قبل يومين، كانت السيدة فريهان دراغمة "أم شادي"، في زيارة لنجلها، عادت من السجن متعبة مرهقة. قدر لها أن تلتقي شادي لتطمئن على صحته، لكنها لم تخف ألمها وهي تتحدث عن ابنها الذي سألته عما يشتهيه من طعام في سجنه، فكان ما يشتهيه اللوز الأخضر والحمص الأخضر الذي يطلق عليه الفلسطينيون "الحاملة". لكن الأم التي أحست بالألم لن تستطيع أن تجلب له في السجن ما اشتهاه.
لا تخفي أم شادي، خلال حديثها لـ"العربي الجديد"، فخرها بابنها، "معنوياته والحمد لله عالية، ووضع لنفسه برنامجاً للدراسة والتحصيل العلمي داخل السجن، هو معروف بذكائه وتفوقه بين أقرانه".
وتقول: "إلى جانب دراسته التي لم يتوقف عن متابعتها، يمارس الرياضة ككل أقرانه، لكنه يتميز عنهم بحبه للمطالعة والقراءة، ولديه كراس يكتب فيه مذكراته، كما يمتلك قصاصات ورق يكتب عليها رسائل يذيلها بعبارة: أحبك يا أمي".
وتضيف أم شادي: "بعد سنتين سيتحرر شادي، وإلى أن يحدث ذلك، فإن جل تفكيره منصب على دراسته. مر عام على اعتقاله. شادي الروح وقطعة قلبي اللي ما تخيلت أن يبعد عني يوما واحدا. شادي طفل كله نشاط وذكاء وتفوق. كان متفوقا بالسباحة وركوب الخيل والدبكة والجمباز، اليوم هو بين أربعة حيطان، انتزع من أحضاني، وحرم أن يمارس أقل حقوقه، وأن يكون بين إخوته وأصحابه ومدرسته".
وتواصل: "عانى شادي كثيراً خلال هذه السنة قبل أن تقرر المحكمة سجنه ثلاث سنوات، كانت سنة من العذاب النفسي والجسدي، كل جلسة محكمة كان عنده أمل بالإفراج عنه كونه لم يرتكب أي جريمة. قضاة الاحتلال الذين أتوا من دول عدة، يحاكمون ابن القدس وابن الأرض، وأنا أعتبر كل العالم مقصراً تجاه قضية الأسرى الأطفال".
وتتساءل "كيف يحاكم طفل عمره 12 سنة؟ بأي قانون؟ أنا كأم لم أتخيل يوماً أن تصل الأحوال لمحاكمة طفل بهذا العمر، لأن كل قوانين العالم لا تحاكم طفلاً حتى لو ارتكب جريمة، فما بالكم بمن لم يرتكب شيئاً".
وتقول أم شادي: "ابني داخل الأسر. أشعر بالألم والحسرة وأنا أشاهد أقرانه في العالم يمارسون حياتهم الطبيعية. الطفل الفلسطيني يستحق الحياة ويستحق العيش بكرامة، نحن لم نختر أن نكون تحت الاحتلال، على العالم والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والطفولة تحمّل مسؤوليتها والضغط على حكومة الاحتلال للإفراج عن كافة الأطفال دون قيد أو شرط. هذا حق مشروع".
وتتابع: "أشعر بالظلم عندما أسمع أن محكمة الاحتلال تحكم على طفل يهودي قام بكسر يد جندي إسرائيلي بثلاثة أشهر، بينما حجز منزلياً، وحكم ابني الذي لم يفعل شيئاً ثلاث سنوات. أشعر بالقهر وأنا أرى شادي يكبر في السجن محرومة من احتضانه، شادي قبل سنة لم يعد شادي اليوم، تغيّر تفكيره وجسمه، كبر كأنه لم يعد طفلاً، حرم من أجمل اللحظات التي يتمناها أي طفل في عمره".
وتتذكر أم شادي عبارة كان يرددها على مسامعها كلما زارته: "كان بحكيلي ماما لو احنا متوحدين وإيد واحدة ما بصير فينا هيك. كان أنا مش هون. شادي طفل بس عقله كبير. بفكر إنه الخلافات بين الكبار بتضر بقضية الأسرى سواء الأطفال أو النساء. بحكيلي ما بدنا حكي وبس. بدنا فعل. بدنا حريتنا".
وقبل أن تنهي الأم الزيارة سألت ابنها: "شو جاي عبالك يا شادي. فقال لي: جاي عبالي حاملة ولوز أخضر". أمنية شادي الأخيرة تركت وجعاً في قلب والدته، لم تستطع بعدها أن تسرد الكثير عنه، وما زالت تنتظره نحو عامين كي يتحرر من أسره.