وحصل المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان (ICJHR)، ومقرّه في جنيف، على تسجيل ثانٍ لسجينة الرأي أمينة العبدولي، تتابع فيه الحديث عن تعرضها للتعذيب والمعاملة المهينة في سجن الوثبة بأبوظبي.
تتحدث العبدولي خلال التسجيل "كيف أن التعذيب الذي تعرضت له تسبب لها في إصابة عينها اليسرى واعوجاج في الأسنان السفلية. ولم يتم نقلها إلى طبيبة داخل السجن إلا بعد المطالبة المتكررة بالعلاج الطبي. واكتفت الطبيبة بفحص عينها بضوء الإشعاع وخلصت إلى أنها كانت في حالة جيدة".
وتقول أمينة، من خلال التسجيل، إن حالتها تدهورت منذ تعرضها للتعذيب لأول مرة. وتتحدث عن الحراس النيباليين؛ ثلاثة في الزي العسكري وثمانية آخرون في الملابس الرياضية السوداء. إذ أخذها خمسة حراس نيباليين للاستجواب بدفعها بقسوة، على الرغم من أنها كانت مكبلة بالأصفاد.
وتبيّن أن ضابطة تدعى أم حميد مع بعض الضباط الذكور الآخرين حاولوا أن يحطوا من معنوياتها أثناء الاستجواب، من خلال قولهم إن أطفالها مشتتو الذهن في المدرسة، وإنه لا يوجد أحد يعتني بهم.
وتروي أمينة أن سلطات السجن استجوبتها لعدة أيام وليال. وسئلت إن كان لديها سر للكشف عنه وعندما نفت ذلك، قام الحارس بكتابة تقرير لمدة ست ساعات. كما تقول أمينة إن الحراس كانوا يبصقون على حذائها، حسب المركز الدولي.
وطالب المركز، بناء على هذه الشهادة، سلطات الإمارات العربية المتحدة بـ"الإفراج فوراً عن أمينة العبدولي، وإجراء تحقيق فوري وجاد من قبل هيئة مستقلة بشأن التعذيب وسوء المعاملة التي تعرضت لها، فضلاً عن تعرضها للاختفاء القسري لشهور".
ودعا في بيان صحافي، أمس الجمعة، إلى "محاسبة جميع الأشخاص المتورطين في هذه الانتهاكات وتمكينها من الحق في الجبر وإعادة التأهيل"، وكذلك "السماح للمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب بزيارة السجون في الإمارات العربية المتحدة".
عندما ألقي القبض على أمينة، استيقظ أولادها مرعوبين، وبدأوا في البكاء وهم يرون رجالاً مسلحين في المنزل.
وتم نقل المعتقلة أمينة العبدولي، إلى سجن الوثبة بأبوظبي، في 30 حزيران/ يونيو 2016، حيث حكم عليها بالسجن 5 سنوات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، فيما رفض القاضي إثبات التعذيب الذي تعرضت له.
وقضت المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات بسجن أمينة العبدولي (34 عاماً) خمس سنوات، وغرامة مالية مقدارها 500 ألف درهم (136 ألف دولار)، ومصادرة أجهزتها المضبوطة.
كذلك قضت بسجن شقيقها مصعب (26) سبع سنوات، ومصادرة ما ضُبط معه من أجهزة إلكترونية، مسندة إليه تهمة الانضمام إلى تنظيم إرهابي.
والمعتقلان هما ابنا العقيد محمد العبدولي، الذي قُتل أثناء مشاركته في القتال ضد قوات النظام في سورية عام 2013.
ولا تعتبر حالة تعذيب العبدلي استثنائية، إذ تعيش علياء عبد النور، مريضة السرطان المسجونة في دولة الإمارات العربية المتحدة، مقيدة حاليًا في عزلة، ومتروكة للموت، بعد أن احتُجزت خلال السنوات الثلاث الماضية، شأنها شأن شقيقتها، وتعرضتا للكثير من الاعتداءات على أيدي حراس السجن، حتى بات السجناء الآخرون يعتقدون أنه من "الخطر" التحدث إليهما.
كانت علياء تعتمد بشكل كامل على شقيقتها عندما تم اعتقالهما في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. وفي النهاية، تم اتهامها بتمويل جماعات إرهابية دولية، رغم أن الدليل الوحيد الذي قدم هو سجل بالمواقع الإلكترونية التي زارتها. لم تكن أبدًا ناشطة سياسيًا، سوى أنها عملت في السابق على جمع التبرعات للنساء والأطفال المتضررين من الحرب في سورية.
العبدلي وعلياء هما اثنتان من عشرات المعتقلات المحرومات من أدنى حقوقهنّ الإنسانية في "دولة السعادة"، اللواتي روت بعض من رأين النور منهنّ أخيرًا، وبينهنّ إماراتيات وأجنبيات، شهادتهنّ عن الانتهاكات التي تعرّضن لها وراء القضبان، وطالبن بفتح ملفّ السجون الإماراتية، وإجراء تحقيق دولي شامل لكشف الحقائق المغيّبة.
وبحسب روايات المعتقلات، يضطر السجناء، بمن فيهم النساء، إلى التوقيع على وثائق لا يسمح لهم بقراءتها، وفي حال طلبوا قراءة المستند، أو رفضوا تقديم اعتراف، يتعرضون للضرب.
في هذا السياق، تقول معتقلة سابقة، احتجزت هويتها أيضاً، إنها كانت في الإمارات بتأشيرة سياحية، ولم تكن الإنكليزية أو العربية هي لغتها الأولى، ومع ذلك أجبرت على توقيع وثيقة لم تفهمها، وفي كل مرة كانت ترفض فيها التوقيع كانت تضرب بالعصا على يدها.
وفي السياق، ذكرت هانا فيليبس، وهي باحثة في المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن الأشخاص الذين احتجزوا، والعديد منهم من النشطاء السياسيين، لا يستطيعون الوصول إلى المحامين، مما يجعلهم عرضة للاعتداء.
وتشير إلى أن ما يقارب 80 امرأة يتم وضعهن في بعض الأحيان في مكان مخصص لثمانية نزلاء، كما أن معايير حجزهن متدنية للغاية، لدرجة أن السجينات يحصلن على بطانيات قذرة للنوم في زنازين موبوءة بالحشرات.
وتلفت إلى تقرير صدر مؤخراً عن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، يعرب عن مخاوف رئيسية بشأن استخدام قوانين مكافحة الإرهاب وقوانين جرائم الإنترنت في احتجاز النشطاء الذين يزداد عددهم حالياً.
من جانبه، شدد رودني ديكسون، المحامي الذي عمل على رصد انتهاكات حقوق الإنسان في دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات، على أن التعذيب المنتظم للنساء في السجون الإماراتية "يُبرز إلى حد كبير ما تدور حوله الحكومة".
وتعقيبًا على الشهادات الواردة، يبيّن ديكسون أن ما "تم إثباته اليوم هو مدى فعالية الإجراءات القانونية، وإجراءات الأمم المتحدة، وهو ما قد يجعل من الصعب للغاية على السياسيين التظاهر بعدم حدوث أي شيء".
ويضيف "هناك أدلة قد أُبرزت، والأمم المتحدة تتفحصها. نريد لهذه الإجراءات أن يكون لها تأثير متنامٍ. نحن لا نضمن أياً منها، أو أن تنتج عنها نتائج مباشرة بين عشية وضحاها، ولكن الأثر التراكمي لها يمكن أن يكون فعالاً للغاية. وذلك يتطلب تحركاً".
أما المحامي جو أوديل، فيشير إلى حالة الحقوقي أحمد منصور، الذي فاز في عام 2015 بجائزة مارتن إينالز، وهو عضو في المجلس الاستشاري لـ"هيومن رايتس ووتش". اعتُقل منصور في العام الماضي، واختفى قسراً لأكثر من عام بدون الوصول إلى محام، قبل أن يحكم عليه مؤخرًا بالسجن لمدة عشر سنوات ودفع غرامة قدرها مليون درهم، بسبب "أنشطته على الإنترنت".
بدورها، أوضحت المحامية سو ويليامان، أنه بموجب القانون الجنائي في بريطانيا يعتبر التعذيب جريمة، ومن مهام الشرطة وفريق مكافحة الإرهاب التحقيق في مزاعم التعذيب وتمريرها إلى المحاكمة، متسائلةً "لماذا لم تكن هناك أي مقاضاة للإماراتيين المسؤولين عن التعذيب؟".
ورأت أن "المشكلة الرئيسية تكمن في أنه لا يوجد أي شخص مستعد لتقديم أدلة في المحكمة، لأنهم يخافون على وضع أقاربهم في الإمارات، ويخافون من التداعيات".
وبثّ "التلفزيون العربي"، في السابع والعشرين من مارس/ آذار هذا العام، فيلماً وثائقياً استقصائياً يروي قصص بريطانيين تعرضوا للقتل والتعذيب وانتهاكات جسيمة خلال اعتقالهم في سجون الإمارات.
وكشف الوثائقي الاستقصائي، الذي تم بثه ضمن برنامج "شيفرة"، الوجه الآخر لـ"دولة السعادة" المزعومة وعدد الانتهاكات التي طاولت مواطنين بريطانيين في سجون أبوظبي ودبي.
وكانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، قد أعربت في مطلع هذا العام عن قلقها من الوضع الحقوقي في الإمارات العربية المتحدة، لا سيما لجهة قمع حرية التعبير، وتعذيب السجناء، وظلم العمال الأجانب، والتمييز ضدّ المرأة.