أمراض نفسية في تونس

02 يوليو 2017
لا مفرّ من الاكتئاب (ناصر طلال/ الأناضول)
+ الخط -
لا تتوفّر إحصاءات دقيقة حتى الآن حول عدد المصابين بأمراض نفسية وعقلية أو خارطة توزّع تلك الأمراض وأنواعها أو عدد المرضى النفسيين الذين يقصدون العيادات الطبية الخاصة، إلا أنّ إحصاءً رسمياً صادراً في عام 2016 أظهر أنّ عدد المرضى الذين قصدوا العيادات الخارجية في مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية (غربيّ تونس العاصمة) للعلاج وصل إلى نحو 150 ألفاً فيما سُجّلت 12 ألف حالة استشفاء في السنة.

تختلف الأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية لجهة طبيعتها وحدّتها، لكنّ الاكتئاب يبقى في الصدارة ويحتل رأس قائمة الأمراض النفسية والعقلية التي تصيب التونسيين وفق بيانات مستشفى الرازي. فقد طاول هذا المرض نحو 8.2 في المائة من مجموع السكان في تونس، وتُعدّ المرأة أوّل المعرَّضين للاكتئاب. ويمسّ الاكتئاب كل الشرائح العمرية، إلا أنّ ثمّة فترات من العمر ترتفع حدته خلالها. وتصل نسبة الانتكاسات بهذا المرض إلى 80 في المائة، وهو ما يجعل البعض يصنّفه من ضمن الأمراض المزمنة، بحسب مستشفى الرازي.

ويجمع ذوو الاختصاص وكذلك الدراسات النفسية ذات الصلة على أنّ ما تشهده البلاد من أوضاع اجتماعية وسياسية بالإضافة إلى العنف وأحداث الإرهاب يمثّل أبرز الأسباب التي تؤدّي إلى ارتفاع عدد المصابين بأمراض نفسية وعصبية لا سيّما الاكتئاب. فتشير الاختصاصية في علم النفس ناجية بن موسى إلى "علامات عدّة تدلّ على ارتفاع نسبة الاكتئاب في تونس بعد الثورة، منها ارتفاع معدلات الانتحار ونسب حوادث السير والطلاق وإدمان الكحول وتعاطي المواد المخدّرة". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "أعراض المرض تظهر خصوصاً لدى المراهقين، فتأتي نتائجهم الدراسية سلبية بالإضافة إلى تسجيل اضطرابات في سلوكهم وتبادر فكرة الانتحار سريعاً إلى ذهنهم". وتقول بن موسى إنّ "ارتفاع تكاليف العلاج لا يشجّع المرضى على الإقبال على العيادات النفسية. بالتالي، فإنّ الإحصاءات المتوفّرة لن تكون دقيقة ولن تشخّص حقيقة مرض الاكتئاب في تونس".



من جهتها، تبيّن رئيسة قسم العيادات الخارجية والاستعجالي في مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية، الدكتورة ريم غشام، أنّ "حالات مرضيّة عدّة تتفشّى بين التونسيين، من قبيل القلق واضطرابات المزاج والاضطرابات الذهنية والضغط النفسي". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "المصابين بأمراض نفسية بمعظمهم لا يقصدون المستشفى لتلقّي العلاج بل يتوجّهون إلى القطاع الخاص. على الرغم من ذلك، فإنّ عدد المرضى الجدد في المستشفى يفوق عشرة آلاف مريض سنوياً، يعانون بمعظمهم من أوضاع اجتماعية متردية". وتشير إلى أنّ "نسبة أعوان الأمن تبلغ 40 في المائة من إجمالي عدد المرضى، لا سيّما بعد عام 2011". إلى ذلك تتحدّث غشام عن "ارتفاع الطلب على الأدوية المضادة للاكتئاب في الصيدليات، في حين ارتفع عدد الاستشارات النفسية في مستشفى الرازي إلى 146 ألف استشارة في عام 2012، في مقابل 136 ألفاً في عام 2011".

في السياق، يشير رئيس الجمعية التونسية للأطباء النفسانيين بالممارسة الحرة، الدكتور سفيان الزريبي، لـ "العربي الجديد" إلى "ارتفاع في استهلاك الأدوية المهدئة للأعصاب والمضادة للقلق، بالتزامن مع ارتفاع عدد التونسيين الذين يلجؤون إلى عيادات الأطباء النفسانيين بسبب القلق والاكتئاب، من دون توفّر إحصاءات".
وتأتي ظواهر عدّة في المجتمع التونسي لتؤكّد الارتفاع الحاصل في نسبة الأمراض النفسية والعقلية، ومنها الانتحار. فقد ارتفعت نسبة حالات الانتحار في تونس بصورة كبيرة، الأمر الذي أعاده الاختصاصيون النفسيون بمعظمهم إلى تزايد نسب الإصابة بالاكتئاب من جرّاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد. تُضاف إلى ذلك قلة الوعي حول أهمية الطب النفسي، والدليل على ذلك تسجيل حالات انتحار عدّة في الريف والمناطق الداخلية للبلاد.

تقول المتخصصة النفسية فاطمة الشرفي وهي رئيسة لجنة مكافحة الانتحار التابعة لوزارة الصحة لـ "العربي الجديد" إنّ "ظاهرة الانتحار بدأت منذ أكثر من عشر سنوات. لكنّها سجّلت تزايداً بعد عام 2011". يُذكر أنّ الوزارة أنشأت اللجنة في عام 2015 بعدما حذّر أهل الاختصاص من خطورة الوضع، داعين إلى ضرورة نشر الوعي حول أهمية الطب النفسي. وتتمثّل مهام اللجنة في وضع استراتيجية وقائية وسجلّ وطني يتضمّن إحصاءات حول الانتحار، وذلك للمرة الأولى في تاريخ البلاد. وتشير الشرفي إلى أنّ "365 شخصاً انتحروا في عام 2015، فيما سُجّلت نحو 500 حالة انتحار في عام 2016".

المساهمون