أميركا تقسم البادية السورية إلى منطقتَي نفوذ

18 يوليو 2017
عناصر من "سورية الديمقراطية" بشرق الرقة أخيراً(بولينت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -
تتحدث مصادر سورية عن وجود تفاهم دولي لرسم خريطة جديدة في منطقة البادية السورية، بدأت ملامحها تنجلي مع انطلاقة عملية الفصل بين البادية والمنطقة الجنوبية، بعدما كان الحديث يدور عن منطقة آمنة واحدة تمتد من القنيطرة جنوباً ودرعا فالسويداء والبادية وصولاً إلى مدينة البوكمال، في ريف دير الزور الشرقي، على الحدود السورية-العراقية. لكن في الأسابيع الأخيرة، بدأ الحديث يختلف مع الاتفاق الأميركي-الروسي-الأردني على منطقة تشمل محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، في دلالة على المنطقة الجنوبية وحدها، بعمق 30 كيلومتراً، على أن تكون خالية من الفصائل الإيرانية. فاختزلت البادية في التنف، التي تتمركز فيها القاعدة الأميركية وجيش "مغاوير الثورة" المدعومين من الأميركيين، وهي قريبة من المثلث السوري-العراقي-الأردني.

نتنياهو قلق
وتبدو المنطقة الجنوبية موضوع "بازار" لمصلحة إسرائيل أولاً. فبعدما كان الاتفاق الأميركي-الروسي-الأردني موضع ترحاب حار في تل أبيب، عاد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ليعبّر عن قلقه من الاتفاق الذي اعترفت وسائل إعلام عبرية بأن دولة الاحتلال كانت طرفاً أصيلاً فيه. وقال نتنياهو في حديث مع الصحافيين في باريس، مساء الأحد، إن هذا الاتفاق يكرس الوجود الإيراني في سورية لذلك تعارضه إسرائيل تماماً، بحسب تعبيره. وسارع أركان الاتفاق إلى طمأنة تل أبيب، فقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الإثنين، إن موسكو وواشنطن "فعلتا كل ما بوسعهما للأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية أثناء إعدادهما لخطة إنشاء منطقة تخفيف التوتر جنوب سورية". وأضاف "ننطلق من أن القيادة الإسرائيلية على إطلاع تام بما توصلنا إليه". وأكد الوزير الروسي خلال مؤتمر صحافي، على أن "ممثلي روسيا والولايات المتحدة عقدوا لقاءات تمهيدية مع جميع الأطراف المعنية، لا سيما إسرائيل"، مضيفاً أن "موسكو تضمن احترام الاتفاق لمصالح تل أبيب".


وتشن قوات النظام السوري والمليشيات الطائفية حملة عسكرية شرسة ضد فصائل المعارضة الموجودة في البادية، وتحديداً بالقرب من الحدود العراقية-الأردنية-السورية، حيث يقوم النظام والمليشيات بعملية التفاف على مناطق المعارضة في محاولة لفصل مقاتليها في عمق البادية عن أولئك الموجودين بالقرب من الحدود، عبر محور جبل جرين شرقاً ومنطقة الزلف غرباً، ويفصل بينهما نحو 30 كيلومتراً. وأكد مصدر معارض في تلك المنطقة أن "النظام والمليشيات أنجزوا محاصرة قوات المعارضة الموجودة في شبه مربع أبرز مناطقه تل أم الميز وتل شهبا وتل مسيطمة والصفا والرحبة".

وقد حددت الولايات المتحدة على ما يبدو، منطقة حماية قاعدتهم في التنف بدائرة قطرها 50 كيلومتراً يمنع اختراقها من قوات النظام ومليشياته، والتي وصلت إلى الحدود العراقية-السورية، في حين لا تزال تبعد عن التنف باتجاه الجنوب الغربي نحو 90 كيلومتراً في منطقة المحروثة. وفي هذا الصدد، اعتبر المسؤول في المعارضة السورية أن "النظام والمليشيات الإيرانية اعتمدوا المسافة التي وضعها الأميركيون ليلتفوا حولها ويصلوا إلى منطقة الوعر على الحدود السورية-العراقية في ريف دير الزور الجنوبي، وتمكنوا لأول مرة منذ سنوات، من فتح طريق إلى العراق حيث يسيطر (الحشد الشعبي) على المنطقة المقابلة في العراق"، وفق المصدر نفسه.

وقال المراقب المختص بالشؤون العسكرية، مازن علوش، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الأميركيين والتحالف لم يقدموا أي مساعدة للفصائل المعارضة في البادية، والتي تتمثل في جيش أسود الشرقية وقوات الشهيد أحمد عبدو". ولفت إلى أن "ظروف المعركة في البادية قاسية جداً، فهي صحراء جرداء لا يوجد بها مبنى"، مضيفاً أنه "على الرغم من ذلك، خاض كل من فصيلي أسود الشرقية وأحمد عبدو، طوال أشهر مضت، معارك كبيرة ضد داعش وقوات النظام والمليشيات"، بحسب قوله.

وأعرب علوش عن اعتقاده بأنه "بعد تقدم النظام السوري بشكل واسع في البادية وفي ظل تفاهمات دولية، سيبقى للثوار شريط حدودي مع الحدود الأردنية من قبل معسكر الركبان في الجنوب، قد يبلغ عرضه 30 كيلومتراً ويمتد إلى منطقة التنف، في حين يبقي التحالف الدولي على منطقة التنف وصولاً إلى معسكر الزكف شرقاً"، وفق تقديره.

وكانت مصادر في "مغاوير الثورة" قد أفادت في وقت سابق "العربي الجديد"، بأن هناك مفاوضات مع "التحالف الدولي" لنقل جزء من قواتهم إلى منطقة الشدادي الخاضعة لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، المدعومة أميركياً، مؤكدين تمسكهم بمناطقهم في البادية. ورأى متابعون أن وصول قوات النظام إلى الحدود العراقية أنهى فعلياً مشروع توجه "مغاوير الثورة" إلى دير الزور، ولم يبق لهم سوى تأمين قاعدة "التحالف الدولي" في التنف، إذ يمنع "التحالف" الفصائل التي يدعمها من قتال النظام والمليشيات.

وفي الرقة، التي تعتبر منطقة نفوذ أميركية، وحيث تشن "قوات سورية الديمقراطية" معركة طرد تنظيم "داعش" منها، واصل النظام السوري مدعوماً من المليشيات الإيرانية والطائفية، إضافةً إلى 6500 من أبناء عشائر الرقة، بحسب وسائل إعلام النظام، تقدمه في الأيام الأخيرة الماضية، بالريف الجنوبي للرقة. وسيطرت قوات النظام على سلسلة من حقول النفط جنوب غربي الرقة، منها حقول الوهاب والفهد ودبيسان والقصير وأبو القطط وأبو قطاش، وقرى أخرى، التي تقع جنوب بلدة الرصافة وآبارها النفطية، والتي سيطرت عليها الشهر الماضي.

وتتباين التوقعات حول الجهة التي سيقصدها النظام بعد تقدمه جنوب الرقة. وهناك من يتحدث عن متابعة التقدم باتجاه دير الزور التي باتت تبعد عن قوات النظام المتقدمة أقل من 100 كيلومتر، في حين يعتقد آخرون أن التحركات الميدانية تشير إلى أنه يتجه إلى السخنة في ريف حمص الشرقي المجاور لريف الرقة الجنوبي. وفي هذا الإطار، قال علوش إن "المعلومات تبين أن النظام يتقدم باتجاه مدينة السخنة أقصى الريف الحمصي الشرقي بشكل متسارع، إذ أصبح يبعد عنها اليوم نحو 57 كيلومتراً، في حين لا يبعد عنها أكثر من 15 كيلومتراً من محور تدمر بعدما سيطر على حقل الهيل جنوب السخنة".

وأكد عضو "تنسيقية تدمر وريفها"، خالد الحمصي، في حديث مع "العربي الجديد"، تقدم النظام باتجاه السخنة من جنوب المنصورة، حيث سيطروا على منطقة تدعى الزملة ومواقع عدة في محيطها، وجنوب الرصافة. وبيّن أن للسيطرة على السخنة أهمية كبيرة في معركة التقدم باتجاه دير الزور، إذ تعتبر أهم مناطق "داعش" جغرافياً بعد عقيربات شرق حماة، فهي عقدة ربط رئيسية بين البادية والرقة ودير الزور وريف حلب الشرقي، وفق قوله.

وتظهر المعلومات الواردة من المنطقة أنه من المرجح أن يتقدم النظام السوري عقب حقل الهيل في شرق حمص إلى تل المرزوق وحقل الضبيات، ومن ريف الرقة باتجاه الريف الحمصي عبر الكدر والكوم وجبل منشار وجبل داهق، وصولاً إلى السخنة. وبالتالي يكون أيضاً قد فرض حصاراً على منطقة يزيد عمقها عن 100 كيلومتر، تمتد بين ريف حمص وريف حماة وريف الرقة.

يشار إلى أن مصادر مسلحة معارضة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، أعربت عن اعتقادها بأن هناك صفقة أميركية-روسية لإدارة المعركة في سورية، بوصلتها حفظ أمن إسرائيل، ومحاربة "داعش"، بغض النظر عن هوية الجهات التي ستضطلع بالمهمة، أكانت فصائل معارضة أم قوات النظام أم قوات مشتركة من الاثنين.

المساهمون