أميركا: أوباما يحتوي "المشاغب" ساندرز الطامح بمنصب نائب الرئيس

09 يونيو 2016
تسوية محتملة بين كلينتون وساندرز لتعيينه نائباً للرئيس(سكوت أوسلون/Getty)
+ الخط -
أسفرت جولة الثلاثاء الحاسم في الانتخابات التمهيدية الأميركية عن تأهل وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، لتمثيل الحزب الديمقراطي في السباق الرئاسي، مثلما كان سبقها تأهل رجل الأعمال، دونالد ترامب، لتمثيل الحزب الجمهوري. غير أن هذا النجاح الذي حققه كل منهما لا يزال، لأسباب ومعطيات مختلفة، غير رسمي، ومن غير المستبعد عدم تحوّله إلى تتويج رسمي لكل منهما خلال مؤتمري الحزبين الكبيرين في يوليو/تموز المقبل. صحيح أن نتائج الانتخابات التمهيدية غير ملزمة نظرياً لأي من الحزبين، لكن الالتفاف على النتائج سيكون بمثابة انتحار سياسي لقادة الحزبين الكبيرين إلا إذا كانت المبررات مقنعة أو بعيدة تماماً عن شبهة المؤامرة.

في معسكر الحزب الجمهوري، يبدو أن المعارضين الأقوياء لترشيح ترامب باسم الحزب لا يزالون يأملون وربما يعملون على منع ترشيحه بأي وسيلة. ومن المؤشرات على ذلك أن شخصيات قيادية عليا في الحزب الجمهوري لا تزال تطلق عليه أوصافاً سيئة وتعتبر تصريحاته عنصرية، فيما يبدي آخرون تردداً في إعلان تزكيتهم له.

ورغم الفوز الكاسح الذي حققه في الانتخابات التمهيدية على جميع منافسيه الجمهوريين، إلا أن مؤتمر الحزب المقرر عقده في الثامن عشر من الشهر المقبل وحتى الحادي والعشرين منه في ولاية أوهايو، يمكن أن يشهد جدلاً ومحاولات لاستبدال ترامب بمرشح آخر، من قيادات الحزب الموصوفة بالاتزان. وقد تسبق هذه المحاولات إجراءات قضائية ضد ترامب أو توريطه في أخطاء مدبرة، تُعرضه للاعتقال أو التحقيق، بما قد يؤدي إلى فتح الباب أمام حرمانه قانونياً من الترشيح ويصار بعدها إلى اختيار البديل. ولكن الأخطر من ذلك على الحزب الجمهوري يتمثل في أن يبادر المعارضون لترشيح ترامب بتقديم مرشح جمهوري آخر يخوض الانتخابات الرئاسية بصفة مستقل وقد يدعمه الحزب في الخفاء. كما أن أي خلافات متوقعة مع ترامب أثناء مؤتمر الحزب أو قبله، أو أي استفزاز له، قد يدفعه للانسحاب من الحزب وخوض الانتخابات كمرشح مستقل، الأمر الذي يهدد صف الجمهوريين بالانقسام.

ويبدو أن عدوى الانقسام قد انتقلت من صفوف الجمهوريين إلى الحزب الديمقراطي الذي يبدو في الظاهر أكثر تماسكاً. لكن استمرار المرشح المنافس لكلينتون، السيناتور بيرني ساندرز، في تحديها رغم فوزها الكاسح عليه، يمكن اعتباره مؤشراً على أنه لم يتخذ هذا القرار من قبيل المكابرة بل بناءً على معلومات أو احتمالات واردة، تجعله يصر على نقل التحدي إلى مؤتمر الحزب الديمقراطي في ولاية بنسلفانيا، من الخامس والعشرين وحتى الثامن العشرين من الشهر المقبل.


ويبدو أن التحقيق الجاري في قضية البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية السابقة والاحتمالات الواردة بإحالتها شخصيا للمحاكمة بما يهدد أهليتها للترشيح، يجعل من الضروري أمام الحزب الديمقراطي أن يكون مستعداً لطرح مرشح بديل. هذا البديل لن يكون بأي حال من الأحوال سوى السيناتور ساندرز كونه حاز على أكثر من عشرة ملايين صوت وأصبح معروفاً أمام الناخب الأميركي وقادراً على إلحاق الهزيمة بترامب.

غير أن الخطاب الذي ألقاه ساندرز صباح أمس الأربعاء وامتنع فيه عن الإقرار بهزيمته أمام كلينتون من دون أن يقدم مبررات مقنعة لاستمراره في سباقه الخاسر معها، ينبئ كذلك بأن الرجل يريد أن ينقل ثورته السياسية إلى مؤتمر الحزب الديمقراطي، من أجل المقايضة على منصب نائب الرئيس أو من أجل فرض "أجندة" ليبرالية يطالب بها الجيل الشاب من الناخبين. وأي جدل متوقع مهما كان الهدف السياسي منه، قد يعرّض الصف الديمقراطي للانقسام ويقود ذلك إلى خوض ساندرز الانتخابات الرئاسية بصفة مستقل، وهو أمر غير مستبعد لكنه سيقضي بذلك على حظوظ الحزب الديمقراطي في الحفاظ على البيت الأبيض من الانتقال للجمهوريين.

لقاء ساندرز أوباما

في ظل هذا المخاض يأتي لقاء الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مع ساندرز، اليوم الخميس، لمناقشة موضوع السباق الانتخابي وسبل التعاون لإبقاء البيت الأبيض في قبضة الحزب الديمقراطي خلال السنوات الأربع المقبلة، وفقاً لما أعلنه ساندرز في خطاب التحدي ورفض الهزيمة، الذي ألقاه بولاية كاليفورنيا فجر الأربعاء (ليل الثلاثاء بتوقيت أميركا). ويتمثل هدف أوباما خلال اللقاء بإقناع ساندرز بالتوقف عن العناد وإعلان دعمه للمرشحة كلينتون، قبل حلول موعد انعقاد الحزب الديمقراطي لضمان تفادي الانقسام أو الفوضى أثناء المؤتمر. وكان بيرني ساندرز رفض الاعتراف بفوز كلينتون معلناً تصميمه على الاستمرار في تحديها إلى أن يتم الإدلاء بآخر صوت في جولة العاصمة واشنطن، الأسبوع المقبل، وهي الجولة الأخيرة من الانتخابات التمهيدية الأميركية.

ويتناقض إصرار ساندرز على الاستمرار مع كافة الحسابات الرقمية والاحتمالات والسيناريوهات التي تؤكد حصول كلينتون على أكثر من الحد الأدنى لشرط تمثيل الحزب الديمقراطي، وبالتالي حرمان ساندرز من تعديل النتيجة، إلا إذا كان أنصاره يعتقدون أن أصوات المتظاهرين خارج قاعات مؤتمر الحزب يمكن أن تتغلب على أصوات المندوبين المنتخبين والمنتخبين الكبار داخل المؤتمر.

وجاء فوز كلينتون بأغلبية في عدد المندوبين المنتخبين ليجعل موقف ساندرز أكثر صعوبة إذا ما حاول إقناع المندوبين الكبار على تأييده بدلاً من الفائزة، لكن الجدل حول النظام الانتخابي الحزبي بمجمله سيكون محور نقاش بلا شك أثناء انعقاد مؤتمر الحزب.

ويبلغ عدد أعضاء مؤتمر الحزب الديمقراطي 4765 مندوباً، من بينهم 712 مندوباً كبيراً لا يتم اختيارهم بالانتخاب وإنما بالتعيين التلقائي بحكم مراكزهم في قيادة الحزب أو عضويتهم بالكونغرس، أو مواقعهم المتقدمة في ولاياتهم. وتقول كلينتون إن حوالي 600 مندوب كبير من بين هؤلاء أصبحت أصواتهم مضمونة لها بموجب تعهدات مسبقة، غير أن ساندرز يتجاهل ذلك لأسباب غير واضحة تماماً. لكن في نهاية المطاف، يحتاج الحزب الديمقراطي لاتخاذ إجراءات ترضي التيار الشبابي الليبرالي بعدما تحوّل، بفضل حملة ساندرز الانتخابية، إلى قوة لا يستهان بها.
المساهمون