أميركا وتاريخها: أحداث تشارلوتسفيل تستعيد أفلام الحرب الأهلية

22 اغسطس 2017
كيفن كوستنر في "رقصات مع الذئاب" (Getty)
+ الخط -
تستدعي الأحداث العنيفة، التي شهدتها مدينة "شارلوتسفيل" (فرجينيا) في الولايات المتحدّة الأميركية يومي 11 و12 أغسطس/ آب 2017، استعادة لبعض التاريخ الأميركي القديم، لأن أبرز سبب لاندلاع تلك الأحداث مرتبط بهذا التاريخ نفسه: متطرفون بيض ونازيون جدد وأميركيو "اليمين البديل"، يتحدّرون من أفكارٍ تعود إلى "الحرب الأهلية" (حرب الاستقلال) المندلعة بين عامي 1861 و1865، ما جعلهم يُطلقون حركة احتجاج عنيفة ضد قرار بإزالة نُصب وتماثيل تحتفي بأقطابٍ، "ناضلوا من أجل الكونفدرالية، ودافعوا عن نظام العبودية". 

بعيداً عن تحليل الواقع الأميركي الراهن، في ظلّ تنامي ظاهرة العنصرية البيضاء والشعور بتفوّق العرق الأبيض، خصوصاً مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدّة، ودخوله البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2017؛ اقترح البعض تركيز الاستعادة التاريخية لما يعتبره "نواة التفرقة الأميركية"، عبر السينما الأميركية، التي تناولت جوانب مختلفة من تلك الحرب، والتي صوّرت مقتطفات من سير زعماء سياسيين أميركيين، واجهوا نظام العبودية، وحاولوا الانتصار من أجل وحدة الولايات، آخرها "لينكولن" (2012) لستيفن سبيلبيرغ، مع دانيال ـ داي لويس.

يرى هؤلاء أن "الحرب الأهلية" تلك لم تكتفِ بإنتاج معسكرين متواجهين بشراسة، وبتمزيق أميركا، لأن هذا كلّه لا يزال مؤثّراً في نفوس ملايين الأميركيين، الذين هم "ورثة المعسكرين" لغاية الآن، وكثيرون منهم يرفضون محو ماضيهم وثقافتهم.
وإذْ يختزل اقتراح المُشاهدة السينمائية هذا الكمّ الهائل من الأفلام المعنية بالموضوع مباشرة بعناوين قليلة، إلا أن لائحة الأفلام تلك تضمّ عناوين كثيرة أخرى (يُمكن مراجعة "ويكيبيديا"، التي لديها لائحة مهمّة بهذا النوع من الأفلام)، آخرها "المغشوش" (2017) لصوفيا كوبولا، المأخوذ من رواية بالعنوان نفسه (1966) للأميركي توماس كولينان، اقتبسها الأميركي دون سيغل في فيلمٍ (1971) حافظ على العنوان الأصلي للرواية، ومثّل كلينت إيستوود فيه دور البطولة (حقّق يومها مليوناً و100 ألف دولار أميركي كإيرادات أميركية فقط، علماً أن نسخة كوبولا، التي كلّف إنتاجها 10 ملايين دولار أميركي، حقّقت 15 مليوناً و872 ألف دولار أميركي كإيرادات دولية، منذ بدء عروضه في 23 يونيو/ حزيران 2017).

يستند النصّ السينمائيّ لكوبولا إلى سرد الحكاية نفسها لسيغل، لكن من وجهة نظر النساء، اللواتي يستقبلن جندياً من صفوف العدوّ، بسبب إصابته الخطرة، ويُقدِّمن له العلاج والمأوى، لكنه يتلاعب بمشاعرهنّ وانفعالاتهنّ، ما يؤدّي إلى صدامات بينهنّ، تنتهي بالتواطؤ ضده، والقضاء عليه. وإذْ يبتعد "المغشوش" عن تفاصيل "الحرب الأهلية"، إلا أنه يرصد شيئاً من تداعياتها، بشكلٍ غير مباشر، عبر تمزّقات فردية متأتية منها.
لا شكّ في أن "مولد أمّة"، الذي حقّقه الأميركي "اليميني" (كما يوصف) د. دبليو غريفيث عام 1915، يبقى أحد أبرز الأفلام التي تناولت بعض جذور التأسيس الأول للأمّة الأميركية، عبر فصلين، تدور أحداث أولهما قبل اندلاع الحرب الأهلية، والثاني خلالها وبعدها. وهذا كلّه من خلال سرد حكاية عائلتين ومصائر أفرادهما: ستونمان الشماليّة، وكاميرون الجنوبية (حقَّق الفيلم، بحسب القيمة المالية للعملة في تلك الفترة، 15 مليوناً و862 ألف دولار أميركي، مقابل 8 ملايين ونصف مليون دولار ميزانية إنتاجية).
يبقى "ذهب مع الريح" (1939) لفكتور فلمينغ (الذي أخرجه بالتعاون مع جورج كيوكر وسام وود، من دون ذكر اسميهما في "جينيريك" الفيلم)، الأنجح تجارياً ونقدياً، والأكثر حضوراً في مخيّلة مشاهدين كثيرين، وعقولهم وانفعالاتهم. فالفيلم، المقتبس من رواية بالعنوان نفسه (1936) للأميركية مارغريت ميتشل، يروي قصص حبّ وصراعات ونزاعات، يحتلّ العشق والغيرة والغضب فيها المرتبة الأولى بالتساوي، وذلك في جيورجيا، بدءاً من عشية اندلاع الحرب الأهلية تلك، عام 1861.
بين حرب ونزاع بين طبقات اجتماعية وتجار و"عبيد" ومصائب وعنف وحروب داخلية وخارجية، تمكّن "ذهب مع الريح" من احتلال مرتبة متقدّمة جداً عبر الزمن: حقَّق، في عروضه الدولية التي بدأت في 15 ديسمبر/ كانون الأول 1939، 400 مليون و177 ألف دولار أميركي، في مقابل ميزانية إنتاجية بلغت 3 ملايين و977 ألف دولار. لكن، بعد "تصحيح" عمليات التضخّم الحاصلة بين تلك الفترة ومطلع العشرية الثانية في القرن الـ 21، الذي جرى عام 2014، بات يُصنَّف بكونه "أكبر نجاح في تاريخ السينما"، إذْ باتت إيراداته تلك تبلغ 3 مليارات و44 مليون دولار أميركي.
عام 1990، حقَّق الممثل والمخرج والمنتج الأميركي كيفن كوستنر "رقصات مع الذئاب"، استناداً إلى سيناريو لمايكل بلايك، كتبه بناء على رواية له بالعنوان نفسه، صدرت عام 1988. مثَّل كوستنر فيه دور الملازم الشماليّ جون جي دنبر، الذي يُطلق عليه الهنود الحمر اسم "الراقص مع الذئاب"، قبل تعرّفهم إليه، لأنهم وجدوه يرقص مع أحد الذئاب، ذات مرة. أراد الانسحاب من أجواء الحرب الأهلية، والذهاب إلى موقع متقدّم مع الأعداء في "الغرب المتوحّش"، محاولاً التطهّر من الذكريات الأليمة، والمصائب الجسدية والروحية. هناك، سيلتقي سكان أميركا الأصلية من قبيلة Sioux، وستنشأ علاقة إنسانية بينهم، رغم ما سيترتّب على ذلك من تصادم بين "جماعته" المتطرّفين وبين هؤلاء الراغبين في سلامٍ وهدوءٍ (بلغت ميزانية إنتاجه 22 مليون دولار، وحقّق كإيرادات دولية مبلغ 425 مليون دولار).
المساهمون