أميركا: من ثنائية جمهورية-ديمقراطية إلى قطبية ترامب-ساندرز

15 نوفمبر 2016
يدفع الحزب الديمقراطي ثمن تجاهل مؤيدي ساندرز(باتريك فالون/فرانس برس)
+ الخط -
يختلف الأميركيون في تأويل ما سيفضي إليه الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في الولايات المتحدة نتيجة المأزق السياسي الذي خلفه فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية. وتفرض حالة الاستنفار الوجودي العام نفسها على مختلف مكونات المجتمع الأميركي الإثنية والدينية والحزبية والطبقية جراء الحدث الانتخابي ونتائجه.
وفيما يخشى البعض أن تقود التطورات إلى حرب أهلية باردة أو دموية في أسوأ السيناريوهات، إلا أن البعض الآخر يرى أنها قد تقود أيضاً إلى تغييرات بنيوية في النظام السياسي الذي ساهم خطاب ترامب الشعبوي، بقصد أو بغير قصد، في تعريته بالكامل وإظهار كافة عيوبه.
يمكن تتبع أولى العلامات، التي قد تقود في المستقبل إلى تداعي الهيكل السياسي التقليدي، في الحراك السياسي الذي يمكن ملاحظته داخل وخارج المنظومة الحزبية التقليدية القائمة على احتكار الحزبين الديمقراطي والجمهوري للحياة السياسية الأميركية.



توالي انهيار دفاعات الحزب الجمهوري منذ إعلان ترامب ترشحه باسم الحزب اكتمل حين إعلان فوزه بأصوات المتمردين على الحزب الديمقراطي في النقابات العمالية والناخبين الشباب الذين لم يغفروا لهيلاري كلينتون وقيادة الحزب الديمقراطي تآمرهم على بيرني ساندرز واستبعاده عن السباق الرئاسي.

لم يكن ترامب الفائز الوحيد في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي. هناك الطبقة العاملة الأميركية، التي صوتت للملياردير النيويوركي في ميشيغن وويسكنسن، والتي لم يسمع الديمقراطيون صوتها حين أعلنت ولاءها لثورة ساندرز خلال الانتخابات التمهيدية للحزب. الثورة السياسية التي دعا إليها السيناتور اليساري الأميركي المستقل عندما أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي هي اليوم في شوارع المدن الأميركية التي تهتف ضد ترامب. وهي أيضاً في حركة التغيير والإصلاح التي بدأت داخل المؤسسة الحزبية الديمقراطية والكلام عن قيادة جديدة يسارية أكثر وتكون قادرة على قيادة المواجهة في الشارع فيما لو اختار الرئيس المنتخب اعتماد سياسات عنصرية تستهدف المهاجرين من دول أميركا اللاتينية والمسلمين والأقلية الأفريقية. ويُطرح اسم كايث إليسون، أحد العضوين المسلمين في الكونغرس الأميركي، لقيادة الحزب الديمقراطي في المرحلة المقبلة. ويحظى إليسون بدعم قوي من بيرني ساندرز وتياره التغييري داخل الحزب.
وفي مقال نشره في صحيفة نيويورك تايمز، لم يتردد ساندرز في توجيه انتقادات إلى المؤسسة الحزبية الديمقراطية وعلاقاتها بوول ستريت (شارع المال) وأصحاب البنوك، داعياً إلى تبني الحزب لقضايا الطبقة العاملة الأميركية والانحياز الكامل للفقراء في جدول أعماله السياسي. كما لم يغفل ساندرز تجديد استعداده للتعاون مع الرئيس المنتخب إذا صدق بوعوده لمساعدة عائلات الطبقة العاملة الأميركية، لكنه في الوقت نفسه حذره من مواجهة في الشارع إذا عاد لخطاب التحريض ضد الأقليات.

الصورة الجديدة للمشهد السياسي الأميركي بعد الانتخابات الرئاسية يتصدرها قطبان متوازيان: الرئيس المنتخب والزعيم الشعبوي اليميني الذي سجل انتصاراً قد يشكل محطة تحول فاصل في التاريخ السياسي الأميركي الحديث.
في المقابل يبرز الزعيم اليساري والسيناتور المخضرم بيرني ساندرز الذي طوبته نتيجة الانتخابات زعيماً للمعارضة الشعبية الواسعة ضد ترامب، والمنتظر تبلور معالمها أكثر في الأيام والأسابيع المقبلة. ويرجح أن اتجاه العلاقة بين هذين القطبين السياسيين، اللذين شكلا ظاهرة سياسية جديدة في الولايات المتحدة، سيكون له أثر كبير على تطور الأحداث وعلى الصورة التي ستستقر عليها الأوضاع الأميركية في المرحلة المقبلة في حالتي التسوية أو المواجهة. مع العلم أن احتمالات التعاون غير مستبعدة.
وقد تكون القواسم المشتركة بين ترامب وساندرز أكثر بكثير مما يجمع مثلاً بين ترامب والحزب الجمهوري أو ما يجمع ساندرز بالحزب الديمقراطي.

وفي مثل الأجواء السياسية المضطربة التي تشهدها حالياً الولايات المتحدة تختفي الفروق بين اليمين واليسار، فيفوز الملياردير اليميني بأصوات العمال المحسوبين على اليسار. لكن ترامب كان السباق إلى اكتشاف المصلحة المشتركة مع ساندرز. وبعد استبعاد سيناتور فيرمنت عن السباق الرئاسي دعاه ترامب بشكل مباشر للانضمام إلى حملته الانتخابية ضد كلينتون. ويبدو أن أنصار ساندرز هم من التقط رسالة ترامب واقترعوا لصالح الأخير. مع العلم أن لغة المصالحة التي يعتمدها ترامب منذ انتخابه وحتى الآن تؤكد السير بهذا الاتجاه.
يبقى أن المفاجأة الكبرى تكمن في الأسماء المطروحة لتولي مناصب مهمة في إدارته، خصوصاً لجهة احتمال تكليف أول أميركي مسلم بحقيبة وزارة الخارجية الأميركية هو السفير الأميركي السابق إلى العراق زلماي خليل زاده. وفي ما لو تم هذا الأمر فإنه يعد سابقة، إذ لم يتخذ أي من الرؤساء الأميركيين السابقين مثل هذا القرار بينما أشيع خلال الحملات الانتخابية أن غريمة ترامب، هيلاري كلينتون، كانت تنوي تعيين مستشارتها حمى عابدين في منصب وزيرة الخارجية فيما لو فازت بالانتخابات.