لم تكن أم عبدو تعلم أن البازار الذي تقصده عند أطراف مدينة إدلب الشرقية، صبيحة كل أربعاء، سيصبح مصدراً لرزقها يوماً.
لكن الحرب التي حرمتها من زوجها الذي قُتل بإحدى موجات القصف التي طاولت سوق المدينة جعلتها المسؤولة الوحيدة عن إعالة ابنها عبدو.
كانت أم عبدو ربّة منزل، وتعتمد على زوجها في تدبر أمور الأسرة المادية، لكن بعد ترمّلها وجدت نفسها مجبرة على البحث عن مصدر للعيش لها ولطفلها.
فكرت أم عبدو وقررت أن تجعل من المجال الذي تحبه تجارة تكسبها المال، متحدية كلام الناس وانتقادهم.
صارت تحمل كيسها المخصص لبازار الأربعاء، وتنزل كالعادة باكراً مع شروق الشمس. تقصد تجار المدينة الذين اعتادوا بسط بضائعهم بعد أذان الفجر مباشرة. وتتنقل بين بسطات الملابس المستعملة وتعاين المعروض منها وتسأل عن أسعارها.
كانت تبحث عن قطع ملابس جميلة وجديدة ورخيصة. وفي إحدى زياراتها للبازار سيدة عجوز تعرض كمية كبيرة من الملابس بأسعار مناسبة.
وبعد الاتفاق بين أم عبدو والبائعة العجوز، أخذت الكمية كلها وقررت أن تعيد فرزها وغسلها وإصلاح القطع التي تحتاج للرتق أو الخياطة. وفكرت في البداية أن تعرض الملابس للبيع في منزلها الصغير.
لكن ابنها أصر على إعادة تنظيف وتجهيز محل والده وفتحه من جديد. وهكذا أنهت أم عبدو بمساعدة جارتها وابنها تنظيف المحل حتى أصبح جاهزاً لاستقبال الزبائن، وأسمته "بالة أم عبدو".
لم تنته مصاعب أم عبدو مع إعادة فتح محل زوجها، لأنها تعرضت للمضايقات من رجال حارتها، لأنهم لم يعتادوا على وجود امرأة في السوق بينهم.
أم عبدو لم تبالِ بل أصرت على العمل، واستطاعت أن تكسب نساء الحي زبائن دائمين لديها، وكانت تبيعهن بأسعار مناسبة لهن ولها. واليوم أصبحت معروفة بتجارتها بين أبناء حارتها.