أميركا والثورة السورية

23 يوليو 2016
+ الخط -
هناك، في عقل المعارضة السورية السياسي، اعتقاد شائعٌ يوقن أن النظام هو حصة روسيا، وأن المعارضة حصة أميركا، وأن روسيا لن تسمح بهزيمة حصّتها، وفي المقابل، لا ولن تسمح أميركا بهزيمة جماعتها، وأن هذا التوازن الدولي يفسّر التوازن الداخلي بين النظام ومن يقاتلونه، الذي قد يكسر هنا أو هناك، لكنه يبقى مستقرّاً بوجه عام، لأن كسره محظور استراتيجيا.
اهتزّ هذا الاقتناع بشدة بعد الغزو الروسي لسورية، واعتماد واشنطن حزب الاتحاد الديمقراطي (البايادا)، الكردي، حليفا يخوض حربها البرية ضد الإرهاب، بالنيابة عن جيشها، أحدث إدخاله إلى الصراع ودعمه السخي تبدلاً جدياً في علاقات قواه الداخلية، ومواقف البيت الأبيض من الجيش الحر، وكشف جوانب من خططه حيال الدولة السورية الراهنة التي تعهّدت بالمحافظة على وحدتها في القرار رقم 2254، لكن ما اقترحته وثيقة راند، ومشروع "البايادا" السياسي، المستند إلى دوره العسكري، أثارا شكوكاً جدّية بالتزام واشنطن بالقرار الدولي، وبمعادلة: أميركا معنا وروسيا مع النظام، وهي لن تسمح بهزيمتنا، مثلما لن تسمح موسكو بهزيمته.
بدخول الروس إلى سورية، وبروز قوة كردية مقاتلة تدعم أميركا مشروعها السياسي الغامض أيضا، تغيّرت مكونات الصراع في سورية وحساباته الدولية، فأقلعت واشنطن بصورةٍ متزايدةٍ عن اعتبار الطرف الروسي خصماً تفضي خسارته إلى انتصارها وانتصار الثورة السورية، وأخذت ترى في التفاهم معه المدخل الضامن لمصالحها، وكان قد بدا، في فترة طويلة، أن نجاح الثورة هو ضمانتها، مع ما يحمله هذا التطور من تبدّلٍ في علاقاتها مع السوريين الذين لم تعد هزيمتهم هزيمة لها، لأنها تستطيع بلوغ أهدافها عن غير طريقهم، بل عبر التفاهم مع عدوهم الروسي، شريكها الدولي الجديد في حربها ضد الإرهاب: أولويتها التي غيرت مواقفها المعلنة دولياً ومحلياً، وبعد أن تقول إن نجاحها مستحيل في حال بقي بشار الأسد في السلطة، شرعت تقول ما قاله الروس دوماً: إن فشل الحرب محتم إذا لم يتوصل السوريون إلى حل خلافاتهم بأنفسهم، وإن مصير النظام والأسد يرتبط بتفاهماتهم، وبالتالي، بالواقع الميداني الذي تطور بعد الغزو الروسي غير صالح الطرف الثوري، أكثر مما يرتبط بوثيقة جنيف والقرارات الدولية.
تبدلت علاقات أميركا مع المسألة السورية، بعد تموضع الجيش الروسي في سورية. وغيّر احتضان "البايادا" عسكريا، ودعم مشروعها سياسياً، معطيات الصراع السوري الداخلي، وأضاف إليه أبعاداً جديدة، لم تكن له قبل الحرب على الإرهاب، أولوية واشنطن التي تفوق في أهميتها صراع الثورة والنظام، العامل الذي كان يفصلها عن موسكو، وها هي الحرب ضد "داعش" وجبهة النصرة تجمعهما. بهذا التبدل، لن ترى أميركا في هزيمة الثورة خطاً أحمر، لا تسمح لأحد بالاقتراب منه، ناهيك عن تخطّيه. ولن تعتبر نفسها مسؤولةً بعد الآن عن الحفاظ على وحدة سورية دولةً ومجتمعاً، بحجة ترك الحل للسوريين، انطلاقاً من الوضع الميداني الراهن الذي يحتل حزب البايادا فيه مساحةً من سورية أكبر من التي يحتلها الجيش الحر.
إذا كان هناك مثل هذا الانقلاب في موقف واشنطن تجاه الثورة وسورية، ما الخطأ في فتح حوار مع روسيا، وأطراف الداخل السوري، بما فيها أطراف من النظام وحزب البايادا، نحدّد بواسطته النظام الذي نريده لبلادنا، والتزاماتنا المتكاملة حياله، من اليوم وإلى أن يتحقق؟ ألا تمسّ حاجتنا إلى موازنة الموقف الأميركي، من خلال فتح قنوات خارجية وتوحيد الجهات المقابلة للنظام، وتفعيل قدرات شعبنا، وصولاً إلى أوضاع ذاتية، تقنع أميركا وغيرها باستحالة تمرير أي حلٍّ لا يخدم مصالحنا ويحقق حريتنا؟
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.