أمينة تبحث عن أولادها الأربعة

19 نوفمبر 2015
لست متسوّلة (العربي الجديد)
+ الخط -

على قارعة الطريق، تجلس أمينة على مقربة من موقف للسيارات. تمدّ يدها للذين يركنون سياراتهم لشراء بعض الحاجيات من المحال القريبة، علّها تحصل منهم على بعض المال لإطعام أحفادها ودفع بدل إيجار المنزل الذي تقطن فيه. منذ ساعات الصباح الأولى تخرج من منزلها ولا ترجع إليه قبل حلول المساء. أحياناً، لا تحصل على المال، وإن أمضت ساعات طويلة تحت أشعة الشمس.

تقطنُ في بيتٍ صغير مع ابنتها التي فقدت زوجها بعد نحو أربعة أشهر على نزوحها من حلب. الجدة التي نزحت من هذه المدينة قبل أكثر من أربع سنوات لا تعرف شيئاً حتى الآن عن أولادها الأربعة الذين ما زالوا في حلب، ترافقها فقط ابنتها التي تعيش معها. بعد وفاة زوج الابنة نتيجة سكتة قلبية اضطرت حفيدتها البالغة من العمر 20 عاماً إلى العمل في أحد الأفران للمساهمة في تأمين مصاريف البيت والعائلة. أما هي، فتسأل المحسنين في الشارع المساعدة.

لم يكن حال أمينة على هذا النحو في حلب، هي التي كانت تملك "ثلاثة مطارح" (أملاك) على حدّ قولها، وكانت تعيش من خير أرضها وأولادها إلى جانبها. تقول هذه المرأة التي تجاوزت السبعين من عمرها إن الحرب لا تعرف صغيراً ولا كبيراً، فقد فقدت بيتها وتشرذمت عائلتها. تبكي بحرقة، بعدما فقدت الاتصال بأولادها الأربعة ولا تعرف إذا كانوا ما يزالون على قيد الحياة أو قتلوا في الحرب أو هاجروا إلى أمكنة أخرى.

تقول أمينة: "منذ زمن وأنا أجلس هنا. كثيرون هم الذين يشيحون بنظرهم عنّي أو يسمعونني كلاماً غير لائق. لست متسوّلة لكن الحاجة أجبرتني على الجلوس هنا. نزحتُ من سورية بسبب الحرب، وكنتُ مضطرة إلى أن آوي إلى بيت، ولم يكن لدي خيار غير استئجار منزل. وبعدها لحقت بي ابنتي، وصرت مضطرة إلى مساعدة في تأمين قوتنا. ولأنه لم تهتم بنا أي من الجمعيات نزلت إلى الشارع ومددت يدي للناس، آملة أن يرأفوا بحالي، علماً أنني لم أطلب المساعدة من أحد في حلب. تضيف: "كنت عزيزة في داري".

هذه المرأة المتقدّمة في السن، والتي لا تكاد تحتمل حرارة الشمس الحارقة وبرد الشتاء، مضطرة إلى النزول إلى الشارع وانتظار الناس ساعات طويلة لتأمين ما قد يسدّ رمق العائلة، في انتظار أن تنتهي الحرب وتعود إلى حلب، حتى لو كان منزلها مهدماً. تقول إنها ستسكن على الرمال وتعاود بناء بيتها حتى ولو استغرق الأمر بعض الوقت، "علني أجتمع مرة أخرى بأولادي. الحرب فرّقتنا ودمّرتنا. لم نعد نفرح".

اقرأ أيضاً: حكاية زيتونة الحاجة عريفة