المحظوظة...!!
أنا السورية المحظوظة..لا أزال على قيد الحياة..
لديّ من الحواس خمسٌ مكتملة..
ساقاي معي.. وأيضاً ذراعاي.. وأصابعي العشرون..
وملامح وجهي.. جميعها.. في مكانها باقية..
يمكنني بضغطة زر.. وأنا أخطّ هذي الكلمات..
أن أختار ما لذّ من سلال الموسيقى..
أن أسمع ما أشتهي.. من أغنيات..
وبضغطة زر .. أن أطفئ الضوء.. فأنام
لديّ فراش واسع..ناصع البياض..
ولحاف وبطانية..وثلاث مخدات..
يمكنني أن أنام على جهات جسدي الأربع..
وأتقلب على كل الجنبات..
وأضبط منبهي.. على حلمٍ.. متمهلٍ..لا ينافس الساعات.
أوقظ طفليّ بقبلة.. أو ست قبلات..
أحادثهما ...ألاعبهما..أعلمهما..أشاجرهما
وآخر المساء في الفراش أودعهما...بقبلة أو ست قبلات..
دون أن أخشى مثلاً أن أستيقظ غداً.. فلا أجدهما
أو أن يكون مثلاً.. قد سقط بعضٌ من جسدهما
فلا هلع...ولا أنّات..
أنا الأم السورية المحظوظة..لم تثكلني هذي الحرب..
ولم تدركني ..سياط المنفى بعد..
فحبيبُ القلب..يكشُّ عن كتفيَّ ملح الفقد..
ويحرسني طوال الدرب.. من حزني...من الخيبات..
وينسج لي بكفيه وطنا مُحب..
أنا الزوجة السورية المحظوظة..لم ترملني هذي الحرب..
تُعد لي أمي قهوة الصباح..
وأرقص على دقات عكاز أبي..على مصطبة الورد...حيث استراح..
ويمكنني إذا جعت أن ألتهم رغيف خبز..من دون حساب ليوم الغد..
وفي مطبخي أرزٌّ وعدس وسكرٌ وشاي..والبنُّ لا ينفد..
وفي البراد تفاح..
وفي الحمام ..صابون بعطر الورد..
وماء ساخن مُباح..
أنا الابنة السورية المحظوظة..لم تيتمني هذي الحرب
لبيتي جدران من حجر..وسقف من حجر..بابه من خشب الشجر..وفيه مفتاح..
أُوصده متى أشاء...بوجه الضجر..
بوجه الرياح..
لم أمت تحت التعذيب..ولا برصاصة من قناص..
لم أتجمد في عراء اللجوء..لم أختنق بغاز السارين..
ولم أغرق..في مياه البحر الأبيض المتوسط..
لم ينهش جثتي كلبٌ ..ولا سمكٌ..ولا سفاح..
أنا السورية المحظوظة...قلبي ينفرط من التعاسة.
.................................................
4/شباط/2014