18 نوفمبر 2024
أميتاب باتشان وبوليوود وإسرائيل
لمّا زار نجم السينما الهندية، أميتاب باتشان، مصر ضيفا على مهرجان القاهرة السينمائي، في عام 1991، كان مبتهجا في صوره مع فريد شوقي ونجوم آخرين في السينما المصرية (بينهم يسرا)، وكذا في صوره عند الأهرامات وغيرها. ولمّا تم تكريمه في مهرجان دبي السينمائي قبل نحو تسع سنوات، أفرط في توزيع الابتسامات أمام عدسات التصوير التي كانت تلاحقه. ولمّا استمعنا إليه في مناسبةٍ ترويجيةٍ في دبي، مرة، أبهجنا بالنكات والقفشات، وبدا أنه يحرص أمامنا على صورته نجما جذّابا، مع بدء انصراف زمنه، ومغادرته شبابه الذي كان إبّانه، في السبعينيات والثمانينيات، الممثل الهندي الآسر، في أفلام دور السينما الشعبية والرخيصة، في غير بلدٍ عربي. وكنا، في صبانا الأول، مفتونين بهذا المغنّي والراقص، الفقير المظلوم في صغره، المنتصر على السارقين والقاتلين في نهاية الفيلم. كان يقيم في مخيلاتنا الطريّة صورةً على تخوم الأسطورة، وانهوست به مراهقاتٌ بين ظهرانينا إلى حدودٍ محرجة. لم يتسرّب إلى مداركنا، في حينه، أن محبوبنا هذا سيحبّ إسرائيل كثيرا، وسيموت فيها ولعا. ماذا دهاه لئلا يكترث بنا، فلا يقيم أي اعتبارٍ لمشاعرنا؟ لقد تأسرل إلى مرتبةٍ مفرطة، فيما نحن لم نقصّر في تدليله في بلادنا، وفي تكريمه، وفي مسعانا إلى ودّه.
ليست صورة السيلفي التي التقطها أميتاب باتشان بنفسه، وببهجةٍ وفيرةٍ، مع نتنياهو وزوجته، في حفل "شالوم بوليوود" في بومباي الخميس الماضي، برفقة ممثلين ومنتجين في السينما الهندية، ومعهم نجل باتشان أيضا، ليست هذه الصورة وحدها ما استثار الكلام أعلاه، فثمّة الوله الذي صار يمحضُه نجمنا السابق هذا تجاه إسرائيل. ... استضاف، قبل أيام، في منزله في مومباي مسؤولي القنصلية الإسرائيلية وأفرادها، وغالى في الاحتفاء بهم، وبدولة الاحتلال التي يمثلون، فاضطر القنصل إلى التعبير عن "تواضعٍ" في جوانحه أمام ما سمع من مضيفه، والأهم أنه شكر أميتاب باتشان لدوره "النشط في التعاون بين بوليوود وإسرائيل". وهنا مربط الفرس الذي جعل نتنياهو يخصّص "مسك ختام" زيارته الهند لقلعة صناعة السينما الأكثر إنتاجا في العالم. وإسرائيل تعرف ماذا تصنع، وتعرف أن قطاع إنتاجات السينما ومسلسلات التلفزيون في الهند كبيرٌ ومؤثرٌ ونشطٌ وبالغ الحيوية. ثمّة كثيرٌ من السياسة في الانتباه الحاذق إلى "بوليوود" التي كان وفدٌ منها قد استبق "إطلالة" نتنياهو عليها بزيارة إسرائيل، قبل شهر بالضبط. لم يُكتفَ فيها بحديثٍ عن اتفاقية إنتاجٍ مشتركٍ سيتم توقيعها لاحقا، وإنما اشتملت أيضا على جولاتٍ في القدس العتيقة وفي البحر الميت وغابات الكرمل وعكا وأماكن أخرى من أجل أن يتم فيها تصوير مشاهد في أفلام هندية مقبلة. تحدّث المخرج امتياز علي (مسلم) عن روعة التصوير في "إسرائيل"، و"المناظر الطبيعية المذهلة" فيها، وعن رحلته هذه باعتبارها حلما له تحقق. ويبدو أنهم زرعوا في فمه أنه في أرض الميعاد، فنطق بالعبارة هذه.
تتجاوز القصة مسألة إعفاءاتٍ ضريبية للمخرجين الهنود الذين يطلقون أفلامهم في إسرائيل إلى جهد كبير تنشط فيه حكومة الاحتلال باتجاه تظهير أوثق علاقات التعاون مع "بوليوود"، في مواجهة توسّع مقاطعة شخصياتٍ وفاعلياتٍ ومؤسساتٍ ثقافيةٍ وفنيةٍ وأكاديميةٍ في الغرب إسرائيل. وهذا حفل "شالوم بوليوود" الذي احتفى بنتنياهو في بومباي، وانتظم بجهدٍ ظاهرٍ من أميتاب باتشان، يؤشّر إلى تقدّم كبير لمسار الاستثمار السياسي والسياحي والفني العريض مع الهند، والذي تتطلع إسرائيل إلى أن تنتفع منه، على غير صعيد، ومن ذلك مقادير الدعاية المهولة لها في بلدٍ عظيم الأهمية، ليس فقط في الشرق الآسيوي، وإنما في خرائط العالم وتشابكاته الاقتصادية والعلمية والمعرفية أيضا.
يلعب أميتاب باتشان في الأمر المتحدّث عنه دورا بالغ القيمة، بعد أن كسبته إسرائيل تماما، فصار يهنئها في أعيادها، ولا نتذكّر أنه بادر إلى أمرٍ كهذا تجاه العرب مرة. ومن يلعب دورا أكبر هو قصور أدواتنا، نحن العرب، في الحفاظ على أصدقائنا، وخسارتنا الهند، الصديق العتيق لقضايانا، جسيمة. هل من سياسيٍّ عربي زار الهند مثلا، وجاء إلى باله أن يُجامل "بوليوود" بأي اتصالٍ من أي نوع؟
ليست صورة السيلفي التي التقطها أميتاب باتشان بنفسه، وببهجةٍ وفيرةٍ، مع نتنياهو وزوجته، في حفل "شالوم بوليوود" في بومباي الخميس الماضي، برفقة ممثلين ومنتجين في السينما الهندية، ومعهم نجل باتشان أيضا، ليست هذه الصورة وحدها ما استثار الكلام أعلاه، فثمّة الوله الذي صار يمحضُه نجمنا السابق هذا تجاه إسرائيل. ... استضاف، قبل أيام، في منزله في مومباي مسؤولي القنصلية الإسرائيلية وأفرادها، وغالى في الاحتفاء بهم، وبدولة الاحتلال التي يمثلون، فاضطر القنصل إلى التعبير عن "تواضعٍ" في جوانحه أمام ما سمع من مضيفه، والأهم أنه شكر أميتاب باتشان لدوره "النشط في التعاون بين بوليوود وإسرائيل". وهنا مربط الفرس الذي جعل نتنياهو يخصّص "مسك ختام" زيارته الهند لقلعة صناعة السينما الأكثر إنتاجا في العالم. وإسرائيل تعرف ماذا تصنع، وتعرف أن قطاع إنتاجات السينما ومسلسلات التلفزيون في الهند كبيرٌ ومؤثرٌ ونشطٌ وبالغ الحيوية. ثمّة كثيرٌ من السياسة في الانتباه الحاذق إلى "بوليوود" التي كان وفدٌ منها قد استبق "إطلالة" نتنياهو عليها بزيارة إسرائيل، قبل شهر بالضبط. لم يُكتفَ فيها بحديثٍ عن اتفاقية إنتاجٍ مشتركٍ سيتم توقيعها لاحقا، وإنما اشتملت أيضا على جولاتٍ في القدس العتيقة وفي البحر الميت وغابات الكرمل وعكا وأماكن أخرى من أجل أن يتم فيها تصوير مشاهد في أفلام هندية مقبلة. تحدّث المخرج امتياز علي (مسلم) عن روعة التصوير في "إسرائيل"، و"المناظر الطبيعية المذهلة" فيها، وعن رحلته هذه باعتبارها حلما له تحقق. ويبدو أنهم زرعوا في فمه أنه في أرض الميعاد، فنطق بالعبارة هذه.
تتجاوز القصة مسألة إعفاءاتٍ ضريبية للمخرجين الهنود الذين يطلقون أفلامهم في إسرائيل إلى جهد كبير تنشط فيه حكومة الاحتلال باتجاه تظهير أوثق علاقات التعاون مع "بوليوود"، في مواجهة توسّع مقاطعة شخصياتٍ وفاعلياتٍ ومؤسساتٍ ثقافيةٍ وفنيةٍ وأكاديميةٍ في الغرب إسرائيل. وهذا حفل "شالوم بوليوود" الذي احتفى بنتنياهو في بومباي، وانتظم بجهدٍ ظاهرٍ من أميتاب باتشان، يؤشّر إلى تقدّم كبير لمسار الاستثمار السياسي والسياحي والفني العريض مع الهند، والذي تتطلع إسرائيل إلى أن تنتفع منه، على غير صعيد، ومن ذلك مقادير الدعاية المهولة لها في بلدٍ عظيم الأهمية، ليس فقط في الشرق الآسيوي، وإنما في خرائط العالم وتشابكاته الاقتصادية والعلمية والمعرفية أيضا.
يلعب أميتاب باتشان في الأمر المتحدّث عنه دورا بالغ القيمة، بعد أن كسبته إسرائيل تماما، فصار يهنئها في أعيادها، ولا نتذكّر أنه بادر إلى أمرٍ كهذا تجاه العرب مرة. ومن يلعب دورا أكبر هو قصور أدواتنا، نحن العرب، في الحفاظ على أصدقائنا، وخسارتنا الهند، الصديق العتيق لقضايانا، جسيمة. هل من سياسيٍّ عربي زار الهند مثلا، وجاء إلى باله أن يُجامل "بوليوود" بأي اتصالٍ من أي نوع؟