أمراء الحروب يذوّبون الطبقات الاجتماعية في العراق

24 يونيو 2015
ارتفاع معدلات الفقر في العراق (أحمد الربيعي/فرنس برس)
+ الخط -
وجود الفروقات الاجتماعية أمرٌ بات مألوفاً لا تخلو منه دولة أو أمة. لكنه في العراق بات يشكل ظاهرةً أكثر وضوحاً. الحروب المتعددة التي خاضها، وحالة عدم الاستقرار التي يشهدها منذ عدة عقود، وهو واقع أفرز طبقةً من المستفيدين وتجار الحروب، وقدم أسوأ مثال على الزواج بين المال والسلطة.

طبقات فقيرة
منذ حرب الخليج الأولى بدأت تظهر طبقة قليلة من الأثرياء المرتبطين بالسلطة والحاشية المحيطة بها، وبات الأمر أشد وضوحاً بعد فرض الحصار الأممي على العراق غداة قيامه بغزو الكويت بداية تسعينات القرن الماضي حيث بدأت الطبقة الوسطى بالتآكل والتحول التدريجي إلى الطبقة الفقيرة وشديدة الفقر.

الأمر بات، وفقاً لتقارير وبحوث عدة، يأخذ منحىً خطيراً منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، حيث انتشر الفساد المالي والإداري، واختفت عشرات المليارات من الدولارات من ميزانية الدولة في ظل سلطة الاحتلال والحكومات المتعاقبة بعدها، وأشارت إلى ذلك العديد من الجهات والمنظمات الدولية.

كانت المنظمة الأميركية العراقية لحقوق الإنسان قد أصدرت بياناً أعلنت فيه، "أن سبعة ملايين عراقي يعيشون ظروفاً معاشية سيئة للغاية نتيجة الفقر المدقع الذي بات منتشراً في العراق، وتعدت نسبته 23% تحت خط الفقر"، وعدت المنظمة ذلك مؤشراً خطيراً "يهدد حياة العراقيين ويضعهم تحت طائلة انعدام الحياة".

وأوضح البيان "إن منظمات دولية ودراسات ميدانية قد أشارت إلى أن الحكومة العراقية تحتل مراتب متقدمة في الفساد الإداري والسياسي".

اقرأ أيضا: مستقبل العراق في ظل الفساد: أسود كالنفط

الباحث العراقي نواف شاذل طاقة، يرصد معاناة الطبقة الوسطى خلال فترة التسعينيات عندما تعرض العراق لحصار اقتصادي وعلمي استغرق زهاء 13 سنة كانت الطبقة الوسطى خلالها أكثر المتضررين، إلاّ أنها حافظت على جوهر القيم النبيلة التي تراكمت على مدى أكثر من 80 عاما.

ويرى طاقة أنه بعد اجتياح القوات الأميركية العراق عام 2003، شرعت سلطة الاحتلال أول الأمر بحل الأجهزة العسكرية والجهاز الإداري الذي كان قد تأسس منذ بناء الدولة العراقية عام 1921، ثم شرعت الحكومات العراقية المتعاقبة في حملة شعواء ضد الطبقة الوسطى. وراحت مليشيات وقوى سياسية نافذة تنفّذ حملة مطاردة وقتل منظمة للعلماء وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والمثقفين والكوادر الوسطية في مرافق الدولة، كان الهدف منها تفريغ العراق من هذه الطبقة، وإحلال طبقة أخرى فاسدة".

معاناة وألم
تعيش المواطنة أم جعفر في كوخ صغير من الصفيح في أطراف مدينة القرنة في البصرة، ولا تمتلك أي مصدر معيشة سوى جمع القمامة لتأمين لقمة العيش لأطفالها الأيتام، تتحدث أم جعفر عن حالها، فتقول" توفي زوجي عام 2008 في تفجير إجرامي، وترك لي خمسة أيتام، لا أجيد ما أؤمن به معيشتهم واحتياجاتهم". تقارن ذلك بحالات البذخ الكبير التي ظهرت على المنتمين للكتل والأحزاب السياسية، بينما هي وأطفالها يرزحون تحت وطأة الجوع.

اقرأ أيضا: عسكرة المجتمع العراقي جنة لزيادة الأرباح

من جهته، أوضح المهندس ربيع الفارس ناشط ضمن منظمات المجتمع المدني وباحث في نظم إدارة الجودة لـ "العربي الجديد": أن "الحروب عادة ما يرافقها، وينتج عنها صعود شخصيات غليظة الطباع على حساب تهميش المثقفين، وشيوع تبريرات التجاوز على الحريات بذريعة إدامة الزخم العسكري، وهما أمران يمهدان أو يعززان حالات الفساد المالي ويدفعان باتجاه المزيد من التكتل والتنسيق بين الجهات المستفيدة من الأوضاع غير الطبيعية".

ويشير الفارس إلى أن "الغنى السريع والترف المفاجئ يورث صاحبه هوساً في الإنفاق الكبير على الأمور الكمالية، والاستزادة من تنمية رأس المال بنفس الطرق المعتادة، حتى يصل الأمر إلى محاربة كل من يخالفه في توجهاته وتعاملاته المالية".
المساهمون